هل لاحظت أحد أصدقائك أو أقربائك وهو يقوم بحك جلده بحماسةٍ شديدة؟ هل قمت بذلك مسبقاً؟ عليك إذن أن تنتبه، فالأمر قد يكون خطيراً وقد يكلفك جراحاتٍ تجميلية.
عليك أن تفهم المشكلة أولاً لتستطيع أن تحدد الوجهة والعلاج المناسبين. في هذا المقال من صحيفة The Guardian البريطانية نعرض لك قصة كونور، وآراء أطباء متخصصين في هذه الحالة النفسية – العضوية.
بالنسبة لكونور، تعد الرغبة الغامرة بالوقوف أمام أقرب مرآة هي إحدى أولى العلامات. يقول كونور: «عادة، أكون قد بدأت في الكشط وجذب أجزاء أخرى من جسدي إذا لم أستطع السيطرة على الرغبة المُلحة» لفعل ذلك.
يعيش كونور -مثل كثيرين غيره- مع اضطراب كشط الجلد القهري، وهو إلحاحٌ لا يقاوم على جذب وكشط الجلد، قد تكون له آثار كارثية على البدن والعقل.
يقول كونور: «عندما أشرع في جذب بشرتي، أفقد إدراكي تماماً». وقد تستمر آثار الاهتياج لما يصل إلى 45 دقيقة، ولا ينتج عنها قرح واحمرار جلد وجهه فحسب؛ بل يضاف إليها شعور قوي «بالاشمئزاز من الذات، والكراهية» بسبب ما فعله بمظهره.
يُعتقَد أنَّ اضطراب كشط الجلد (Excoriation Disorder أو Dermatillomania) يصيب واحداً من كل 20 شخصاً. وهو أحد أفراد مجموعة من السلوكيات (إلى جانب اضطراب نتف الشعر القهري trichotillomania) تعرف بالسلوكيات الجسدية المتكررة (BFRBs). وقد اعتبرت مؤخراً كياناً متميزاً في أنظمة التصنيف النفسية.
يَخدُش المصابون بهذا الاضطراب جلدهم بأظافرهم ويجذبونه، ويفركونه، ويحفرون فيه، وأحياناً يستخدمون بعض الأدوات مثل: الملاقط، ما يسفر عن جروح وقروح، وقد تتحول في النهاية إلى ندوب.
وهناك تأثير نفسي أيضاً يدفعهم للانعزال والشعور بالخزي
بحسب د. دانييل غلاس، استشاري الأمراض الجلدية في عيادات الأمراض الجلدية بلندن، فجلد المرضى «قد يتضرَّر بصورةٍ بالغة» بسبب هذه السلوكيات، ويمكن أن يتدهور إلى أي شيء، بداية من جرحٍ أو اثنين إلى أكثر من 100.
وقد تحمِل أيضاً آثاراً نفسية، إذ يقول: «إذا كانت لدينا مشاكل جلدية، فقد نشعر بالدونية والتردد عند مواجهة العالم».
ورغم تزايد الوعي بهذه الحالة فهو لا يزال منخفضاً إلى حدٍّ ما. يشرح الطبيب النفسي وخبير السلوكيات الجسدية المتكررة فريد بنزل من نيويورك الأمر قائلاً: «هذه اضطرابات تنطوي على الشعور بالعزلة والخزي»، مضيفاً: «هذا ما يمنع كثيرين من السعي للعلاج؛ فهم خائفون من الإفصاح عن أفعالهم تلك».
بعد وقوع بعض الحوادث السيئة نتيجة لاضطراب كشط الجلد، تغيَّب كونور عن المناسبات الاجتماعية وهجر صالة الألعاب الرياضية، التي يحبُّها عادة، واختبأ في غرفته؛ فقد كان، كما يقول: «خجلاً بسبب ما فعلته لنفسي».
