صورة تجمع ملك السعودية وأمير الكويت/ رويترز

هل تبحث دول الخليج عن أخ أكبر غير السعودية.. كل المؤشرات تشير إلى دولة إسلامية واعدة (تعرف عليها)

مع استمرار حالة الحصار المفروضة على قطر من قبل السعودية وحليفاتها وعلى رأسها الإمارات، ومع كل فشل يصاحب اجتماعات دول مجلس التعاون الخليجي يزداد الشعور بالقلق على السيادة لدى دول الخليج  الصغيرة جغرافياً.

يقول كلايتون كروكيت، منسق تطوير مناهج اللغة العربية لعملاء الحكومة الأمريكية والذي تربطة علاقة بوزارة الدفاع الكويتية، في مقال له بمجلة The National Interest الأمريكية  إن مجلس التعاون الخليجي أسس بهدف ضمان سيادة الدول الأعضاء فيه، لكن قمة مجلس التعاون الخليجي المنتهية –وغير الحاسمة– التي عُقدت في ديسمبر/كانون الأول لمعالجة قضية الحصار المستمر ضد قطر تستدعي إعادة تقييم أولويات الولايات المتحدة في المنطقة.

يستشهد كروكيت بمثل شعبي أخبره به ضابط في وزارة الدفاع الكويتية يعكس صورة من الحياة في الخليج، فقال: «إذا طاح الجمل.. كثُرت سكاكينه».

ويرى كروكيت أن الضوء يسلط في الوقت الحالي على السعودية بعد التخبط حول تورّطها في عملية اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي، والحرب المستمرة في اليمن، والدراما المحيطة بالخلافات الأسرية القبلية، لكن التحركات التي اتخذتها مؤخراً أطراف راسخة في المنطقة تنم عن فكرة متنامية بأن الجمل ربما يكون قد تعثر أخيراً.

الكويت تؤمن وضعها باتفاقيات عسكرية مع تركيا

سوف تبدأ الكويت، التي يقودها الشيخ صباح الأحمد الجابر، بدءاً من عام 2019 التنسيق والتبادل العسكري مع تركيا. ولا تمثل هذه الخطوة مجرد أحدث تحركات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى داخل مجال النفوذ السعودي، بل إنها تعرض كذلك المخاوف التي تعتري الأصوات المعتدلة في الخليج.

سارع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بدعم حصار السعوديين ضد قطر، ومع الأخذ في الحسبان دفاعه عن النظام السعودي في أعقاب عملية اغتيال خاشقجي الرديئة، فمَن يمكنه أن يتوقع دفاعه عن الكويت إذا قررت العائلة الملكية في السعودية الاستيلاء على الحقول النفطية الكويتية، أو بطريقة أخرى إذا انتهكت سيادة الكويت؟

ويرى كروكيت أن الحظر المفروض منذ عامين على أحد أعضاء مجلس التعاون الخليجي أعاق قدرة الكويت على تأدية دور الوساطة بنجاعة، إضافة إلى أن تبنّي تركيا لنموذجٍ إسلامي معتدل وللديمقراطية وكذلك الاستقرار العام في قيادتها، يجعلها بديلاً واضحاً للاضطلاع بدور القيادة في الشرق الأوسط الأوسع.

من المؤكد أن تركيا بقدرتها على امتلاك صناعات ترفيهية وثقافية متنوعة، وتبنّي فكر إسلامي معتدل، وسياستها الخارجية المتنامية، ونفوذها الذي تمارسه على جانبي ثنائية روسيا والغرب، قد أبهرت بكل وضوح الحلفاء المحتملين في المنطقة.

تأسس مجلس التعاون لتوفير الأمن للدول الصغيرة.. فما فائدته الآن؟

تأسس مجلس التعاون الخليجي لتوفير الأمن للدول الصغيرة غير القادرة على توفيره بنفسها، لذا سيكون من الصعب على دول الخليج الصغيرة -إن لم يكن من المستحيل- أن تتخلى عن الحاجة إلى متبرع يؤدي ما يشبه دور الأخ الكبير. ستبحث الدول الضعيفة الغنية عن ريادة الإسلام السياسي الذي لديه في الحقيقة مستقبل سياسي.

أبلت تركيا بلاءً حسناً لتُصور نفسها بديلاً واضحاً للقيادة السعودية. إذ إن نشر قوات تركية في قطر المحاصرَة أرسل بعض الرسائل. الأولى أن تحركات السعوديين في منطقة الخليج لم تلقَ تجاهلاً من الأطراف خارجه.

