ترجمة: عربي بوست
قال محللون إقليميون لموقع قناة CNBCالأمريكية، إنَّ الضغوط الدولية على المملكة العربية السعودية، من جانب هيئات تشريعية دولية، يتسع نطاقها على نحوٍ متزايد، بطرق قد تُبطئ الاستثمار الأجنبي، الذي تشتد الحاجة إليه، وإن هذه الضغوط ستؤثر مباشرة في «رؤية 2030″، التي يعتبرها ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، برنامجه الأساسي للتتويج بمنصب الملك.
والأربعاء 13 فبراير/شباط 2019، وضعت المفوضية الأوروبية السعودية رسمياً ضمن قائمتها لـ «الدول عالية المخاطر»، التي فشلت في مكافحة تمويل الإرهاب وغسل الأموال.
قد لا يجري تأكيد هذه التسمية، إذ بإمكان المجلس الأوروبي أو البرلمان الأوروبي الرجوع عنها في فترة الشهر إلى الشهرين، والتي يتعين خلالها على هاتين الهيئتين الأوروبيتين التصويت على ذلك القرار. لكن هذه الخطوة تسلط الضوء على رغبة جديدة من جانب المُشرّعين الدوليين في التدقيق على نحوٍ أكثر كثافة، في مدى امتثال السعودية للاتفاقيات الدولية، وسحب الامتيازات التي تمتَّعت بها المملكة حتى الآن، بحسب الموقع الأمريكي.
الموقف الأمريكي نقطة حاسمة في مستقبل القرار
وبحسب الموقع الأمريكي، قد يعتمد تأثير قرار المفوضية الأوروبية حقاً على مدى قبوله من جانب كيانات تشريعية أوروبية أخرى، بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية. وقد أعربت بالفعل كل من فرنسا والمملكة المتحدة عن معارضتهما القرار، وربما تحاولان الوصول إلى حل وسط مع المفوضية الأوروبية؛ إذ تربطهما علاقات تجارية كبيرة مع السعودية، إلى جانب صادرات الأسلحة إليها. ولم تعلَن الأسباب الفنية لإدراج السعودية على تلك القائمة.
ومن جانبها، قالت لوريتا نابوليوني، الخبيرة في مجال تمويل الإرهاب ومؤلفة كتاب «Terror Inc»، لقناة CNBC الأمريكية، بالبريد الإلكتروني، الخميس 14 فبراير/شباط 2019، إنَّ «إدراج السعودية في تلك القائمة أمر (خطير للغاية). لكن رفض الولايات المتحدة القرار الأوروبي سيُشكّل نقطة فاصلة حاسمة». وأوضحت نابوليوني أنَّ هذا سيخلق تناقضاً من شأنه أن يكون له «تأثيرٌ في المستثمرين الأوروبيين وأي شخص يعمل داخل إطار سلطة اللوائح التنظيمية والأحكام القانونية للاتحاد الأوروبي، لكنَّه لن يؤثر في أولئك الذين يعملون بموجب سلطة الولايات المتحدة والدولار الأمريكي».
الرئيس الأمريكي ترامب يلتقي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في الرياض/ رويترز
وأضافت قائلةً إنَّ «تاريخ السعودية مع غسل الأموال وتمويل الإرهاب ليس سراً، ومن ثمَّ فإنَّ تلك التسمية مُسوَّغة، لأنَّنا نعلم أنَّ أموال السعوديين ذهبت لتمويل عدة منظمات جهادية على مدى عقود، بالإضافة إلى أنَّنا أمام دولة لا يخضع نظامها المالي لسلطتنا التشريعية»، كما يقول الموقع الأمريكي.
وتابعت: «التمويل الإسلامي نظام منفصل له قواعده الخاصة به، لذا تفتقر السلطات النقدية الدولية إلى السلطة لوقف عمليات غسل الأموال أو تمويل الإرهاب، هذه حقاً مشكلة ضخمة».
ولم تردَّ وزارة الخارجية السعودية والسفارة السعودية في لندن على طلبات قناة CNBC للتعليق.
وكتب أيهم كامل، رئيس المجموعة العلمية لشركة Eurasia Group بالشرق الأوسط، في مذكرة، هذا الأسبوع، تقول إنَّ السعودية «لا تتتبَّع على نحوٍ فعَّال أو روتيني، أي معاملات مشبوهة ولا تُبلغ عنها». لكن الرياض أقرَّت مؤخراً قوانين لمكافحة عمليات غسل الأموال والإرهاب تهدف إلى التصدّي لتمويل الإرهاب. ويشير كامل إلى أنَّ تقرير عام 2018 الصادر عن فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية، يبين التزاماً إيجابياً من جانب الحكومة السعودية ما يسمى مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وقال إنَّ «مسؤولي الاتحاد الأوروبي لديهم نطاق أوسع لمعاقبة السعودية بعد جريمة قتل جمال خاشقجي». وأضاف: «كانت الرياض، في جميع الاحتمالات، تنتهك بعض معايير الاتحاد الأوروبي مع ثقة في غير محلّها، بأنَّ أوروبا من غير المرجح أن تتحرك ضد السعودية».
حب أقل كثيراً للسعودية
ويأتي هذا التطور في الوقت الذي يدفع فيه مشرّعون أمريكيون جمهوريون وديمقراطيون صوب إصدار مجموعة من التشريعات المختلفة، تهدف إلى تحميل الرياض المسؤولية عن قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، وسحب الدعم الأمريكي للحملة الهجومية التي تقودها السعودية في اليمن، ومعارضة منظمة أوبك النفطية، حيث تُعد السعودية العضو الأقوى فيها.
وبغض النظر عن النتيجة، فإنَّ أي شائبة على صورة المملكة تضيف مزيداً من التحدّيات لأهدافها الاقتصادية المُخطَّطة في «رؤية 2030″، وهي خطة طموحة قادها ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، لتنويع اقتصاد بلاده بعيداً عن النفط، والدفع نحو خلق فرص العمل من خلال القطاع الخاص. لذا، فإنَّ جذب رأس المال الأجنبي هدف رئيس في جدول أعمال «رؤية 2030».
الملك سلمان بن عبدالعزيز/رويترز
تقول سينزيا بيانكو، المحللة البارزة بشركة Gulf State Analytics للاستشارات الجيوسياسية، إنَّ اللغة التي استخدمتها المفوضية الأوروبية «تشير إلى أنَّ تلك الخطوة تهدف إلى تشجيع الحكومة السعودية الراغبة في جذب الاستثمارات الأجنبية على اتخاذ خطوات استباقية، لتصبح وِجهة أكثر قبولاً للاستثمارات الأوروبية».
ومع ذلك، أضافت بيانكو قائلةً إنَّه بالنظر إلى أنَّ البنوك الأوروبية أكثر حذراً بالفعل من نظيراتها الآسيوية أو الأمريكية بشأن الانخراط في تعاملات مع السعودية -حيث تُعتبر المخاطرة السياسية عالية جداً في الوقت الراهن- فإن «هذه الخطوة يمكن أن تؤثر سلباً في هذه المسألة، حتى لو ظلَّت مُصدَّقاً عليها جزئياً فقط».