سيد مصطفى- الرصيف22
في 25 يناير 2011، ملأ المصريون ميدان التحرير في القاهرة وميادين أخرى... شهد ذاك النهار ذروة تحركاتهم التي أطلقوا خلالها هتاف "عيش، حرية، عدالة اجتماعية"، وصولاً إلى المطالبة بإسقاط النظام، ونجحوا، وخرج الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك من المشهد السياسي بعد 30 عاماً أمضاها في سدة الحكم.
اليوم، وبعد ثماني سنوات من عمر الثورة، وتغيّر الجالسين على مقعد الحكم من مجلس عسكري إلى إخوان مسلمين وصولاً إلى الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي، هل يدفع تردّي الأحوال ثوار يناير الذين يعارضون النظام الحالي إلى تمنّي عودة أيام مبارك مرة أخرى؟ وكيف يقارنون بين الوضع الحالي والوضع قبل الثورة؟
خالد تليمة... "الأهداف ستتحقق في يوم ما"
خالد تليمة، أحد رموز ثورة يناير الشبابية، هو مثال للشاب الثوري الذي انتقل من الميادين إلى العمل السياسي الرسمي، إذ ترشح للانتخابات النيابية ثم عمل في الحكومة عام 2013، قبل أن يترك منصبه احتجاجاً على الأوضاع.
كان تليمة عضواً في "ائتلاف شباب الثورة"، وهو ائتلاف سياسي تشكّل في ميدان التحرير ليمثّل الشباب الثائرين، كما نشط في "ائتلاف الثورة مستمرة" وخاض معه الانتخابات البرلمانية عام 2011، قبل أن يحلّ نفسه بعد انتخابات الرئاسة المصرية لعام 2012، ولكنه لم يفز بمقعد، ثم واصل مسيرته كقيادي في التيار الشعبي، وهو تجمع سياسي أنشاه المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي عقب ثورة 25 يناير ليكون بديلاً عن النظام السابق وعن الإخوان، وكان أيضاً عضواً في "جبهة 30 يونيو"، ووصل إلى تقلّد منصب نائب وزير الشباب في حكومة حازم الببلاوي التي تشكلت بعد الثالث من يوليو 2013 لإدارة المرحلة الانتقالية بجانب الرئيس المؤقت عدلي منصور.
يعتبر تليمة أن إجراء مقارنة بين الأوضاع الحالية وبين الأوضاع أيام مبارك صعبٌ، خاصة على أثر ما واجهته الثورة بعد عزل مبارك من شبكات مصالح مختلفة.
وقال تليمة لرصيف22 إن ثورة يناير خرجت ضد مساوئ كثيرة جداً شابت عصر مبارك وكل ما كانت ترجوه هو بناء نظام ديمقراطي حقيقي، مضيفاً أنه في يوم من الأيام ستُحقق ما كانت تصبو إليه، وسترفع صور شهداء ثورة يناير، فبرأيه، "لنا في التاريخ عبرة. لا توجد ثورة لم تغيّر، ولو ليس الآن إلا أن التغيير حتماً سيتحقق".
ولفت تليمة إلى أن الثورة لم تغيّر في ملفات كالعدالة الاجتماعية والحريات، ولكنها غيّرت في الشعب المصري وفي وعيه، و"حتى لو بدا للبعض أن الناس أُحبطت إلا أن هذا غير صحيح".
إسراء عبد الفتاح... "الوضع الحالي أسوأ"
الناشطة إسراء عبد الفتاح هي من رموز ثورة يناير، ولم تكن جديدة على عالم الاحتجاجات إذ شاركت في محطات مختلفة بينها إضراب 6 إبريل 2008 واعتُقلت قبل الثورة مرتين، الأولى يوم الإضراب المذكور والثانية في 15 يناير 2010.
"لم يكن طموحنا تغيير النظام"، تروي عبد الفتاح، وتضيف أن التظاهرات بدأت، عبر صفحة خالد سعيد على فيسبوك، ضد التعذيب وطالبت بمحاسبة الشرطة ووقف للتعذيب وإعادة هيكلة وزارة الداخلية وعزل وزير الداخلية حينذاك، ولم تخرج من أجل إسقاط النظام، ولكنها تحوّلت بعد ذلك إلى ثورة طالبت بذلك.
وتعتبر عبد الفتاح أن أكبر أخطاء الثورة هي الانقسامات التي ظهرت في وقت مبكر جداً بين الثوار، و"لم يكن يجب حدوث انقسامات".
وتقول عبد الفتاح لرصيف22 إن "الوضع الحالي أسوأ بكثير من أيام مبارك"، مشيرة إلى أنه في عصر مبارك لم يكن هناك حجب للمواقع، ولم يحدث تغييب لدور المجتمع المدني، ولم يكن هناك حبس احتياطي لمدد مفتوحة، ولم يكن يوجد هذا الكم من حالات الإخفاء القسري، ولكن هذا يوجد الآن، ما يجعل الوضع الحالي أسوأ بكثير من الماضي.
هيثم الخطيب... "المقارنة ظلم للعهديْن"
شارك الناشط هيثم الخطيب في "اتحاد شباب الثورة" وهو اتحاد تأسس عام 2011 لتوحيد جهود شباب الثورة، كعضو في مكتبه التنفيذي، ثم انضم لاحقاً إلى حزب الدستور الذي أسسه محمد البرادعي.
يروي لرصيف22 أن ثورة 25 يناير فاقت توقعات منظميها، وحتى القوى الدولية والإقليمية، مذكراً بأن المتظاهرين رفعوا شعارات العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، و"لكن حركة الشعب كانت أسرع، فطالب بإسقاط النظام، وسبق الثوار والسياسيين بخطوات، ولذلك لم يكن للثورة قائد، وفشل الجميع في تقديم هذا القائد".