تجعل الأخطاء الشائعة المحيطة بهذا الاضطراب منه وصمة عار كبيرة، حسبما يعتقد بنزل، العضو المؤسس في مجالس المستشارين العلمية في المؤسسة الدولية للوسواس القهري (the International OCD Foundation)، ومركز تعليم هوس النتف للسلوك التكراري المركَّز على الجسم.
على الرغم من أنه صُنف كأحد «اضطرابات الوسواس القهري والاضطرابات المرتبطة به» في الإصدار الخامس للدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية الصادر عن الرابطة الأمريكية للطب النفسي، فإنه يختلف عن اضطرابات الوسواس القهري، حيث إنه ليس بإيذاء للنفس، وليست بالضرورة نتاج مشكلة أعمق أو صدمة لم تُحلّ.
وعلى الرغم من أن اضطراب كشط الجلد قد يظهر في أيّ سن، فإن ظهروه غالباً ما يكون في مرحلة الطفولة أو المراهقة. وقد لاحظ كونور -البالغ من العمر 24 عاماً الآن- في المدرسة الثانوية كم أنه يجذب جلده أكثر من أصدقائه، حيث يقول: «لم أبدُ طبيعياً».
أما هولي ديفدسون -ذات الثمانية والثلاثين عاماً- فتتذكر طريقة جذبها بشغف لبشرتها عندما كانت مراهقة. ومع خضوعها للعلاج السلوكي المعرفي لأول مرة منذ أربعة أشهر في محاولة لوقف عادتها القهرية، التي أصبحت جزءاً من حياتها لدرجة أنها انهارت بالبكاء، وصفت حالتها قائلة: «لقد قلت: لا أعلم إن كان بإمكاني التوقف؛ لأنها أصبحت جزءاً مني لعشرين عاماً».
لقد جرّبت هولي العديد من الحلول المحتملة على مدى سنواتٍ طويلة، بما فيها تجميل الوجه المكلّف، والعلاج بالتنويم المغناطيسي، وارتداء الجوارب؛ لكنها تقول إن العلاج السلوكي المعرفي -وهو أحد أشهر العلاجات النفسية لهذا الاضطراب- كان الأكثر فاعلية. لكن بنزل يقول إن علاج هذا الاضطراب قد يكون معقداً، بحسب شدة الحالة وسببها المحتمل.
تقول أنجالي ماهتو، استشاري الأمراض الجلدية في عيادة كادوجان بلندن، إنها غالباً ما ترى حالات متدهورة من حبّ الشباب (وهو نوع من اضطراب جذب الجلد يضغط فيه المرضى على بقع حب الشباب أو على البشرة السليمة بعد اختفاء الحبوب). وتقول: «عندما يأتي الأفراد إلى العيادة، لن ترى البقع، وإنما سترى مناطق من البشرة قاموا بقطعها خلال محاولتهم التخلص من البقع».
وعلى الرغم من أن كونور وديفدسون قد أبلغا عن الشعور بالقلق والتوتر والإجهاد فيما يتعلق بحالتهم، يقول بنزل إنه من المفاهيم الخاطئة الشائعة القول إن الأمر كله يتوقف على الإجهاد.
يقول: «يفعل البشر هذه الأمور عندما يكونون مثارين بشكلٍ مفرط، مضغوطين أو حتى متحمسين بسعادة، ويفعلونها إن كانوا غير مثارين بشكل مفرط، هادئين أو يشعرون بالملل. إذا فهي توفر الإثارة عند نقصها، وتقللها إذا زادت، أي أنها تعمل في الاتجاهين».
فلا يتسبب القلق والاكتئاب في هذا الاضطراب. ومع أنهما قد يتسببان في تفاقم المشكلة أو تدهورها؛ لكنهما ليسا سبباً لها. وهذا أمر مهم يجب فهمه. حسب ما يقول بنزل.
تشير الأرقام إلى أن 75٪ ممن يعانون من اضطراب كشط الجلد هم من الإناث، لكن بنزل يظل حذراً من الصورة التي ترسمها هذه المعلومة؛ فالنساء أكثر طلباً للعلاج من الرجال، وهناك القليل من الدراسات الشاملة.
