سقراط هو أشهر فيلسوف يوناني، ويعتبر أبا الفلسفة الغربية، وشخصية رئيسية في تطور الحضارة الغربية.
لم يترك سقراط كتاباتٍ فعلية، لذا فإن الانطباعات عن سقراط مأخوذة في المقام الأول من كتابات تلميذه، أفلاطون. وهناك إسهامات أخرى أيضاً من زينوفون والكاتب المسرحي المعاصر– أريستوفانيس.
من المحتمل أن يكون أفلاطون قد زيَّن إرث سقراط ليجعله يبدو أنبل فيلسوف، وكمثال يُعتز به ويتبع. ومن الصعب تحديد مقدار هذه الزينة، ولكن رغم كل شيء تظلّ حياة سقراط إلهاماً عظيماً للكثيرين.
تزوج سقراط من زانثيبي وكان لديهما 3 أطفال. وقد اعتبرت زانثيبي بشكلٍ متكرر مثالاً على المرأة كثيرة الجدل صعبة الإرضاء، بينما كان سقراط نموذجاً للهدوء الفلسفي.
كانت زانثيبي تشكو دوماً من قلة المال، وبأن لديها 3 أبناء لتُربيهم، بينما كان سقراط غير عابئٍ بهذا الأمر، فقط عابئ بالتفكير والفلسفة. لكنَّ رأياً آخر مخالفاً لرواية أفلاطون يعتقد بأنّ هذه النظرة لزوجته كانت مجحفة لها، فقد كان زوجها غير عابئ بمتطلبات الحياة، بينما هي لديها ثلاثة أبناء لتربيهم.
الأسلوب السقراطي: أنا لا أعرفُ شيئاً
بخلاف فترة بسيطة قضاها في الجيش من غير الواضح لنا ماذا كان يعمل سقراط لكسب الرزق؛ ولكنه اجتذب مجموعة من الشباب، الذين جاؤوا للتعلم والدراسة معه.
سعى سقراط للتدريس من خلال مسار الاستقصاء الذاتي، لم يدّع أن لديه إجابات؛ كان يسأل طلابه أسئلة مجردة، ويجبرهم على التفكير بأنفسهم والتشكيك في عقائدهم ومعتقداتهم.
يقول سقراط: «بالنسبة لي، كل ما أعرفه هو أنني لا أعرف شيئاً». هذه المقولة الشهيرة لسقراط تمثّل جوهر أسلوبه السقراطي، كان سقراط دائماً على علم بمحدودية ما يعرفه.
كتب أفلاطون كيف سعى الطغاة الثلاثون لإشراك سقراط في الإعدام غير العادل لليون السالاميسي، المعارض للطغاة. ورفض سقراط، وكاد أن يتمّ إعدامه أيضاً، لولا الإطاحة بحكم الطغاة.
خلال حياة سقراط كانت أثينا تشهد الكثير من الاضطرابات السياسية، بعد أن تعرَّضت لهزيمة مذلَّة في الحرب البيلوبونيسية.
وقد أجَّج ذلك مشاعر الوطنية والانتماء في أثينا. ومع ذلك فقد شعر سقراط بأن عليه اختبار وفحص أبناء بلدته. وكان على استعداد أيضاً للنقد واختبار مفاهيم العدالة وتجنب الأفكار الطائفية المتعصبة والضيقة.
وفي مرحلة ما، قال سقراط جملته الشهيرة (التي نقلها عنه فلوطرخيس): «أنا لست أثينياً ولا يونانياً، بل أنا مواطن من العالم».
لكنَّ انتقاداته وتساؤلاته المستمرة خلقت له أعداءَ سياسيين، وقد زاد موقفه سوءاً بسبب مناخ الريبة الذي كان يسود في هذه الأوقات.
لكنَّ هذا التصوُّر الذي بناه بالأساس أفلاطون، يواجه تصوراً آخر، تبنَّاه «آي. إف. ستون» في كتابة «محاكمة سقراط«، إذ اعتبر الكاتب أنَّ سقراط بآرائه كان ضد ديمقراطية أثينا، ما جعل العديد من السياسيين يعادونه بشكلٍ مباشر.
بل تخطى الأمر ذلك باعتبار الكاتب أنَّ سقراط كان مؤيداً -بطريقةٍ أو بأخرى- لديكتاتورية الثلاثين التي قامت في أثينا، بينما يروي أفلاطون أنَّ قادة الثلاثين حاولوا الضغط على سقراط لدعمهم، لكنه لم يقبل.