وأكد الخطيب أن الآمال كانت كبيرة، وبعد الإطاحة بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي كان الثوار مدركين أنهم لن يحققوا شعارات الثورة إلا عبر نظام سياسي يتبناها.
وقال: "كنا نعتقد أن نظام مبارك يجب إسقاطه لأنه هو ما يحول بين المصريين وبين الحصول على كرامتهم وحريتهم، ولكن مرّت الثورة ووجد الثوار أن المشكلة في وعي الجماهير، ووجدنا من العام الثاني بعدها أن المواطن لا يحتمل فترة انتقالية، خاصة في ظل الانفلات الأمني وضيق سبل المعيشة، ولذلك قزّم سقف طموحاته إلى حد الاستقرار".
وأضاف الخطيب أن المصريين أرادوا نظاماً سياسياً يحقق الاستقرار بصرف النظر عمّا إذا كان سيلبّي طموحاتهم أو لا، ولعبت الآلة الإعلامية دوراً كبيراً في تغييب الوعي، واختار المواطن الاستقرار رغم أن تكاليفه عليه حالياً تبلغ عشرة أضعاف تكاليفه أيام مبارك، ولكنه راضٍ، وتابع أن "الثورة حاولت أن تلبّي للشعب طموحاته ولكنه قال لها ‘شكراً’".
وعن المقارنة بين الوضع الحالي والوضع في عهد مبارك، قال الخطيب: "هذا فيه ظلم للعصرين"، رغم اعتباره أنه "في كل المناحي، عصر مبارك أفضل".
بعد ثماني سنوات على ثورة 25 يناير، هل يدفع تردّي الأحوال ثوار يناير الذين يعارضون النظام الحالي إلى تمنّي عودة أيام مبارك مرة أخرى؟ وكيف يقارنون بين الوضع الحالي والوضع قبل الثورة؟
مقارنات بين أيام مبارك والوضع الحالي في مصر... "هو نظام واحد لم يتغير... وسياسته لم تتغير، ولكن ما اختلف بين العهدين هو أن البطش والعنف أصبح أكثر والخبرة والكفاءة في إدارة أمور الدولة أصبحت أقل"
فبرأيه، المقارنة ظالمة لمبارك لأنه لم يتجرأ يوماً على اتخاذ القرارت التي يتخذها النظام الحالي، إذ "كان يخشى الشعب و الجيش". ورغم وجود الإرهاب الذي "كان يملأ مصر" في عصره، لم يتجرأ على التفريط في السيادة، "ليس وطنيةً منه ولكن خوفاً من الجيش، وهو قوات وطنية، ومن الجماهير"، و"لذلك ما يقوم به النظام حالياً لم يستطيع مبارك فعله".
كما أن المقارنة فيها ظلم للنظام الحالي، برأيه، فـ"أيام مبارك كان يوجد استقرار إقليمي ولم يكن يوجد إرهاب بهذا الشكل... واليوم يوجد إرهاب حقيقي لإسقاط مصر، كما سقطت دول أخرى... ما يحمّل الدولة تكاليف المواجهة التي يدفعها النظام الحالي".
وتابع الخطيب أن مشكلة النظام الحالي هي أنه يريد الظهور بدور المنقذ، اقتصادياً وعسكرياً وأمنياً. ولكن، برأيه، لا يجب أن يكون الأب الروحي ويقوم بمشاريع بدون دراسة، وينبغي أن يفهم أنه إذا كان قادراً على إدارة جبهة قتال، إلا أنه يفتقد الكفاءة لإدارة جبهات سياسية واقتصادية، وعليه أن يتركها للمتخصصين.
وتطرق الخطيب إلى تفريط النظام الحالي بالسيادة، مشيراً إلى غياب الشفافية حول أسباب القيام بذلك وهل توجد أسباب أم لا، وهل الأسباب تستدعي هذا الحجم من التفريط بجزر وحقول غاز وحدود اقتصادية في المياة الإقليمية بين مصر وقبرص وإسرائيل، بشكل يضع النظام أمام "شبهات الخيانة"؟
عمرو بدر... "بطش أكثر وكفاءة أقل"
"الثورة فعلت أعظم شيء". هذا ما يقوله لرصيف22 عمرو بدر، أحد المشاركين في ثورة 25 يناير، وعضو اللجنة التنسيقية لتظاهرات 30 يونيو والعضو السابق في حركة تمرد.
يعتبر بدر أن الثورة غيّرت وعي المصررين، و"صارت راسخة في أذهانهم فكرة الحريات ودولة القانون، وهي لم تحكم ولكن فعلت ما هو أهم، إذ غيّرت وعي الناس، وتغيير الوعي هو مقدمة لأي تغيير سياسي".
وعن فكرة المقارنة بين النظام الحالي ونظام مبارك، قال بدر: "هو نظام واحد لم يتغير... هما ليسا نظامين وإنما نظام واحد برموزه ورجاله، وسياسته لم تتغير، ولكن ما اختلف بين العهدين هو أن البطش والعنف أصبح أكثر والخبرة والكفاءة في إدارة أمور الدولة أصبحت أقل".
وأضاف بدر أن الوضع الاقتصادي المتردي والحياة المعيشية الصعبة للمصريين قد تصل بهم إلى إطلاق موجات احتجاجية جديدة بحال استمر الوضع على ما هو عليه لفترة أطول.
واعتبر أن الشعب الذي فضّل الاستقرار طيلة خمس سنوات يمكنه تغيير رأيه في أي وقت إذا شعر أن هذا الاستقرار غير مجدٍ، وأنه مجرد تجميد للوضع.