الوضع الإنساني في اليمن

بات اليمنيون مجرد متسولين.. كيف دمرت "حرب الحوثيين" الاقتصاد اليمني؟!

يخوض الحوثيون معارك مع القوات الحكومية على أكثر من 45 جبهة عسكرية في مناطق مختلفة، ويقومون بتمويل هذه الحروب من خلال حرب أخرى ضد الاقتصاد والقطاع التجاري، تصيب نيرانها العملة المحلية وتضرب قطاع المصارف وترفع أسعار السلع والوقود.
 

وبدأت حروب الحوثيين ضد الاقتصاد قبل عامين مع القرار الحكومي بنقل البنك المركزي إلى عدن، بعد أن وصل إلى مرحلة العجز عن تغطية الاعتمادات المستندية لاستيراد السلع، لكنها بلغت ذروتها منذ منتصف العام الماضي.
 

وظل البنك المركزي في عدن معطلاً منذ 2016، وتحولت مهامه إلى شركات الصرافة التي لعبت دوراً رئيسياً من خلال تغطية احتياجات التجار من تمويلات الائتمان والتحويلات الخارجية لاستيراد السلع والأدوية، لكنه أعلن في وقت سابق من سبتمبر 2018، استئناف تمويل واردات السلع الأساسية بالاستفادة من وديعة سعودية بملياري دولار.
 

وردت سلطات الحوثيين على قرار المركزي استئناف تمويل الواردات، بتحذير التجار من التعامل مع البنك المركزي في عدن، والتلويح بفرض غرامات على المخالفين الذين سيثبت تعاملهم مع الحكومة، كما تعهدت لهم بتوفير العملة الصعبة لتغطية فاتورة الاستيراد، وفق بيان نشرته قبل أيام وكالة الأنباء اليمنية في نسختها الخاضعة للحوثيين.
 

وأوضح مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، أن عملية بناء قدرات البنك المركزي اليمني في عدن بما يمكّنه من أداء وظائف بنك مركزي، كانت بطيئة وشاقة، وأكد المركز في تقرير صدر منتصف فبراير الجاري واطلع عليه "المصدر اونلاين"، أنه في عام 2018 بدأ البنك المركزي عدن في إثبات نفسه والمحاولة في تنفيذ سياسات ذات مغزى. ومع ذلك، عمل فرع البنك في صنعاء، وسلطات الحوثيين على تقويض هذه المراسيم الاقتصادية الجديدة الصادرة من عدن".
 

وقال مركز صنعاء :" خلال معظم عام 2018، سعت سلطات الحوثيين إلى تقويض السياسات التي تضعها الحكومة اليمنية وبنكها المركزي. علي سبيل المثال، عندما بدأ البنك المركزي في عدن توزيع أوراق نقدية جديدة من فئة 500 ريال عام 2017 و1000 ريال في فبراير / شباط 2018، قامت سلطات الحوثيين بحظر تداول هذه الأوراق في المناطق الخاضعة لسيطرتها.
 

وكثفت سلطات الحوثيين حملاتها خلال عام 2018 لتنفيذ هذا الحظر، حيث قام ضباط جهاز الأمن القومي التابع لسلطات الحوثيين بإجراء حملات تفتيش واسعة على مكاتب الصرافة والبنوك التجارية والمطاعم والشركات لمعرفة ما إذا كانت تقوم بالتعامل بهذه الأوراق النقدية الجديدة الصادرة عن البنك المركزي اليمني في عدن.
 

واستخدمت جماعة الحوثيين قرار حظر النقود الجديدة كذريعة لمصادرة ملايين الريالات من البنوك وشركات الصرافة، وقال مسؤول في بنك تجاري بصنعاء لـ" المصدر اونلاين" إن أفراد أمن حوثيين داهموا، نوفمبر الماضي، أحد فروع البنك وصادروا نحو 150 مليون ريال من النقود الجديدة ويرفضون إعادتها".
 

وعندما أصدرت الحكومة المرسوم رقم 75، مع تعليمات جديدة بشأن واردات الوقود التي تعد تهديداً للمستوردين المقربين من سلطات الحوثيين، هددت الأخيرة البنوك التجارية في صنعاء بالإنتقام، بما في ذلك حبس كبار موظفيها، في حال التزموا بمراسيم الحكومة. وبما أن جميع البنوك التجارية السبعة عشر في اليمن، باستثناء واحد منها، تتخذ من صنعاء مقراً رئيسياً لها، فإن سلطات الحوثيين تتمتع بنفوذ كبير للضغط عليها، وفقا لمركز صنعاء.
 