تتذكر جاكلين كيليكيتا (26 عام) حادثة وقعت العام الماضي عندما جذبت قطعة جلد متدلٍّ من شفتها بقسوة لدرجة أنها قطعت جزءاً كبيراً من الجلد، ما تسبب بنزيفٍ شديد.
تقول جاكلين: «كنت أجذب أيضاً جلد بشرة وجهي وأحياناً فروة رأسي؛ لذلك أجريت أبحاثاً على الأعراض الخاصة بي وكان كل واحد منها يشير إلى اضطراب كشط الجلد».
وبدورها كمحررة في موقع Refinery29 UK، نشرت جاكلين تجربتها، وذكرت بعدها: «بعد أن كتبت المقال، أخبرتني زميلة بأنها تعاني أيضاً. وأرتني التعليقات التي تظهر أن الكثير من البشر يعانون الأمر ذاته؛ فقد قال أحدهم إنه شعر بالراحة لمعرفته أنه ليس وحيداً».
كان تدليك القدمين (Reflexology) مفيداً لها؛ لكنه كان مكلفاً، والحفاظ على ترطيب الشفاه واليدين هو طريقة أرخص لتقليل الدافع لفعل ذلك، فبحسب ما قالت: «إذا كان الجلد مرطباً أو مغطى، فاحتمالية جذبي له أقل»، يلي ذلك تجربة العلاج السلوكي المعرفي.
يشجِّع بنزل استخدام نهجٍ شامل متخصص في علاج السلوكيات النفسية المتكررة على العلاج السلوكي الذي يقع تحت مظلة العلاج السلوكي المعرفي. ويقول: «إننا نحاول التفكير في الصورة المرضية الكاملة، وكل ما يحيط بالمشكلة ويساعد في تغذيتها؛ لأنك إن لم تفعل ذلك بشكل شامل، لن تسيطر عليها أبداً».
الأمر ليس مجرد عادة سيئة، وأحياناً ما يُساء فهمه طبياً
من بين القضايا الرئيسية الأخرى، عدم فهم الاضطراب، وطريقة علاجه في المجتمعات الطبية والنفسية. يقول بينزل: «يحصل الكثيرون على رد فعل سيئ من العاملين في القطاع الطبي، حيث يجري مع الأسف التعامل مع المرض باعتباره مجرد عادة سيئة؛ لكنه في الحقيقة أكثر من ذلك».
فقد يرتفع ذلك إلى مستوى كبير من الخطورة، ويجب أخذه على محمل الجد. ففي بعض الحالات الخطرة، ونتيجة لكشط الجلد الشديد، احتاج بعض الأشخاص إلى جراحات تجميلية، أو أصيبوا بعدوى ثانوية مثل مرض أكل اللحم (التهاب اللفافة الناخرة).
يقول كل من كونور وهولي إنّ الوصمة قد تشكل عائقاً عن الحصول على العلاج. فمن بين العديد من الرجال المصابين باضطراب كشط الجلد الذين تحدث معهم كونور، قليلون هم من أخبروا أهلهم وأصدقائهم وطبيبهم بالخطب.
فهم لا يشعرون بأن الناس سيفهمون ما هم فيه. في الحقيقة، قرر كونور مشاركة حياته مع هذا الاضطراب على حساب على إنستغرام أملاً في تكوين شبكة دعم.
تقول هولي إنها لسنوات لم تمتلك أي فكرة حول كونها تعاني من اضطراب نفسي: «لقد كان أمراً أقوم به وحسب». وفي رأيها أن هذا النقص الشديد في الوعي شائع للغاية. و»لا يعي الكثير من البشر أن بإمكانهم الحصول على المساعدة؛ فالكثيرون لا يعتقدون حقاً أنهم غرباء، وأنهم يمتلكون أمراً غريباً لا يملكه غيرهم».