ولي العهد السعودي يستقبل من قبل رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي والرئيس رام ناث كوفيند، رويترز

من مسدس ذهبي إلى عناق حار.. جولة الأمير السعودي الآسيوية تقول للغرب: يمكنكم أن تنبذوني، لكني لست وحدي

عربي بوست

قالت جيني مارش كبيرة المنتجين في شبكة CNN: إنه لمن الصعب التفكير في أن الأمير السعودي محمد بن سلمان قد يلقى هذا الترحيب الحار في أي مكان آخر في الوقت الحالي. 

تضيف مارش في تقرير كتبته لـ CNN  أنه في باكستان، اُستقبل الزعيم الفعلي للسعودية بـ 21 طلقة في الهواء على سبيل التحية وحظى بمرافقة طائرة مقاتلة، وأُهدي مسدساً رشاشاً ذهبياً. وفي الهند، خالف ناريندرا مودي، رئيس الوزراء الهندي قواعد البروتوكول بتحية الأمير البالغ من العمر 33 عاماً على المدرج، وعناقه عناقاً حاراً.  

أما في الصين، فقد تمكن من التقاط صورة مع الرئيس شي جين بينغ، أحد أقوى القادة في العالم. 

ولا يمكن تصور أن يحظى الأمير بمثل هذا الاستقبال في الولايات المتحدة أو أوروبا، حيث تضررت سمعة بن سلمان بشدة بعد مقتل جمال خاشقجي، الكاتب في صحيفة The Washington Post الأمريكية،  في القنصلية السعودية في إسطنبول العام الماضي. وقد نفى بن سلمان أي صلة له بالقتل. 

وفي أعقاب تلك الفضيحة، كان الأمير الشاب في حاجة ماسة إلى بعض الدعاية الإيجابية، وهكذا توجه إلى الشرق. 

وكانت خطوة ذكية. 

تعد الصين أكبر شريك تجاري للسعودية بالفعل، وفي جميع أنحاء آسيا هذا الأسبوع، ثبت أن الخلافات السياسية والدينية والإيديولوجية لا تمثل أي عائق أمام الأعمال التجارية. ولم يأتِ أي زعيم على ذكر خاشقجي. 

وكان ذلك نهجاً تبادلياً كان يسعد السعوديين مقابلته بالمثل. 

في بكين، لم ينتقد ولي عهد المملكة التي تضم أقدس مكان إسلامي الصين على خلفية مزاعم اضطهادها المسلمين في مقاطعة شينغ يانغ الشمالية الغربية. وفي الهند، سلط الضوء على إبرام صفقات محتملة بقيمة 100 ملي دولار مع البلاد، حيث أصبحت الهجمات على الأقليات المسلمة قضية رئيسية قبل الانتخابات الوطنية لهذا العام. 

وقد وقّع بن سلمان، على مدى أسبوع في 3 بلدان، صفقات تجارية بمليارات الدولارات. 

رحلة قصيرة محسوبة 

عندما زار الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، والد بن سلمان، آسيا قبل عامين، اتخذ طريقاً مختلفاً للغاية في المنطقة، إذ زار ماليزيا وإندونيسيا وبروناي واليابان والصين. 

ولكن رحلة ابنه كانت أقصر بكثير، وتجاهل حلفاء تجاريين أقوياء مثل اليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة. 

ويعتقد جوناثان فولتون، الأستاذ في العلاقات بين الصين والشرق الأوسط في جامعة زايد الإماراتية في أبو ظبي، أن مسار بن سلمان المختصر كان محسوباً بدقة، إذ اختار بلداناً ستلقى فيها حملته لتحسين صورته ترحيباً حاراً. 

يقول فولتون: «تحمل باكستان اًهمية تاريخية كبرى للسعودية، خاصة بعد أن أصبح عمران خان رئيساً للوزراء». 

بعد مقتل خاشقجي العام الماضي، قاطع الكثير من قادة الأعمال الغربيين مؤتمراً استثمارياً في  السعودية، أُطلق عليه «دافوس الصحراء». وكان خان أحد الزعماء القلائل الذين حضروه، وكان على استعداد لالتقاط صورة مع بن سلمان. بعد فترة وجيزة، أعطت السعودية باكستان 6 مليارات دولار لإنقاذها من مشاكلها الاقتصادية، وتعزيز الصداقة.

وفي الوقت نفسه، تعد الهند والصين شريكتين قديمتين تتمتعان بميزة إضافية تتمثل في قدرتهما على تزويد السعودية بالاستثمارات الأجنبية والخبرة التكنولوجية التي تشتد حاجتها إليهما، لأنها أصبحت تخشى مواجهة الغرب. 

قال الأمير السعودي في نيودلهي الأسبوع الماضي: «العلاقات قوية بين الهند والسعودية، والمواطنون الهنود كان لهم دور في بناء المملكة على مدى 70 عاماً». ويعيش ما يقرب من ثلاثة ملايين هندي في السعودية، مما يجعلها مصدراً مهماً للعمالة. 

وتعد الصين أيضاً أكبر شريك تجاري للسعودية، إذ بلغت قيمة وارداتها من المملكة العام الماضي حوالي 46 مليار دولار، وهي تعتمد عليها اعتماداً كبيراً في النفط. 

وقال فولتون إن هناك «تعاوناً كبيراً» يجمع البلدين. إذ يحاول شي دفع مبادرة الحزام والطريق والتي من خلالها يمكن أن تمر كميات كبيرة من البضائع الصينية عبر البحر الأحمر الذي يقع على حدود السعودية إلى أوروبا. ويريد الأمير السعودي تعزيز خطته الاقتصادية «رؤية 2030″، والتي ستستفيد من الاستثمار الصيني ونقل التكنولوجيا. 

