ترجمة: عربي بوست
عدة تساؤلات تراود الكثير من البشر يومياً، أغلبها يدور حول نمط الحياة اليومي، والشكل الأمثل الذي يمكن أن يحقق النجاحات الكثيرة بأقل مجهود، ومن هذه الأسئلة سؤال هل الاستيقاظ مبكراً مفيد أم لا، وهل هذا سيؤثر على معدل الإنتاج أم لا؟
هيئة الإذاعة البريطانية BBC نشرت تقريراً هاماً للإجابة على هذا السؤال وأجرت عدة مقابلات مع أشخاص يراودهم هذا التساؤل بشكل يومي.
وقالت الهيئة البريطانية الاستيقاظ مبكراً يجعلك أكثر إنتاجاً. المشاهير والمديرون التنفيذيون للشركات الكبرى يفعلون ذلك. ستصبح أسعد وستتحسن صحتك. ستشعر أنك تتحكم بحياتك.
لكن رغم شيوع تلك الحكايات، فالاستيقاظ مبكراً للغاية ليس حيلةً سحريةً لزيادة الإنتاجية ستحل مشكلتك في إدارة الوقت. بل إنها يمكن أن تقلل من إنتاجية البعض.
وتكمن الخدعة في إيجاد نظامٍ يناسب وضعك. وفيما يلي بعض النصائح النفيسة التي لا ترتبط بأي زمن والتي يمكن أن تساعدك على تحقيق ما ترغب به، وإيجاد استراتيجية الاستيقاظ المناسبة لك.
ما هي فوائد الاستيقاظ مبكراً؟
يمكن أن تكون الفوائد كثيرةً، على الأقل وفقاً لكل من يستيقظون عند الفجر.
يمر كثيرون بتشتيتاتٍ أقل خلال الساعات المبكرة: الأطفال مثلاً، أو أي شخصٍ آخر في بيتك يكونون على الأغلب لا يزالون يغطون في النوم، وستتلقى أقل عددٍ من الرسائل في هذا الوقت.
قال تيم كوك المدير التنفيذي لشركة Apple إنه يستيقظ في الساعة 3:45 فجراً ليبدأ في قراءة البريد الإلكتروني في كاليفورنيا قبل أن يتمكن زملاؤه في الساحل الشرقي من ذلك (إذ تكون الساعة عندهم حينها 6:45 صباحاً وهو لا يزال وقتاً مبكراً بالنسبة لهم). وتقول أوبرا وينفري إنها تستيقظ الساعة 6:02 يومياً لمارسة التأمل والتمارين الرياضية، قبل أن تبدأ عملها الساعة 9:00. أما الحالة الأكثر تطرفاً فربما تكون الممثل مارك والبيرغ الذي يستيقظ الساعة 2:30 ليتمرن، ويلعب الغولف، ويصلي، ويمضي بعد الوقت لاسترداد عافيته في غرفة باردة تصل درجة الحرارة فيها إلى 100 درجة تحت الصفر.
تقترح الدراسات كذلك أن الاستيقاظ مبكراً والنجاح قد يكونان مرتبطين. يُعتبر الأشخاص الذين يستيقظون مبكراً أكثر تزامناً مع جدول المؤسسات التقليدي، ويميلون لامتلاك شخصياتٍ سبّاقة أكثر، وهو ما يمكن أن يقود إلى درجاتٍ أفضل في المدارس، أو مراتب أعلى في العمل.
وإن لم تكن تستيقظ مبكراً بشكلٍ طبيعيٍ، فهناك بعض الاستراتيجيات التي يمكنك أن تجربها. التمارين المبكرة، والتعرض للضوء بأسرع ما يمكن قد يسرع عملياتك الأيضية ويرفع من حرارة جسدك، ما سيجعلك تفيق بسرعة.
مع ذلك يمكن ألا يأتي ضبط المنبه على ساعةٍ مبكرةٍ بنتائج جيدةٍ للجميع، إذ اتضح أن هناك الكثير من المحاذير حول محاولة أن تصبح شخصاً صباحياً إذا لم يكن ذلك مناسباً لك.
هل الاستيقاظ مبكراً مناسبٌ للجميع؟
لا. جيناتك هي التي تحدد إذا ما كان الاستيقاظ مبكراً سيزيد من إنتاجيتك أم لا، بحسب الهيئة البريطانية.
