تبقى الأمور والظواهر الاجتماعية في إطار المعقول حتى تصل إلى درجة تلامس فيها ما يمكن وصفه بـ"المخالف للطبيعة".
تعاني المجتمعات العربية منذ الأزل من جملة ضوابط ذات طابع موروث تابع بشدة للعادات والتقاليد الاجتماعية والدينية بمختلف تشعباتها، والتي بدأت منذ عقود قليلة ماضية بالتعارض وبشكل حاد مع المسار الطبيعي للحركة المجتمعية بكافة عناصرها وخصوصا فيما يخص مظهر العلاقة بين الرجل والمرأة.
وها هو المجتمع العربي يصل اليوم إلى مسألة أخرى غاية في الخطورة أشبه ما يمكن وصفها بعنق الزجاجة التي انحشرت فيها التقاليد والأعراف الواسعة جدا داخل عنق زجاجة ضاقت ذرعا في تمرير حزمة هذه الاعتبارات الموروثة والتي لا يمكن تجاوزها بسهولة.
الحديث هنا عن شكل العلاقة والتواصل بين الرجل والمرأة، أو بالأحرى بين الشاب والفتاة في المجتمع العربي، إذا تقتضي الحاجة كما هو معروف وفي الغالبية العظمى من البلدان العربية إلى ضرورة السير على خط مرسوم مسبقا يفضي في نهاية الأمر لحصول الشاب على فتاته والفتاة على شريك حياتها.
وليس في الأمر جديد عندما نذكر أنه على الشاب في المجتمع العربي تحمل القسط الأكبر في الكلفة المادية لعملية إتمام الزواج وقبول الأهل — بالدرجة الأولى — والفتاة بطبيعة الحال.
وهنا اجتمعت مختلف الظروف الصعبة وأولها المادية التي تمر بها الدول العربية منذ سنوات قريبة مع رزمة الاعتبارات الاجتماعية التي ترفض تسهيل عملية زواج الشباب دون الاستناد إلى منطلقات واجب توافرها عند الشاب كالمنزل والمهر والمجوهرات الذهبية والحلي وغيرها من اللباس. هذا إن لم يكن حتى ضرورة أن تعيش الفتاة المرغوبة بالزواج منها في مستوى مادي معين يجب على المتقدم تحقيقه والتعهد بذلك قبل ملامسة عروسه.
أفضت هذه التزاحمات عند عنق الزجاجة إلى ظهور حملات بدأت على ما يبدو على شكل "نكات" تتداولها ألسن الشباب، ولكنها يبدو أنها تحولت خلال فترة سريعة إلى ما يشبه اختلاق مشكلة من العدم.
حملة "خليها تعنس" التي تعني لنتركها — أي الفتاة — في بيت أهلها دون زواج وتدخل فترة العنوسة (سن الحكمة)… رغم ما يحتويه عنوان الحملة التي أطلقها الشباب العربي في عدد من الدول وعلى رأسها مصر وسوريا، إلا أن الأمور على ما يبدو لن تقف عند حد النكات والحملات الفيسبوكية الدونكيشوتية.
إنما هي مؤشر حقيقي على مستوى تدني وضحالة المجتمعات العربية في طريقة تفكيرها، والمسارات الجانبية السطحية التي يمكن أن تسلكها شريحة أساسية ومهمة في المجتمع ألا وهي فئة الشباب.
علما أنه بإجراء مقارنة بسيطة للمجتمعات العربية مع المجتمعات التي لا تعيش تلك العادات ذاتها، نجد أن الفارق كبير جدا في طريقة التعامل مع هذه المسائل الغاية في الأهمية، والتي تتلخص بعلاقة "نصف المجتمع" بنصفه الآخر.
الصورة اكتملت هنا خصوصا بعد أن أطلقت فتيات في بلدان عربية حملة مضادة لحملة الشبان المذكورة والتي حملت عناوين متقاربة تحوم حول عبارة "خليك بحضن أمك".
ونلحظ على صفحات مواقع التواصل الاجتماعيمئات آلاف التعليقات التي تراوحت بين الجدية والهزل وحس الفكاهة في بعض الأحيان… ولا متسع كاف هنا للمرور عليها جميعها، ولكن بقليل من الجدية يمكن تلخيصها بأنها مرحلة مؤسفة لا تبشر بالخير لمستقبل أهم فئات المجتمع، على الأقل في هذه الفترة الحرجة من تاريخ المجتمعات العربية. ولا حتى تعطي أي نتيجة حقيقية تدلنا على مستوى التجربة التي خاضها الشباب العربي.