ولي العهد السعودي خلال جولة له معرض للصناعات العسكرية عام 2017/ رويترز

السعودية تحاول «الاكتفاء الذاتي» من الصناعات العسكرية.. ولكنها تعاني من هذه المشاكل!

ترجمة: عربي بوست

قالت مجلة Defense News الأمريكية إن السعودية تواجه أزمة حقيقية في تأسيس صناعة الدفاع العسكري المحلي الحقيقي، وذلك ضمن سعي ومحاولات المملكة، لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الخبرة والمعرفة الصناعية العسكرية، ضمن خطة رؤية 2030.

وأضافت المجلة المتخصصة في تكنولوجيا الدفاع العسكري، إن حجم الأعمال غير المنجزة بالنسبة لوزارة الدفاع السعودية كبير جداً، كما أن هناك اتفاقيات متعثرة وأخرى متوقفة، لأسباب تتعلق بفقدان الإدارة والعدد الكافي من العاملين في الهيئات العسكرية السعودية التي تم إنشاؤها لهذه الأهداف خصيصاً، خلال السنوات الأخيرة.

مهمة غير سهلة كلّف السعوديون أنفسهم بها

أثناء رحلته الخارجية الأولى بعد توليه منصب الرئيس، أعلن دونالد ترامب عن حجم مبيعات مثير للدهشة للمعدات العسكرية الأمريكية إلى المملكة العربية السعودية. وبعد عامين تقريباً، لم تتحول هذه الصفقات الجديدة المنتظرة إلى خطابات طلب رسمية حتى، ولم تصبح عقوداً. وفي حين كان هذا الانقطاع في الاتصالات مصدراً لتزايد الانتقادات الداخلية للرئيس، فلن يندهش المتابع لصفقات الجيش السعودي منذ فترة طويلة من هذه الفجوة الزمنية الكبيرة بين الإعلان عن الصفقات وتنفيذها.

لكن حضور القادة العسكريين الإقليميين والتنفيذيين في هذا المجال واجتماعهم معاً في معرض ومؤتمر الدفاع الدولي، «آيدكس»، يشير إلى استعدادات الهيئة العامة للصناعات العسكرية (جامي) وهي الجهاز الحكومي المعني بالتجارة الدفاعية في المملكة إلى التحرك بشكل أسرع في المستقبل وإنهاء كل هذه الأعمال العالقة. ستحقق الشركات الغربية الفوائد المرجوّة، ولكن قد لا يكون بالطرق نفسها التي اعتادوا عليها.

على الرغم من تعرض السعودية إلى تدقيق دولي غير عادي خلال الأشهر الماضية، ما زالت المملكة تحاول وفقاً لرؤية 2030 تنويع مصادرها الاقتصادية، ولا سيمّا تشجيع مجالات صناعة الأجهزة والخدمات الدفاعية المحلية.

">http://

وكما هو الحال مع القوى الإقليمية الأخرى –وخاصة تركيا والهند – لم تعد السعودية راضية عن العلاقات التقليدية بين العملاء والموردين والتي تتبعها شركات الدفاع الأمريكية والأوروبية لعقود.

من الآن فصاعداً، أي صفقة دفاعية كبيرة ستتطلب مشاركة أكبر بالأعمال في الشركات المحلية، وهذه المشاركة ستتجاوز متابعة العمل والصيانة الدورية وبرامج التعويض (التي كانت تنفّذ أحياناً) في الماضي.

ولتأسيس صناعة دفاع محلية حقيقية بعمالة مدربّة، سيكون السعوديون مطالبين بتسليم كمية كبيرة من الإنتاج وتحقيق الاكتفاء الذاتي من الخبرة والمعرفة إلى جانب عمليات نقل التقنيات «غير البسيطة».

هيئات للصناعات العسكرية.. تفتقد الإدارة وحتى العاملين!

وفي مايو/أيار 2017، جرى اتخاذ خطوات كبيرة ومهمة نحو إضفاء الطابع المؤسسي على هذا التحول، إذ أسست المملكة الشركة السعودية للصناعات العسكرية، وجرى تقسيمها إلى وحدات عمل تغطي البر والبحر والجو والأنظمة الإلكترونية، ووضعت الشركة أهدافاً طموحة لتطوير حلول جديدة، وقدرات التصنيع داخل الدولة وخدمات الدعم اللازمة.

واعترفت الحكومة السعودية بحاجتها إلى قدر أكبر من التنسيق الحكومي والرقابي، وأسست الهيئة العامة للصناعات العسكرية. وتتمتع هذه المؤسسة، المنفصلة عن وزارة الدفاع، بسلطات واسعة في عمليات البحث والتطوير والمشتريات.

كما تشرف الهيئة على متطلبات الموازنة والتعديل لمناسبة الصناعة المحلية، مما يوفر مساحة تواصل أخرى لشركات الدفاع الغربية الراغبة في الدخول في المشهد الواعد لهذه الصناعة في السعودية.

