في 11 من شهر يوليو/تموز عام 2014، وبينما كانت الحرب مشتعلة بين الفصائل الفلسطينية في غزة وإسرائيل التي امتدت نحو شهر ونصف، قصفت كتائب القسام ولأول مرة مطار «بن غوريون» الدولي في شمال إسرائيل، أحد أكبر مطاراتها وأكثرها ازدحاماً بما يزيد عن 11 مليون مسافر في السنة.
قصف القسام لمطار بن غوريون فاجأ إسرائيل وأوقعها في أزمة داخلية كبيرة، إذ سارعت شركات طيران دولية بتعليق رحلاتها إلى هناك لفترة، وقامت ببناء سياج دفاعي مضاد للصواريخ، لكن ذلك كان غير كاف، مما استدعاها للتفكير في تطوير وبناء مطار «دولي» ثان للطوارئ لا تطاله صواريخ حماس، ولا يعطل حركة الطيران ويوقعها في خسائر اقتصادية كبيرة.
وبالفعل، شرعت إسرائيل في مشروع مطار «رامون» الدولي -على اسم أول رائد فضاء إسرائيلي (إيلان رامون)- بمنطقة تمناع في مدينة إيلات جنوباً، على الحدود مباشرة مع الأردن، بتكلفة تجاوزت 500 مليون دولار، وبتوقعات باستقبال 2 مليون مسافر سنوياً، وقامت بافتتاحه الإثنين 21 يناير/كانون الثاني 2019.
لكن المشكلة التي واجهتها هنا هي اعتراض الأردن على مشروع المطار، لأنه سيشكل «خطراً أمنياً» على المطار الأردني المجاور في العقبة، مطار الملك حسين الدولي.
كيف يؤثر المطار الإسرائيلي الجديد على الأردن؟
يقول رئيس هيئة تنظيم الطيران المدني الأردني هيثم ميستو، إن الأردن يرفض إقامة مطار رامون الإسرائيلي في موقعه الحالي، لأنه يخالف المعايير الدولية فيما يتعلق «باحترام سيادة الأجواء والأراضي للدول الأخرى عند تشغيل المطار».
مشيراً إلى أن قرار الموافقة الأردنية على تشغيل المطار «مرهون بالتزام إسرائيل بالمعايير الدولية واتخاذ الإجراءات التي تضمن المصالح الأردنية كاملة».
وحول شكل الضرر المتوقع ومستواه، يرى الخبير العسكري الأردني فايز الدويري أن المطار سيشكل خطراً بانتهاك السيادة الأردنية لقربه الشديد من الحدود، إذ أن حركات الإقلاع والهبوط ستعمل بشكل أو بآخر على اختراق المجال الجوي الأردني.
ويضيف الدويري لـ»عربي بوست»، أن المطار المستخدم لغايات مدنية كما أعلنت إسرائيل، مخالف لقوانين حركة الطيران العالمية، إذ أنه سيلحق الضرر بشكل أو بآخر بحركة الطيران الأردنية، لقربه على مطار الملك حسين الدولي في العقبة.
لكن ما خيارات الأردن لمواجهة ذلك؟
ترى هيئة تنظيم الطيران المدني الأردني أنه يجب إلزام إسرائيل باتفاقية «شيكاغو» للطيران المدني لعام 1944م الموقعة من قبل 192 دولة في العالم من ضمنها الأردن وإسرائيل وهي اتفاقية ملزمة لجميع الأطراف.
ولفتت الهيئة في بيان لها الإثنين إلى أنّ الحكومة الأردنية ممثلة بهيئة تنظيم الطيران، بصفتها الجهة المختصة بهذا الموضوع، قامت بإبلاغ منظمة الطيران المدني الدولي باعتراض المملكة الشديد على هذه المخالفة، والتأكيد على ضرورة اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لضمان تقيد إسرائيل بالمعايير الدولية.
كما قالت الهيئة أنها قامت بالتواصل المباشر مع سلطة الطيران المدني الإسرائيلي بهذا الخصوص وإعلامهم بضرورة «عدم اتخاذ قرار التشغيل للمطار بشكل أحادي الجانب إلى أن يتم حل جميع الأمور العالقة تحت المظلة الدولية».