يعتقد الكاتب أنَّ سقراط ليس شهيداً لحرية الرأي والتعبير، وإنما شهيداً لآرائه المنافحة عن «حكم الفرد»، في مقابل «حكم الشعب» الذي يتهمه سقراط بالجهل الكامل.
لكنّ لا يبدو أنّ أحداً يستطيع حسم هذا الأمر بشكلٍ واضح: هل كان سقراط ضد الديمقراطية؟ لكنّ ما لا يختلف عليه أحد أنّ سقراط كان ناقداً لاذعاً للسياسيين في أثينا وللمجتمع الأثيني.
سقراط لديه صفاتٌ سيئة لكنه يستطيع السيطرة عليها
وسأل صديق لسقراط، تشايريفون، كاهن ديلفي إذا كان هناك من هو أكثر حكمة من سقراط. فأخبره كاهن ديلفي بأنه لا أحد أكثر حكمة من سقراط.
اعتقد سقراط أن هذه مغالطة، لأنه لم يكن يعرف شيئاً، ولكن بعد التحدث إلى الشعراء البارزين وكبار الشخصيات في أثينا أدرك سقراط أنه على الرغم من أن الأشخاص الآخرين يعتقدون أنهم يعرفون الكثير، فإنهم في الحقيقة ليسوا كذلك، لذا أكّد سقراط كلام الكاهن، فقد كان أكثرهم حكمة لأنه كان على وعي بما يجهله.
«أنا أكثر حكمة من هذا الرجل، كلانا لا يبدو أننا نعلم أي شيء رائع أو جيد؛ ولكنه يتوهم أنه يعلم شيئاً ما، على الرغم من أنه لا يعلم شيئاً، بينما أنا أعلم بأني لا أعلم شيئاً، ولا أتوهم بأني أعلم. وفي هذا العبث، أظهر أنني أكثر حكمة منه، لأنني لا أتوهم أنني أعلم شيئاً لا أعلمه».
غالباً ما يتم تصوير سقراط على أنه قدِّيس عظيم، شخص له كامل السيطرة على نفسه. على الرغم من أنه كان يعرف عنه أيضاً أنه سريع الغضب.
تدور إحدى قصص سقراط عندما ذهب بصحبة بعض تلاميذه، لرؤية «كاهنة» معروفة. وطُلب من «الكاهنة» أن تتحدث عن طبيعة سقراط، فأجابت بأن سقراط لديه كل الصفات السيئة من الغرور والزهو والخوف والكراهية.
عندئذ، غضب تلاميذه لأنهم لا يرون ذلك في معلمهم. وعندها استدركت الكاهنة بأن سقراط لديه هذه الصفات بالفعل، ولكنه على عكس الآخرين يمكنه أن يسمو عليها ويحفظها حبيسة في داخله.
محاكمة وإعدام سقراط
آراء سقراط السياسية غير التقليدية واستعداده لكشف جهل الآخرين خَلَق له الكثير من الأعداء، وأدى ذلك إلى القبض عليه ومحاكمته. كانت المحاكمة بالغة الإثارة في حوارات أفلاطون.
يرسم أفلاطون صورة الفيلسوف الذي لا يهاب الموت، والملتزم بقول الحق. ويقول سقراط قبل إعدامه بقليل: «حانت ساعة الرحيل، وسيذهب كل منا في طريقه، أنا للموت وأنتم للحياة. أي المصيرين أفضل، وحده الإله يعلم».
عندما أصدر الحكم على سقراط بأنه مذنب بتهمة إفساد عقول شباب أثينا و»الفجور» قَبِلَ الحكم بهدوء، وبدلاً من أن يحاول الهرب من الحكم بالموت وافق على سمّ الشوكران.
لو أنكر سقراط معتقداته، كان يمكن أن يظل حياً وحراً، كان يمكن أيضاً أن يحاول الهرب، ولكن كفيلسوف شعر بأن الأهم أن يثبُت على معتقداته، كما أنه كان يشعر بالأُلفة تجاه مجتمع أثينا، لذا عليه أن يتقبّل مصيره عن طيب خاطر، وكانت كلمات سقراط الأخيرة:
«كريتو، نحن مدينون لأسكليبيوس بدين، فلا تنس دفع الدين». وأسكليبيوس هو إله الطب عند الإغريق.
يمكن أن نفهم من ذلك أن سقراط رأى الموت حرية للروح. بينما يفسر ذلك آخرون بأن موته كان تكفيراً لأخطاء وكوارث أثينا، بينما وجهة النظر المخالفة تعتقد أنّ سقراط لم يكن لا هذا ولا ذاك، وإنما دفع ثمن انتقاده للديمقراطية الأثينية.