وفي ضوء هذه المستجدات، عانت الحكومات الحليفة ومتعاقدو الدفاع العالميون لبعض الوقت في محاولة التكيف والاستجابة مع هذه التطورات. ولم يساعد تأسيس هاتين المؤسستين بسياسة الأمر الواقع بلا تخطيط، لتصبح هيئات «جوفاء» تفتقر إلى العدد الكافي من العاملين أو الإدارة.

وتسبب هذا التأخير والجمود في قلق وتوجس شركات الدفاع الأمريكية، لتبدأ في إطلاق تنبيهات وإنذارات لمسؤولي الحكومة الأمريكية لاتخاذ إجراءات. وبالمثل، أحبط القرار الإسباني بإلغاء صفقة الأسلحة إلى السعودية العام الماضي مخططات الإنتاج المشترك لخمس سفن من طراز أفانتي كورفيت مع الشركة السعودية للصناعات العسكرية، وهي المحاولة المعنية بتقديم صورة مصغرة للنهج الجديد لصناعة الدفاع.

اتفاقيات متعثرة

وفي نهاية عام 2017، جرى تعيين مسؤول تنفيذي مخضرم من شركة راينميتال لقيادة الشركة السعودية للصناعات العسكرية، وتشير التقارير إلى زيادة فعالة في دمج أعمال شركات الدفاع السعودية المختلفة. كما يجري ممارسة الضغط على هيئات تطوير الأعمال التابعة للحكومة السعودية في أقسام التقنية، والدفاع والحماية (مثل؛ الشركة السعودية للتنمية والاستثمار التقني «تقنية») للامتثال أو التنحي جانباً.

ويبدو أن الهيئة العامة للصناعات العسكرية بدأت في الآونة الأخيرة تكليف العاملين والإدارة بالعمل على ملفات الاتفاقيات المتوقفة أو المتعثرة، وتطبيق السياسات الصناعية الجديدة للمملكة. على سبيل المثال، فقد راجعت المبادئ التوجيهية لمشتريات وزارة الدفاع، بحيث يلتزم المتعاقدين الأجانب باتفاقية الإنتاج المحلي لما لا يقل عن 50 % من قيمة التعاقد.

وفي الوقت نفسه، أكدت إدارة ترامب مجدداً دعمها لمبيعات الأسلحة الأمريكية بالخارج ودفع الهيئة المعنية بمراقبة الصادرات الأمريكية على قبول تغييرات بعدما كانت تعيق قدرة الشركات الأمريكية على المنافسة في أعمال منطقة الخليج بتقنيات الطائرات بدون طيّار وغيرها من المنتجات الدفاعية. وبالمثل، جدد القادة الأوروبيون جهودهم لتعزيز ودعم مبيعات الدفاع العالمية.

 

«تعظيم» العمالة المحلية

 

بشكل عام، هذا التطور والفعالية للمؤسسات المعنية بالتجارة الدفاعية في السعودية، ربما يمثّل «أخباراً إيجابية» لشركات الدفاع الغربية. ولكن التحدي المفروض على الإدارة الامريكية، وغيرها من الإدارات، هو إمعان النظر والتدقيق في تلك الصفقات مجدداً لمحاولة تعظيم الاكتفاء والعمالة المحليين.

وفي الوقت نفسه، لا تطالب السعودية بعمالة محلية أكثر فحسب، بل بتعزيز القدرات الصناعية الدفاعية على المدى الطويل أيضاً. وهذا سيتطلب من الشركات الأمريكية والأوروبية الإعلان صراحةّ عن علاقة «مربحة للجانبين» لتلك المبيعات لكل من عملائها السعوديين ولجمهور الناخبين في الحكومات والمجالس التشريعية والرأي العام. ولحسن الحظ، ففي معظم الحالات، ستكون العمالة السعودية بمثابة إضافة على العمالة الحالية المستفيدة من الصادرات الدفاعية، وليست بديلاً لها.

وعلى النقيض من ذلك، فإن الإصرار على تعظيم العمالة المحلية والحد الأدنى من نقل التقنية الصناعية سيؤدي إلى تسليم عقود وصفقات الدفاع الكبرى إلى المنافسين الأجانب، وعلى رأسهم روسيا والصين.

لذا، وعلى الرغم من تلك الرياح غير المواتية، بإمكان الشركات السعودية الاستفادة من التغييرات الجارية في المملكة العربية السعودية؛ تمرير صفقات أكبر بوتيرة أسرع، وتحقيق عائد أكبر وزيادة فرص العمل في قطاع الدفاع.

يتعلق الأمر الآن بقدرة الشركات على التكيف بسرعة أكبر على المنظمات والعمليات ونماذج الأعمال الجديدة والتي ستكون أساس الأعمال التجارية الدفاعية في السعودية في المستقبل القريب، فهل تنجح في ذلك بالفعل؟.