وأمر فرع البنك المركزي بصنعاء، مطلع نوفمبر، البنوك التجارية باستخدام الشيكات بدلاً من النقود لتغطية خطابات الاعتماد الخاصة بالواردات، ويتناقض هذا الأمر مع قرار البنك المركزي بعدن، والذي كان يأمر بتوريد قيمة خطابات الاعتماد الخاصة بالاستيراد نقداً.
 

 وتهدف إجراءات سلطات الحوثيين إلى منع نقل السيولة النقدية المادية إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة. وفي ديسمبر، أصدرت سلطات الحوثيين تعليمات جديدة تحظر على البنوك تحويل مبالغ تتجاوز 450,000 ريال يمني (أي ما يعادل حوالي 900 دولار من صنعاء إلى عدن دون موافقة مسبقة من البنك المركزي في صنعاء. ومع ذلك، تشير مصادر في القطاع المصرفي إلى استمرار تحويل الأموال عبر شبكات غير رسمية.
 

خبراء في الاقتصاد، أكدوا أن إجراءات الحوثيين تنسف الجهود الحكومية والدولية لإنقاذ العملة اليمنية، وتهدد بمزيد من التهاوي في قيمة الريال، وتخدم استمرار عمليات التلاعب والمضاربة بالعملات.

وقال الخبير في المالية العامة فكري عبد الواحد لـ" المصدر اونلاين" ان "اشتراط البنك المركزي على التجار التوريد بالعملة المحلية، غرضه هو سحب السيولة من مناطق الحوثيين والحد من عمليات التلاعب والمضاربة بالعملات الاجنبية".


 

ولمواجهة أزمة العملة، اتخذت العديد من الإجراءات المثمرة التي اتخذها البنك المركزي عدن، وأوقفت تصاعد موجات سعر صرف الدولار وأجبرته على التراجع إلى حوالي 500 ريال/ دولار في المتوسط في ديسمبر 2018.
 

ووفقاً لتقرير "المستجدات الاقتصادية الصادر عن وزارة التخطيط في صنعاء بتمويل من منظمة يونسيف، فإن من تلك الإجراءات، تمويل البنك المركزي في عدن واردات السلع الأساسية (قمح، ذرة، أرز، سكر، حليب اطفال، زيت الطبخ) بسعر صرف رسمي تراجع تدريجياً من 585 ريال/دولار بداية نوفمبر 2018 إلى 440 ريال/دولار في بداية ديسمبر 2018.
 

ويتولى البنك المركزي تمويل الواردات من السلع الاساسية مدعوماً بالوديعة السعودية البالغة ملياري دولار، والمنحة المالية 200 مليون دولار، ومنحة الوقود لمحطات الكهرباء بنحو 60 مليون دولار شهرياً.

 وحتى نهاية الأسبوع الثالث من يناير2019 ، وصلت المبالغ المسحوبة من الوديعة لتغطية الاعتمادات المستندية لاستيراد السلع الأساسية 441 مليون دولار منها 47 % للقمح.
 

ومن الإجراءات الإيجابية، سحب البنك المركزي جزءً من السيولة النقدية المتداولة من خلال استخدام أدوات الدين المحلي، وكذلك، بيعه الدولار لمستوردي السلع الأساسية الذين سحبوا العملة المحلية من السوق الموازي لفتح الاعتمادات المستندية وباعوا ما كان بحوزتهم من عملة صعبة، وفقاً لتقرير التخطيط الصادر مطلع فبراير الجاري.
 

وأسهمت التعهدات الدولية في تحسن سعر الريال، حيث تعهدت اطراف دولية بدعم تدفق النقد الأجنبي للاقتصاد اليمني، مما أعطى رسائل تطمين لسوق الصرف، بما في ذلك إعلان البنك الدولي في منتصف ديسمبر 2018 عن تقديم منحة جديدة بمبلغ 140 مليون دولار لمواصلة دفع التحويلات النقدية للرعاية الاجتماعية لحوالي 1.5 مليون حالة فقيرة منهم 45 % من النساء، وتغطي المنحة فترة ستة شهور.
 