أُجريت الكثير من الأبحاث حول كيف أن بعض الناس يميلون أكثر بحكم بنيتهم البيولوجية للشعور بالانتباه الزائد في الصباح. فيما يُصبح آخرون في أوج تألقهم ليلاً. وأنت مثلاً قد تكن أكثر انتباهاً وتمتلك قدراتٍ إدراكيةً أكبر بعد الظهر.
في الواقع، قدمت دراسةٌ حديثةٌ نُشرت في دورية Nature Communications أدلةً إضافيةً على أن هذه هي الحقيقة. وبفحص بيانات أكثر من 700 ألف شخصٍ وجد الباحثون أكثر من 350 عاملاً جينياً يُمكن أن تؤثر على شعور الناس بالحيوية الطبيعية صباحاً أو مساءً. حجم العينة الكبير يجعل من الدراسة الأكبر من نوعها حتى الآن، رغم أنه لا تزال هناك حاجةٌ لدراساتٍ إضافيةٍ لتأكيد النتائج.
لذا، إن لم تكن تشعر بالانتباه تلقائياً في الصباح، ولكنك تحاول الاستيقاظ مبكراً على أي حالٍ، فربما تكون تخرب وقت ذروة أدائك.
بالطبع قد يكون للناس أسبابٌ شخصيةٌ لمحاولة الاستيقاظ مبكراً. تقول مارلين دافيدسون أستاذة علم نفس العمل بجامعة مانشستر: «قد تكون هناك عوامل أخرى مؤثرةٌ، مثل الحماسة، وزيادة الرضا الوظيفي، ما يسهل وجود التوق للاستيقاظ مبكراً والذهاب للعمل».
كذلك قد لا يكون لدى البعض خيارٌ حيال الوقت الذي يبدؤون فيه يومهم، مثل آباء الأطفال الصغار، أو العاملين في ساعات عملٍ غير تقليديةٍ.
ومربط الفرس: حقيقة الاستيقاظ مبكراً مجردةً لا تعني بالضرورة تحقيق النجاح الفوري في العمل. في واقع الأمر قد تأتي بنتائج سلبية اعتماداً على الشخص نفسه.
هل يمكن للاستيقاظ مبكراً أن يقلل من الإنتاجية؟
نعم. خاصة لو أنك لا تستيقظ مبكراً للغاية بطبعك وتحاول الالتزام بنمطٍ من الإنتاجية.
تقول رايتشل سالاس الأستاذ المساعد لعلم الأعصاب، والمتخصصة في طب النوم واضطرابات النوم بجامعة جونز هوبكنز بالولايات المتحدة الأمريكية: «يقول الناس إن ذلك المدير التنفيذي يستيقظ في الخامسة فجراً، سأقتدي به وأفعل ذلك يومي الإثنين والجمعة. لكن ذلك ليس نوماً متسقاً. أنت تعبث بنظامك».
وتقول سالاس إن النوم طوال الليل والحصول على القسط نفسه من النوم في الموعد ذاته كل ليلةٍ هما أمران في غاية الأهمية. وأسوأ ما يمكن فعله هو أن تقلل من ساعات نومك لكي تتحول إلى شخصٍ يستيقظ مبكراً.
تعني التضحية بالنوم أن تصطدم بالتأثيرات السلبية العديدة للحرمان من النوم، بما فيها اضطرابات المزاج، وقلة التركيز، واحتمال زيادة الوزن، والقلق، وارتفاع خطر الإصابة بأمراض القلب وارتفاع ضغط الدم.
لذا إن كان الاستيقاظ مبكراً يعني الامتناع عن النوم، فلا تستيقظ مبكراً. تقول سالاس إن لديها مرضى يأتون لعيادتها بسبب تقليلهم ساعات نومهم في العشرينات والثلاثينات من أعمارهم، وتسبب لهم ذلك في المعاناة حين صاروا أكبر، تغير نمط حياتهم وصار لديهم أطفالٌ.
إذا بدأت يومك مبكراً، فستحتاج بالمثل لأن تنهي عملك مبكراً، لذا «قد لا تكون هناك مكاسب حقيقيةٌ» كما تقول غايل كينمان أستاذة علم نفس الصحة النفسية المهنية بجامعة بيدفوردشير في مدينة لوتون بإنجلترا. وتعتقد أن الأشخاص ذوي المناصب البارزة في عالم الأعمال الذين يبدؤون أيامهم مبكراً ويقضون ساعاتٍ طويلةً في المكاتب أو يسهرون لوقتٍ متأخرٍ يتسببون لأنفسهم في ضررٍ بالغٍ.
