تناولت الصحف العربية المستجدات الأخيرة المتعلقة بقرار الولايات المتحدة الأمريكية بسحب قواتها من سوريا.
وعلقت الصحف على تصريحات مستشار الأمن القومي الأمريكي، جون بولتون بأن انسحاب قوات بلاده من سوريا يخضع لشروط، وفي ذلك إشارة إلى أن الولايات المتحدة قررت التدرج في الانسحاب. ووصف بعض الكتاب تصريحات بولتون بأنها "رسائل متناقضة".
"فشل" القوى الإقليمية
يرى عبد الرحمن الراشد في "البيان" الإماراتية أن "تراجع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن الانسحاب من سوريا نتيجة طبيعية لفشل القوى الإقليمية في النظر إليه كمشروع سلام هناك".
ويضيف الكاتب أن القوى الإقليمية تعاملت مع قرار الانسحاب على أنه "انسحاب المهزوم".
ويقول: "العراق حليف واشنطن أظهر ارتباكاً وتراجعا أمام ضغوط طهران. وتركيا سارعت لتقديم تنازلات لروسيا وإيران، وكذلك ميليشيا الكرد السورية (قسد)، المحسوبة على واشنطن، مالت لدمشق وإيران، في وقت زادت فيه طهران شحناتها العسكرية إلى أرض المعركة".
ويورد الكاتب أن "وزراء ترامب اعتمدوا لغة قوية للتعويض عن لغة الانسحاب الانهزامية السابقة. جون بولتون حذر الأتراك بأنه لا انسحاب لقوات بلاده من سوريا إلا إذا تعهدت تركيا بعدم القيام بأي خطوة في سوريا من دون إذن واشنطن، وحذرها من استهداف المقاتلين الأكراد. لغة أمريكية اعتبرت أنقرة أن فيها عجرفة لكنها لم تتجرأ على تحديها".
أما أسامة عثمان فيقول في "القدس العربي" اللندنية إن "الانسحاب الأمريكي من سوريا، ولو لم يكن تامًّا، يُضعِف، مِن شرعيَّة القوَّات الأجنبية الأخرى، ومنها إيران وحزب الله، ولاسيَّما بعد تراجُع خطر تنظيم (داعش)، واستعادة النظام لمزيد من المناطق من أيدي القوى الثورية المعارضة. وتاريخيا، لم تكن العلاقات الإيرانية الروسية، قائمة على الثقة، بل إنها حفلت بالحروب والصراعات، منذ روسيا القيصرية. ولم يُعْهَد على روسيا، حتى أيام الاتحاد السوفييتي، الوفاء بتحالفات متينة".
ويضيف الكاتب أن "روسيا الفائزة بنفوذ تاريخي في سوريا، يمكِّنها من الوصول إلى المياه الدافئة، وإلى قلب المنطقة العربية، تدرك التوازنات الضرورية، ومتطلَّبات هذا الدور، وفي مقدِّمتها الحفاظ على أمن إسرائيل، ومراعاة مصالح دول خليجية تستعدّ لبذل الأثمان؛ من أجل كبح النفوذ الإيراني والحيلولة دون نصرٍ حاسم لإيران.
وتقول مينا العريبي في "الشرق الأوسط" اللندنية "إذا كان الهدف مواجهة (داعش) وإيران في المنطقة، بإعلان ترمب المفاجئ الانسحاب من سوريا، فلقد تلقت كل جهة متطرفة في سوريا دعماً جديداً، فباتت المسألة مسألة وقت. الوجود الأمريكي العسكري في سوريا ليس كبيراً، ولكنه يدل على التزام ولو جزئياً من الولايات المتحدة بهذا الملف".
وتضيف: "كلما كانت واشنطن موجودة عسكرياً في بلد ما، يبقى انتباهها السياسي مرتبطاً بذلك الوجود. ولكن الانسحاب، وبطريقة مفاجئة، يأتي ليتوج عاماً من التحرك الأمريكي للتراجع عن الموقف ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد. وإذا كانت إيران تخشى مواجهة داخل سوريا، فقد أصبحت اليوم في موقف انتظار الانسحاب الأمريكي كليا".
"الرسائل المتناقضة"
ويقول علي قاسم في "الثورة" السورية إن "الحراك الأخير يكشف عن تكثيف أمريكي في خط الرسائل المتناقضة، ويضاعف من حجم الألغاز والأحجيات في سياق الترويج للانسحاب من سوريا، بحيث إن الإضافات أو الملحقات التي تراكمت في هذا الملف تجعل من الصعب البناء على ما يصدر عن الإدارة الأمريكية بخصوص المقاربات التي تعتمدها في سياستها القادمة، وتوحي في الحد الأدنى بتشوش الصورة في سياسة تتعمد خلط المعطيات والاحتمالات، وربما السيناريوهات القادمة لذلك الانسحاب، الذي بات في علم السياسة مبازرة رخيصة لبضاعة كاسدة".
ويضيف قاسم أنه "بغض النظر عن الطريقة التي يعتمدها في نهاية المطاف لشكل الانسحاب المزمع، يبدو الحراك السياسي الموازي معها والنشاط المحموم الذي يقوده وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي حمال أوجه، ويرسم تقاطعات على المدى البعيد تأخذ شكل العبث بالوقت، والعبث بالاصطفافات السياسية الناشئة، والأخطر العبث بمكونات وركائز اعتادت عليها المنطقة لعقود طويلة".
ويقول فارس بريزات في "الغد" الأردنية إن "الرسائل المتضاربة من واشنطن أخافت الكثيرين. ولتبديد مخاوف أصدقاء واشنطن، وردع أعدائها، في المنطقة يبدأ وزير الخارجية بومبيو اليوم الثلاثاء زيارة لثماني دول عربية لإيصال رسالتين علنيتين على المستوى الاستراتيجي: الأولى أن الولايات المتحدة لم ولن تنسحب من المنطقة، والثانية أن إيران تشكل التهديد الرئيس لأمن المنطقة".
ويضيف الكاتب أنه "ليس من المنتظر أن يتفق معه كل مستقبليه على كل شيء إلا إذا كانت إملاءات مقررة سلفاً وعلى الشركاء التنفيذ".