ويحارب الحوثيون الاصلاحات النقدية التي ينفذها البنك المركزي لحماية العملة المحلية، معرضين القطاع المصرفي والاقتصاد ككل لمخاطر كبيرة، وغير آبهين بانهيار قيمة الريال أو توقف نشاط المصارف أو ارتفاع أسعار السلع، مثلما ظلوا غير آبهين بتفاقم معاناة الآلاف من موظفي الدولة ولم يدفعوا رواتبهم رغم مليارات الريالات التي يقومون بتحصيلها من الموارد العامة.
 

وانخفض سعر الريال اليمني مجدداً، بعد استقرار مؤقت دام شهرين، على خلفية اجراءات الحوثيين ضد البنوك المحلية ، في تطور انعكس بصورة فورية على سوق الصرف ويهدد بمزيد من التهاوي لقيمة العملة اليمنية أمام العملات الأجنبية.

وتراجع سعر صرف العملة اليمنية، منذ مطلع فبراير إلى 590 ريالاً للدولار في السوق الموازية، بعد أن استقر منذ مطلع ديسمبر الماضي عند مستوى 520 ريالاً للعملة الأميركية، بينما كان قد هوى خلال سبتمبر إلى 800 ريالاً مقابل الدولار الواحد.
 

 ابتزاز في المنافذ
 

وفضلاً عن حروبهم ضد الإصلاحات النقدية، يستمر الحوثيون في فرض رسوم غير قانونية من خلال منافذ جمركية تم استحداثها في مدينتي ذمار ورداع، ويقومون بابتزاز شاحنات التجار القادمة من المنافذ البرية والبحرية في مناطق الحكومة، في إجراء يدفع أسعار السلع للإرتفاع إلى مستويات قياسية ويفاقم معاناة الناس، كما يفاقم نقمة اليمنيين ضدهم.

وأكد الخبير في المالية العامة فكري عبد الواحد، أن امام الشرعية امكانية اعادة النظر بالرسوم الجمركية للسلع غير الأساسية ومضاعفتها إما بنسبة 100% أو 150% حتى لا تتيح مجالاً للحوثيين لفرض رسم جمركية في المنافذ التي استحدثوها كما هو حاصل الان.

وقال عبد الواحد، وهو مدير عام سابق في قطاع الموازنة بوزارة المالية: "إذا استمر الحوثيون في فرض رسوم جمركية إضافية، سيؤدي إلى توقف استيراد أو نقل تلك السلع إلى مناطق سيطرة الحوثيين وحرمانهم منها ومن الرسوم التي سيفرضونها، وإذا قبل التجار بفرض رسوم جمركية إضافية من قبل الحوثيين وأدخلوا تلك السلع  ستكون أسعارها مضاعفة وسيحجم الكثير من المواطنين على شرائها وسيتصاعد تذمر المواطنيين بالدرجه الرئيسية ضد الحوثيين".
 

البنك المركزي.. ورقة للابتزاز والمناورة
 

وقرر الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، في 18 سبتمبر/أيلول 2016، نقل المقر الرئيس للبنك المركزي وإدارة عملياته إلى العاصمة المؤقتة عدن، لكن الحوثيين احتفظوا بالمقر الرئيسي في صنعاء كبنك موازٍ خاص بهم، ما تسبب في زيادة الأضرار على الاقتصاد الوطني، وحصول أزمات متلاحقة، منها عدم الانتظام في صرف الرواتب وتهاوي قيمة العملة اليمنية.
 

وأوضح مركز صنعاء للدراسات، أنه مع قلة الموارد المالية المتوفرة، وبانتقال اعتراف المؤسسات المالية الدولية إلى مقر البنك بعدن، لم يعد فرع صنعاء معترفاً به دولياً، ولم يعد بإمكانه تيسير التحويلات المالية الدولية، وبالتالي عدم القدرة على تنفيذ سياسة نقدية ذات جدوى.
 

الباحث الاقتصادي حسام السعيدي، أكد أن البنك المركزي في عدن هو الذي يدير السياسة النقدية ويقوم بالمهام وفقاً للقانون، وقال لـ" المصدر اونلاين:": "في تصوري لا يمكن القبول بدور آخر للبنك من صنعاء إلا كدور ثانوي، إذ أن إدارة السياسة النقدية والحفاظ على الإستقرار الإقتصادي يتطلب توحيد القرار والآليات الصادرة عن البنك".
 