والثانية أن الدول الصغيرة في الخليج اعتُرف بها باعتبارها دولاً فرادى ذات كيانات مستقلة بغض النظر عن علاقاتها مع بعضها بعضاً.

والأخيرة أن هناك دولة مسلمة كانت متأهبة للوقوف أمام السعودية، ومنافَستها على الزعامة الإقليمية.

وقد بعثت هذه الرسائل قبل وقت طويل من أن يرسل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى تركيا أجمل الهدايا على الإطلاق «التفوق الأخلاقي» الذي بدا عليه عندما قرر اغتيال صحفي على أرض أجنبية.

يزيد إدراك الشيخ صباح أمير الكويت بضعف دولته الصغيرة، إذ تُذكره هذه المواجهة بوجوب تقديم ضمانات لأمن الدولة الغنية بالنفط.

تعتبر الكويت دولة صغيرة، والصحراء فيها خالية إلا من النفط، إضافة إلى أنها تحاول التوصل إلى طريقة تمنح من خلالها قليلاً من الحقوق إلى العمال المهاجرين الذين تعتمد عليهم اعتماداً كبيراً دون أن تجعل مواطنيها يشعرون بالتهديد.

تحتاج مثل هذه الدول -ويوجد حفنة منها في الخليج- إلى مساعدة خارجية ومتبرعين.

سلطنة عُمان تبحث أيضاً عن تأمين نفسها

بيد أن الكويت ليست وحدها التي تتبنى بهدوء سياسات تأتي على النقيض من سياسات الثلاثي السعودي البحريني الإماراتي. بل يُضرب مثال آخر في عُمان، الدولة الهادئة الغريبة في مجلس التعاون الخليجي، حيث يقال إن قائدها السلطان قابوس استضاف مؤخراً معرض «صُنع في قطر». وليس ذلك فحسب، بل أشارت تقارير أيضاً إلى زيادة حجم التبادل التجاري بينها وبين الدولة المحاصرة بنسبة 100%. ومع غياب واجبات الكويت باعتبارها وسيطاً في الخلافات الإقليمية، يسهل إغفال مبادرات سلطنة عمان نحو الاستقلال عن جاراتها، وهي على سبيل المثال اتفاقية دفاع مشترك وقعتها مؤخراً مع المملكة المتحدة، وأيضاً استقبال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

أدت عمان والكويت واجباتهما الإقليمية من خلال إظهار الاتفاق في القمة الأخيرة وعدم الحديث عن قضية خاشقجي، لكنهما لا تخفيان تقلب وجهيهما.

قطر هي الأخرى لديها احتياجات، يأتي من بينها الغذاء وضمان مستقبلها ما بعد الوقود الأحفوري. بالرغم من الحصار المستمر ضدها، لم تتعهد قطر وحسب باستثمارات في الاقتصاد التركي بقيمة 15 مليار دولار، بل إنها خرجت وحدها من منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) وتجاهلت نظراءها من دول الخليج من خلال إرسال وزراء أصغر ليمثلوها في القمة الأخيرة.

تعهّدت الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي كذلك بتقديم عشرات المليارات من الدولارات إلى البحرين خلال العقد الماضي.

لا شك أن مستقبل مجلس التعاون الخليجي سيكون عاصفاً بالخسائر الاقتصادية، وربما بالخسائر البشرية. ومن خلال تسليع الإرث الإسلامي، ادعت السعودية ملكيتها لإرث ثقافي يمكنها تصديره. بيد أن تركيا تقدم من خلال المقومات التي تمتلكها بديلاً جاذباً، فهو أكثر عولمة وأماناً.

كان مجلس التعاون الخليجي في الأساس مبادرةً اقترحها آل صباح وخطوة منطقية إلى الأمام في منطقة تضم دولاً صغيرة؛ من أجل ضمان أمنها مع دعم من إحدى القوى العالمية، وهي الولايات المتحدة.

لذا فإن رد الفعل الذي اتخذته «الكويت ما بعد الغزو العراقي» بهدف ضمان الاستقرار عبر التعاون مع الدول الأخرى، يجب أن يتجلى من خلال «الكويت ما بعد حصار قطر» و»الكويت ما بعد قضية خاشقجي».

وحتى في ظل الموارد المحدودة والسكان غير المستعدين لدعم اقتصادات ما بعد النفط، يبدو أن هناك طرقاً عديدة يمكن من خلالها أن تبني كل من الكويت وعمان تحالفات استراتيجية في إطار مجلس التعاون الخليجي وخارجه من دون ربط مصيرهما بالسعودية.