هناك أمرٌ خبيثٌ يتعلق بالمديرين التنفيذيين الذين يتباهون ببدئهم أعمالهم في وقتٍ مبكرٍ. أطلقت صحيفة The New York Times الأمريكية مؤخراً مصطلح «مدمني الإنجاز في العمل» على مدمني العمل الذين يعتبرون الاستيقاظ المبكر للعمل، والعمل لساعاتٍ طويلةٍ وسام شرفٍ، وهو ما يمكن أن يحولهم إلى نموذجٍ سيئ.
تقول كينمان: «المديرون التنفيذيون يمثلون قدوةً مهمةً لبقية أعضاء فريق العمل، ووضع ذلك كمعيارٍ هو تصرفٌ غير مسؤول.»
ماذا يجب أن تفعل؟
ما يقوله الخبراء هو أن عليك تجربة الأمر. لا تستمع لقادة الأفكار النظرية أو مشاهير موقع لينكد إن -عليك أن تكتشف ما يناسبك. وقد يعني ذلك أن تستيقظ في وقتٍ أبكر في نهاية المطاف.
انتبه جيداً للأوقات التي تشعر فيها بالتعب، وتلك التي تشعر فيها باليقظة. ويمكنك أن تدوّن بعض الملاحظات في يوم العطلة عن الأوقات التي تشعر فيها بالنعاس والأوقات الأخرى التي تستيقظ فيها بشكلٍ طبيعيٍ. حاول أن تزامن جدول أعمالك اليومي مع هذه الأوقات، لأن تلك هي الأوقات التي ستجد فيها معظم طاقتك الطبيعية لليوم المقبل.
وفيما يخص مكان العمل، يقترح الخبراء طريقةً تُراعي العادات الشخصية للجميع من أجل دفعهم لتقديم أفضل ما لديهم. تقترح سوزان ستليك مديرة برنامج إدارة الاتصالات بجامعة نيويورك أن تستخدم المكاتب وفرق العمل تقنيةً تسمى «الاستقصاء التقديري».
يعني هذا المصطلح أن يجلس أعضاء الفريق في المراحل المبكرة من المشروع ويفصحوا عن احتياجاتهم وجداولهم وتفضيلاتهم الشخصية التي تناسب كل فردٍ من أفراد فريق العمل، حتى يتمكن الفريق من الانسجام بشكلٍ صحيحٍ.
تقول ستليك: «بهذه الطريقة أنت تضع على الطاولة أشياء مثل (لدي أطفالٌ، ويجب أن أستيقظ في الخامسة صباحاً كل يومٍ وأصطحبهم إلى للحضانة، ولا يمكنني أن أعمل لوقتٍ متأخرٍ. هذه هي نقاط ضعفي الآن وهذه هي نقاط قوتي) هذه سمة فريق العمل بشكلٍ أساسيٍ».
وإذا كان قادة الفريق مرنين بما فيه الكفاية، يمكن أن يكلف الذين يستيقظون مبكراً من أعضاء الفريق بالبدء مبكراً وتلقي الرسائل الإلكترونية أو العمل مبكراً، ثم السماح لهم بالخروج مبكراً. بهذا يستمتع العاملون بفوائد الاستيقاظ مبكراً دون التعرض للإرهاق.
أنت كذلك تطبق ممارسة الاستيقاظ مبكراً على الذين يُطيقون أو يستفيدون من الاستيقاظ مبكراً، بدلاً من إيقاظ الجميع مبكراً اعتباطياً سعياً وراء وهم زيادة الإنتاجية.
ما نريد قوله في النهاية أن الأمر يتعلق بالانتباه إلى أن أخذ نصائح تتعلق بالنوم من غير الخبراء، يكون مع رشة ملحٍ. بأن تكون أكثر إدراكاً لنمط نومك الفريد وأكثر معرفةً بالوقت الذي تكون فيه بكامل نشاطك سواءٌ ليلاً أو نهاراً. والأهم من ذلك أن تحصل على قدر كافٍ وثابت من النوم.
بالنسبة للبعض قد لا يكون إجبار نفسك على أن تبدأ يومك في وقت مبكر للغاية، لأن ذلك ما يفعله قدوتك في العمل، الطريقة الأذكى والأصح لبدء يومهم.
تقول كينمان: «لا تفعل ذلك، إلا لو كنت تستيقظ مبكراً بطبيعتك».