وأوضح السعيدي، أن الإصلاحات والمعالجات النقدية الأخيرة تجعل الإنقلابيين في وضع حرج للغاية، وجعلتهم يعيشون نوعاً من التخبط، وقال: "بعد تحسن قيمة الريال ادعى الإنقلابي محمد الحوثي أن محافظ البنك في عدن يتلاعب بالاقتصاد، لكن أحداً لم يعد يجادل في أن مركز القرار الاقتصادي أصبح في عدن".
 

وفقاً لخبراء مصرفيين، يستخدم الحوثيون فرع البنك المركزي بصنعاء كورقة لابتزاز البنوك التجارية والخاصة، وأداة للمناورة في المشاورات التي ترعاها الأمم المتحدة، لذلك قامت حكومة الحوثيين، اكتوبر 2018، بتعيين محمد السياني محافظاً للبنك المركزي اليمني في صنعاء.
 

وسعت سلطات الحوثيين إلى زيادة الإيرادات وممارسة سيطرة أكبر على الإقتصاد المحلي بشكل عام.

في بداية العام، أمرت مستوردي السلع الأساسية بالعمل حصراً مع فروع البنوك التجارية في أراضيها، كما أصدرت تعليمات للبنوك بالتعامل مع مكاتب صرافة محلية من أجل إرسال أي عملات أجنبية إلى الخارج.
 

كما  طالبت التجار بإيداع إيراداتهم من مبيعات السلع الأساسية في حساب يحتفظ به بنك التسليف التعاوني والزراعي – “كاك بنك” في صنعاء، وفقا للتقرير السنوي الصادر عن مركز صنعاء للدراسات الذي أكد أن هدف هذه الإجراءات كان مساعدة سلطات الحوثيين على تحصيل رسوم الجمارك والضرائب.
 

وقامت سلطات الأمن التابعة للحوثيين بتضييق الخناق على المصارف، منذ منتصف فبراير الجاري، واحتجزت موظفين كبار في بنك التضامن الإسلامي الدولي، أحد أكبر المؤسسات المالية الخاصة في البلاد، كما بدأت عمليات ابتزاز لبنك اليمن الدولي وهو بنك تجاري خاص تأسس نهاية السبعينيات من القرن الماضي.

واتهمت مصلحة الضرائب الموالية للحوثيين، بنك اليمن الدولي بالتهرب الضريبي خلال العشر سنوات الماضية وبتقديم بيانات غير صحيحة وفقاً لوثيقة اطلع عليها "المصدر أونلاين".
 

وشكلت المصلحة فريقاً من 26 شخصاً يمتلكون صفة الضبطية القضائية لإجراء عمليات التدقيق للبيانات والمستندات والحسابات الختامية منذ بدء النشاط وحتى 2016.

واعتبر خبراء مصرفيون، أن هذه الاجراءات غير قانونية لأنه تم إغلاق حسابات السنوات الماضية وتمت المراجعة والسداد في حينه، وأكدوا أن المطالبة ببيانات ضريبية لسنوات سابقة من البنوك يشير بوضوح إلى عملية ابتزاز.
 

وطالبت اللجنة الرباعية بشأن اليمن، 13 فبراير، الحوثيين بوقف تدخلاتهم في أعمال البنوك، وأهابت بحكومة اليمن الاستمرار في إصدار خطابات الاعتماد لجميع مستوردي الأغذية الرئيسيين، لجعل العملية أسرع وأكثر وضوحاً.
 

وقال بيان عن اجتماع عقد في وارسو لوزراء خارجية السعودية والإمارات والمملكة المتحدة والولايات المتحدة :" على ضوء الأنباء التي وردت مؤخراً عن التدخل غير القانوني في العمليات المصرفية لعدد من البنوك المحلية في صنعاء واختصاصات موظفي البنوك أعرب الوزراء عن إدانتهم لتلك الأفعال وطلبوا بشدة من الحوثيين رفع التنظيمات المفروضة على البنوك المحلية في صنعاء التي تعيق استيراد السلع التجارية والمساعدات الإنسانية التي هناك حاجة ماسّة إليها".