قبل ربع قرن من اليوم، شهدت الأراضي الفلسطينية، وبالتحديد مدينة الخليل، مذبحة إرهابية، راح ضحيتها عشرات المصلين المسلمين داخل مسجد "الحرم الإبراهيمي"، أو ما يطلق عليه اليهود "كهف البطاركة" أو "مغارة المكفيلة".
بدأت المأساة مع سماح جنود الجيش الإسرائيلي للمستوطن اليهودي، باروخ غولدشتاين، بالدخول إلى ساحة المسجد، أثناء صلاة الجمعة، وهو يحمل رشاشا آليا. ليفتح النار على المصلين ويقتل نحو 29 منهم، فيما أصيب أكثر من 150.
وذكرت تقارير تلفزيونية، في وقتها، أن غولدشتاين، وهو طبيب من أصل أمريكي وصل إسرائيل عام 1980، اقتحم المسجد وأطلق ما يصل إلى 100 رصاصة على المصلين.
وقال شهود عيان إن غولدشتاين استمر في إطلاق النار من بندقيته "جليل" الأوتوماتيكية، وهي نسخة إسرائيلية من بندقية "إيه كيه 47" السوفيتية، لمدة 10 دقائق. وكان المسجد وقتها يضم ما يصل إلى 800 مصل.
وعثر على جثة غولدشتاين، الذي كان يرتدي الزي العسكري للجنود الاحتياط، مقتولا بالرصاص في المسجد بعد توقف إطلاق النار.
في البداية، اعتقدت الشرطة أن غولدشتاين قد أطلق النار على نفسه، ولكن في بيان لاحق قالوا إنه تعرض للضرب حتى الموت بقضبان حديدية.
وقال رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، ياسر عرفات، في مقابلة تلفزيونية وقتها، "ما حدث اليوم في المسجد هو مأساة حقيقية وسيأتي بنتائج عكسية سلبية للغاية على عملية السلام بأكملها".
واتصل رئيس الوزراء الإسرائيلي، اسحق رابين، هاتفيا بالعرفات ووصف الهجوم بأنه "جريمة قتل كريهة" وتعهد باتخاذ "كل إجراء ممكن لتحقيق الهدوء". وأكد أن إسرائيل ستجري تحقيقا في عمليات القتل.
ونقلت وسائل الإعلام، محمد سليمان أبو صالح، حارس المسجد في يومها، القول "كانت أرضية المسجد مليئة بالجثث والدماء، وكان غولدشتاين يحاول قتل أكبر عدد ممكن من الناس".
ونقل المصابون إلى مستشفى غربي الخليل، حيث تجمع الآلاف من أجل الاطمئنان على أقاربهم وأصدقائهم الذين كانوا في المسجد وقت الهجوم.
وأفادت الأنباء بأن الجيش قتل 12 فلسطينيا في الوقت الذي اندلعت فيه أعمال شغب خارج المستشفى مع تزايد الغضب الفلسطيني في أعقاب الحادثة.
وبعد ثلاث ساعات من الهجوم الذي وقع فجرا، لم يتمكن مسؤولو المستشفى من تحديد عدد القتلى والجرحى.
وطالبت منظمة التحرير الفلسطينية بأن تقوم إسرائيل بنزع سلاح جميع المستوطنين اليهود في الأراضي المحتلة البالغ عددهم، في حينها، 120 ألفا وأن تعمل الأمم المتحدة على حماية الفلسطينيين.
وفي وقت لاحق، قضى تحقيق رسمي بأن غولدشتاين كان يعمل من تلقاء نفسه ولم يكن له شركاء.
وعاش غولدشتاين في إسرائيل لمدة 11 عاما وكان طبيبا في مستوطنة "كريات أربع"، خارج مدينة الخليل.
وذكرت وسائل الإعلام إنه كطبيب طوارئ رئيسي في المستوطنة، شارك في علاج ضحايا العنف العربي الإسرائيلي. ويقال إن كراهيته أصبحت شديدة لدرجة أنه رفض في نهاية المطاف معالجة الفلسطينيين.
وكان غولدشتاين عضوا في رابطة الدفاع اليهودية، وهي منظمة عنيفة أنشأها الحاخام مئير كهانا.
وبعض المستوطنين اعتبروا غولدشتاين قديسا، وأقاموا مزارا له، قبل أن تزيله الحكومة الإسرائيلية في عام 1999.
وغولدشتاين هو ليس أول أمريكي ينفذ هجوما ضد الفلسطينيين، في المناطق التي تسيطر عليها إسرائيل. ففي عام 1982، قام آلان غودمان بإطلاق النار خارج المسجد الأقصى في القدس، مما أسفر عن مقتل شخصين.
وعلى إثر المجزرة، أغلقت القوات الإسرائيلية الحرم الإبراهيمي والبلدة القديمة لمدة ستة أشهر كاملة بدعوى التحقيق في الجريمة، وشكلت ومن طرف واحد لجنة "شمغار"، للتحقيق في المجزرة وأسبابها، وخرجت اللجنة في حينه بعدة توصيات، منها تقسيم الحرم الإبراهيمي إلى قسمين.
ووضعت الحراسات المشددة على الحرم، وأعطت لإسرائيل الحق في السيادة على الجزء الأكبر منه، حوالي 60%، وتكرر منع الاحتلال رفع الآذان في الحرم الإبراهيمي مرات عديدة.
كما وضعت القوات بعدها كاميرات وبوابات إلكترونية على كافة المداخل، وأغلقت معظم الطرق المؤدية إليه في وجه المسلمين، باستثناء بوابة واحدة عليها إجراءات أمنية مشددة، إضافة إلى إغلاق سوق الحسبة، وخاني الخليل، وشاهين، وشارعي الشهداء والسهلة، وبهذه الإجراءات فصلت المدينة والبلدة القديمة عن محيطها.
وكانت لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو" قد أعلنت، في عام 2017، الحرم الإبراهيمي موقعا تراثيا فلسطينيا.
وتعد مدينة الخليل واحدة من أقدم المدن العريقة التي مازالت مأهولة في العالم، ويمتد تاريخها إلى أكثر من 6000 عام. وهي مدينة مقدسة للديانات السماوية، وأصبحت رابع أقدس مدينة إسلامية بعد مكة والمدينة المنورة والقدس، يعتبر الحرم الإبراهيمي الشريف من أهم المعالم الحضارية المميزة للمدينة والذي منحها مكانتها المميزة، وجعلها مقصدا دينيا للمؤمنين والرحالة العرب والأجانب الذين أفاضوا في الحديث عنها وعن معالمها الدينية والحضارية.
وبعد صدور القرار، باتت مدينة الخليل والحرم الإبراهيمي على قائمة التراث العالمي، ومع دخولها القائمة، أصبحت المدينة والحرم من المواقع المطلوب حمايتها دوليا.
يعتبر الحرم الإبراهيمي أقدم بناء مقدس مستخدم حتى اليوم دون انقطاع تقريبا، وهو رابع الأماكن المقدسة عند المسلمين، وثاني الأماكن المقدسة عند اليهود بعد "جبل الهيكل".
جاءت قدسيته كونه بني فوق مغارة، يعتقد المسلمون، أنها مدفون فيها كل من النبي إبراهيم وزوجته سارة، وولدهما إسحق وولده يعقوب وزوجتيهما رفقة وليئة، كما يوجد بعض الروايات تذكر أن يوسف وآدم وسام ونوح مدفونون هناك أيضا.