يقول فولتون: «لقد بدا بن سلمان شديد السخاء خلال الرحلة بأكملها. وبالنسبة للأشخاص الذين يراقبون الوضع من الوطن، والذين لم يسمعوا سوى القصص السلبية لفترة من الوقت، فها هي بعض الدول المهمة للسعودية تستقبله بشكل جيد. لذا في هذا الصدد، يعدّ ذلك نجاحاً». 

الصفقات 

أطلق بن سلمان خطته رؤية 2030 الجريئة التي تهدف لكف بلاده عن اعتماد اقتصادها على النفط عام 2016. 

لكن بعد مرور أكثر من عامين، ما زال النفط يشكل العمود الفقري للاقتصاد السعودي- كما اتضح في الصفقات التي أبرمها في آسيا هذا الأسبوع. 

يقول أنوش إحتشامي، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة درم البريطانية: «لا يزال شريان الحياة للسعودية يتمثل في الطاقة»، مضيفاً أن أسعار النفط المنخفضة قد أدت إلى تدهور اقتصاد المملكة «تدهوراً نسبياً». 

وفي باكستان، وقع ولي العهد اتفاقيات مبدئية باستثمارات تبلغ قيمتها 20 مليار دولار شملت اتفاقاً بقيمة عشرة مليارات دولار لإنشاء مصفاة نفط في مدينة غوادر الساحلية الجنوبية الغربية. ويعد ميناء غوادر جزءاً أساسياً من الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان الذي تبلغ تكلفته 46 مليار دولار، مما يزيد من ارتباط مصالح السعودية والصين. 

وفي محطته التالية، قال بن سلمان إن هناك فرصاً استثمارية محتملة بقيمة 100 مليار دولار على مدار العامين المقبلين في الهند، ووقع اتفاقيات في مجال الطاقة، بالإضافة إلى مجالات السياحة والإسكان والبث الإذاعي. 

كانت الصفقات جيدة لبناء العلاقات الدبلوماسية، لكنها لا تمثل الاستثمار في السعودية. 

يقول فولتون: «هناك رغبة شديدة للإصلاح الذي يتحدث عنه بن سلمان (في الداخل)، ولكن في الوقت نفسه، تتطلب رؤية 2030 الكثير من الاستثمار الأجنبي». 

 ويضيف قائلاً: «عندما تحبس المليارديرات في بلدك في فندق ريتز كارلتون، فإن ذلك لا يبث شعوراً بالاطمئنان في قلوب رجال الأعمال الأجانب لأنهم لن يشعروا أن استثماراتهم ستكون بمأمن»، في إشارة إلى احتجاز أعضاء بارزين في العائلة المالكة السعودية في فندق الخمس نجوم في الرياض في ما زُعم أنه حملة ضد الفساد عام 2017. 

ويقول إحتشامي إن تمويل حكومة بن سلمان للتحالف الذي تقوده السعودية ويقاتل في الحرب الأهلية في اليمن: «لا يجعل منها دولة قادرة على تحقيق نجاحاً اقتصادياً». 

الاستثمار الصيني 

لم يُستقبل بن سلمان استقبال الأبطال في بكين كما حدث في باكستان أو الهند. علاوة على ذلك، قبل أيام قليلة من وصول الأمير السعودي، أعلنت بكين أنها تريد بناء «ثقة استراتيجية» مع إيران، خصم السعودية اللدود. 

يقول فولتون إن الصين كانت مع ذلك محطة أهم بكثير بالنسبة للأمير السعودي. فقد كانت بكين هي المكان الذي يبحث فيه عن الاستثمار. 

وقد وقع محمد بن سلمان سلسلة من الاتفاقيات في مجالات السياسة، والشحن، والطاقة، يوم الجمعة 22 فبراير/شباط بعد لقائه مع شي والأهم من ذلك أن الدولتين اتفقتا على دمج مبادرة الحزام والطريق ورؤية 2030. 

ووقع بن سلمان أيضاً اتفاقاً على مشروع مصفاة وبتروكيماويات بتكلفة عشرة مليارات دولار. 

وقد امتنع كلا الزعيمين عن انتقاد الآخر. 

إذ لم يأتِ شي على ذكر قضية خاشقجي، وتجنب بن سلمان انتقاد بكين بشأن معاملتها لأقلياتها المسلمة. وبدلاً من ذلك، دعم جهود الصين لمكافحة الإرهاب. 

وقال بن سلمان وفقاً للصحيفة الإخبارية التابعة للدولة Global Times: «نحرص ونؤيد حقوق الصين في اتخاذ إجراءات لمكافحة الإرهاب والتطرف لحماية الأمن القومي. ونحن مستعدون لتعزيز التعاون مع الصين». 

يقول فولتون: «لدى السعودية مشكلتها الخاصة مع الجماعات الإسلامية المتطرفة، لذا، ما دامت الصين تقول إن (معسكرات) شينغ يانغ هي رد فعل على الانفصال والإرهاب.. فهذا يعطيها العذر». 

بيد أن صفقات بن سلمان تعدّ ضئيلة مقارنة بالاتفاقات التجارية التي وقعها والده مع بكين قبل عامين، وبلغت قيمتها 65 مليار دولار. 

لكن بالنسبة إلى إحتشامي من جامعة درم، فإن الصور والاحتفالات التي كانت في استقبال بن سلمان وحده تعني أن رحلته إلى آسيا كانت انتصاراً للسعودية، بغض النظر عن حجم الاستثمار الذي جلبه إلى الوطن. 

وقال: «كانت رسالة إلى الغرب مفادها: يمكنكم أن تنبذوني، لكنني لست وحدي».