كتب: عمر البدوي- صحفي سعودي (لصحيفة العرب)
يمتلك الفنان اليمني زكي اليافعي قدرة خيالية على رسم الوجوه، والخيول، والريف اليمني، التفاصيل التي تحتفظ بها لوحاته، دقة ملامح الوجوه تنبئ عن حجم الموهبة التي يتمتع بها الفنان. عندما تطالع لوحاته الزيتية تظن لوهلة أنها من عمل الكاميرات، صور مكبّرة التقطتها عدسة ماهرة، لكنها في الواقع رسومات متقنة من يد رسام ماهر، إذا تفحّصت التفاصيل جيّداً ستلاحظ ذلك، وستنتبه إلى كفاءة هذا الرسام وقدرته على تجسيد الواقع عبر لوحاته الجميلة.
ليس مجرد ناقل، أو وسيط بين الواقع ولوحاته، هذا الفنان، فهو يختلف كثيراً عن المصور، الذي تقترب أعماله في دقتها من فن التصوير، لكن عندما ندقق في أعماله ثمة شيء لا بد أن نعثر عليه، فهو يجيد وهو يرسم تلك الوجوه المعبّرة، نقل الأحاسيس، وكأنه يوم يمرر أصابعه في ثنايا الملامح يصلها بأعماق الإنسان اليمني المنطوي على الكثير من الكلام المضمر، الملامح الصامتة في لوحاته تقول الكثير لمن يرهف سمعه.
موهوب بالفطرة، فهو يرسم، مذ كان طفلا، الأشياء المحبوبة لديه، كان يبدو متيّماً برسم الخيول، لما فيها من رشاقة ومقاسات ونسب وتشريح رباني رائع.
بعدها وبفعل التشجيع من الأهل والمدرسين استمر يرسم بشغف وحب حتى سنوات الجامعة، ومع تراكم الخبرات الفنية والثقافية ازداد تعلقه بفن الرسم، وبرزت مهاراته في أعمال ستستقطب إليها محبي فن الرسم.
بسبب ميوله نحو الواقعية في سلوكه وطباعه كإنسان، أحب المدرسة الواقعية، وعمل على تطوير مهاراته وقدراته من خلال المتابعة والاطلاع على أسس هذه المدرسة كالتشريح والمنظور، والمقاسات والنسب وعلاقات الألوان.
في أجواء تحتشد بالتراث وعناصره تجذّر لديه الاهتمام بتلك العناصر، وبالمكونات التراثية، وبكل أصيل وقديم، وكل ملمح من تراث عريق، وقد أخذ على عاتقه رسم المناظر المتصلة بالبيئة اليمنية، ونقل عناصر هذه البيئة إلى اللوحة، وقد حمل ذلك كرسالة أسهم من خلالها في نشر التراث اليمني العريق.
جسد ذلك في خصوصيات الملبس وفي المهن القديمة والمباني التاريخية، وأسهب في رسم الفئات البسيطة الفقيرة، يرسم أحوالها وجعل أعماله تنطق بأحزانها ومعاناتها، وهو يشعر بأنه يقدم فنا متصلا بالناس يوصل عبر الفن رسالتهم إلى كل المجتمع. وقد حقق انتشارا كبيرا، وتمكن من الفوز بالعديد من الجوائز.
يقول زكي “الفن الجميل والقريب إلى قلوب الجمهور وحب الآخرين هو ما يحمل رسالة إنسانية بامتياز. غلب على أعمالي رسم كبار السن وتفاصيلهم الكثيرة، ذلك لأنهم أصحاب هوية واضحة وصريحة، كما أنني أكن تقديرا خاصا لهذا الجيل فهو كله عطاء ومحبة وعمل ومتشبث بالأرض والأشجار”. فاز بالعديد من الجوائز، منها جائزة رئيس الجمهورية المركز الأول بالجمهورية 2007، وجائزة وزارة السياحة لأفضل منظر سياحي، وجائزة بعثة الاتحاد الأوروبي بالمركز الأول، وجائزة دبي الثقافية، ومثّل اليمن في العديد من المعارض والمهرجانات الخارجية.
الحديث عن طموحه كفنان سوف يقودنا إلى ذكر تلك السلبيات التي تعوق عمل وتطلعات الفنان في المجتمع اليمني والعربي عموما. يعتبر أن “طموح الفنان دائما هو أن تتغيّر تلك الأحوال النافرة، فاليمن يفتقد إلى الكثير من العوامل والأسباب التي من شأنها أن تنهض بالمشهد الفني، مثل الصالات أو الغاليريهات المتخصصة لهذا الفن، والتي تعطي تأثيرا إيجابيا في رفع الذوق العام، وكذلك الجامعات والمعاهد الفنية ونقص الفعاليات كل هذا يتسبب في ضعف التذوق العام للفن التشكيلي، وندرة الثقافة المتصلة بالعمل الفني.
هناك القليل من المهتمين بالفنون البصرية في اليمن، خصوصا ممن عاش في الخارج. يطمح الفنانون التشكيليون إلى تجاوز كل هذه العوامل المحبطة للفنان، ويتمنون لهذا الإبداع التقدم والارتقاء إلى المستوى المتوقع من الشخصية اليمنية ذات الطبيعة الخلاقة. أعرف أن المهمة ليست سهلة أمام الفنان، خصوصا أن العربي يفتقد، عموما إلى ثقافة اللوحة وقيمتها في منزلة تأتي بعد أشياء وكماليات لا تستحق أن تقارن باللوحة الفنية.
أخيرا، يعترف زكي بأن “الفن في حياتي هو العامل الذي يشعرني بقيمة الحياة ومذاقها الجميل، فاليوم الذي أرسم فيه أشعر بأني عشته.. بكل جماله.. لذلك أنأى بنفسي بعيدا عن السوء الذي يحصل في المشهد الإنساني، والسياسي بصورة خاصة. أرسم لكي أنسى كل ما هو حولي من مساوئ، وأعالج نفسي من التوتر أو الضغط النفسي والقلق بالرسم. الرسم أو الفن طاقة هائلة الجمال أشعر بها تتدفق داخلي عندما انتهي من إفراغها في المساحة البيضاء أشعر بقمّة السعادة”.