ومن غير توضيح أشكال الدفاع، تقول الهيئة إن الحكومة الأردنية تحتفظ بجميع الخيارات لضمان الدفاع عن وحماية مصالح المملكة، وهي تتابع هذا الأمر مع منظمة الطيران المدني الدولي لضمان الوصول إلى حل بهذا الخصوص وفق القوانين والمعايير الدولية.
إلى ذلك، ذكرت صحيفة “يديعوت أحرونوت”، أن “الأردن أعلن أنه يعارض إنشاء المطار الدولي رامون، الذي يجري إنشاؤه جنوب إسرائيل، بتعليل أنه يمسّ بسيادته الجوية، كما يشكّل خطراً أمنياً على المطار المجاور في العقبة”، لافتة إلى أن “إسرائيل تحاول تسوية المسألة بهدوء، دون افتعال مواجهة مستمرة”.
وحسب الصحيفة، فإن “الأردنيين يبدون اعتراضهم على موقع المطار، خشية أن يمسّ بالسياحة في العقبة وباقتصادهم المحلي”، لكن الصحيفة نوهت إلى أن “الحكومة الإسرائيلية أبلغت الأردنيين بإنشاء المطار قبل عامَين، لكنهم لم يردّوا، وفي النهاية سيضطر الأردنيون للتعايش مع الواقع”.
إلى ذلك، يرى قانونيون أردنيون أن إنشاء المطار يخل باتفاقية وادي عربة بين الأردن وإسرائيل، إذ أن الاتفاقية نصت حول الطيران المدني، أن «يأخذ الطرفان بعين الاعتبار المفاوضات فيما بينهما حول افتتاح ممر جوي بينهما، وفقاً لإعلان واشنطن، أو أية إنشاءات حدودية تتطلب ذلك».
إذ يرى الباحث القانوني مؤيد المجالي أن الفصل الخاص من معاهدة السلام حول مدينتي العقبة وإيلات، جاء فيه أن الطرفين يتفقان على الدخول في مفاوضات على الترتيبات التي ستمكنهما من التنمية المشتركة للمدينتين، وذكر من هذه التنمية التعاون في الطيران والسياحة المشتركة، وهو ما لم تفعله إسرائيل، بحسب الباحث.
ماذا ستستفيد إسرائيل من المطار؟
تقول إسرائيل إن أحد الأهداف من بناء المطار هو تعزيز السياحة الأوروبية في فصل الشتاء وتوفير بديل لمطارها الرئيسي في تل أبيب في أوقات الصراع، أي أنه سيكون في منطقة هادئة للسياح ولن يؤثر على حضورهم، حيث ترى أنه سيحل أيضاً محل مطار بلدية المدينة الصغير (إيلات) وكذلك قاعدة عوفدا الجوية التي تقلع منها أيضاً رحلات مدنية.
ليس هذا فحسب، فإسرائيل تريد أيضاً تعزيز حضورها في المجال الجوي الجنوبي، بحيث يكون هناك مطار دولي في الشمال، وآخر في الجنوب، إذ يقول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أثناء حفل افتتاح المطار إن «الطائرات ستأتي إلى هنا من الجنوب ومن الشرق ومن الشمال، هذا تغيير كبير فيما يتعلق بقدرة إسرائيل على استقبال الزوار وكذلك بمكانتها الدولية».
تقول سلطة الطيران الإسرائيلي إن مطار رامون مُصمم لاستقبال أي طائرات يتم تغيير مسارها من مطار بن غوريون القريب من تل أبيب.
ويرى الإسرائيليون أن هذا أحد الدروس المستفادة من حرب غزة 2014. إذ يقول نتنياهو إن المطار الجديد «سيمنح إسرائيل قدرات إضافية واستراتيجية مهمة سواء في الأوقات العادية أو بقدر ما نحتاج في أوقات الطوارئ».
ويتوقع الإسرائيليون أن بعد المطار بمسافة 200 كيلومتر عن غزة و370 كيلومتراً عن لبنان، سيجعله في مأمن من أي هجمات متوقعة، إذ أن حوله أيضاً سياج أمني يوصف بأنه «للوقاية من الهجمات باستخدام الصواريخ المحمولة على الكتف» من الأردن على سبيل المثال.