عدن – بديع سلطان، حضرموت – محمد سليمان:
لم يدرك الشاب “خ.ع”، أن تظاهره بفعل عملٍ خيري عبر التبرع بالدم لأحد المستوصفات المحلية في مدينة عدن، سيقوده إلى زنازين السلطات الأمنية.
“خ.ع” الذي كان ينتظر دوره في الدخول إلى غرف الفحص للبدء في عملية التبرع بالدم في منتصف أكتوبر 2018، وجد نفسه داخل قسم للشرطة، بعد أن كشفت نتائج الفحوصات الطبية أن دمه ملوثٌ بفيروس الإيدز.
واستدعى المستوصف الطبي حينها، السلطات الأمنية التي أوقفت الشاب، وباشرت التحقيق معه لمعرفة أسباب إقدامه على التبرع بالدم، رغم علمه بإصابته بالمرض، وفق ما كشفته التحقيقات التي أشارت إلى أن الشاب المصاب هو أحد النازحين إلى مدينة عدن من إحدى المحافظات التي تشهد معارك عسكرية.
البرنامج الوطني لمكافحة الإيدز “معظم الإصابات بالمرض سُجلت وتزايدت خلال الحرب، في أوساط الفقراء والنازحين واللاجئين، وتحديدًا المناطق والمحافظات الساحلية في اليمن “
كيف تفاقمت المشكلة؟
وارتبط انتشار فيروس نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) في اليمن، بظاهرة اللجوء الأفريقي إلى البلاد بداية العقد الأخير من القرن العشرين؛ بفعل الصراعات الإقليمية، كما ارتبطت عودة انتشاره مؤخراً، بسبب الحرب والنزاعات التي تعيشها اليمن منذ 2011، والتي تفاقمت بعد 2015.
ومثلت مدينة عدن ملاذًا للاجئي دول الجوار، بحكم موقعها الساحلي المطل والقريب من الصراع الإقليمي، فكانت وجهةً مثالية للاجئين، كما أن الاستقرار النسبي بعد تحريرها من تواجد جماعة الحوثي، جعل منها أهم وجهة للنازحين الفارين من جحيم الحرب في بقية المحافظات، إذ باتت مدينة عدن عرضةً لانتشار المرض فيها، أكثر من المدن اليمنية الأخرى. البرنامج المشترك لفيروس الإيدز ( UNAIDS)، وهو كيانٌ تابعٌ للأمم المتحدة، مسؤولٌ عن مراقبة انتشار المرض، أشار إلى أن اللاجئين واحد من أسباب انتشار المرض في اليمن، وعدن تحديدأ.
تزايد الانتشار بعدن
وتشير تقديرات البرنامج الوطني لمكافحة الإيدز، إلى أن النازحين المحليين واللاجئين الأجانب، خاصةً الفتيات منهم، يضطرون إلى “بيع أجسادهن” للبقاء على قيد الحياة، وبإشراف عصاباتٍ تتاجر في العمل الجنسي.
وأكد البرنامج أن معظم الإصابات بالمرض سُجلت وتزايدت خلال الحرب، في أوساط الفقراء والنازحين واللاجئين، وتحديدًا في المناطق والمحافظات الساحلية، ومنها عدن.
ويقول ناصر قاسم، مدير الموقع العلاجي بعدن، إن عدد الحالات التراكمية للمصابين بالمرض في مدينة عدن وحدها، بلغ منذ 2007 وحتى أكتوبر 2018، نحو 498 حالة وإصابة.
وكشف الدكتور قاسم عن وفاة 106 حالات كانت مصابة ومتعايشة مع الإيدز، بما نسبته 21% من إجمالي 498 حالة تواجدت في الموقع العلاجي بعدن، أو ما يطلق عليه مركز الحميات. مؤكدًا أن المركز مستمر في تقديم الخدمات الصحية لنحو 309 حالات مصابة ومتعايشة، من خلال العلاج الثلاثي (Current Art)، لافتًا إلى أن الموقع العلاجي مرتبط بمنظمة الصحة العالمية (WHO) التي تدعم الموقع بالأدوية والحوافز المالية، باعتباره المركز المسؤول عن المرضى والمتعايشين، ليس في عدن فقط، بل في جميع المحافظات الجنوبية والشرقية.
ويعيد الدكتور نبيل باعباد، مدير المختبرات المركزية بوادي حضرموت، سبب تزايد أعداد الإصابات، إلى عودة المغتربين إلى البلد، وتتزايد الإصابات بنقلهم المرض لزوجاتهم، إلى جانب نزوح أناس من جميع محافظات الجمهورية إلى محافظة حضرموت.
ووصل عدد الإصابات التي تم رصدها بمحافظة حضرموت، 600 حالة مصابة، 20% من الحالات المصابة من الإناث، و80% من الذكور، حسب مدير المركز الوطني لمكافحة الإيدز بحضرموت، أحمد البيتي.
خدمات مستمرة
ونوه مدير الموقع العلاجي بعدن، إلى استمرار الموقع في تقديم الخدمات الصحية والرعاية للمتعايشين، منذ 11 عامًا، رغم توقف خدمات البرنامج الوطني لمكافحة الإيدز في صنعاء وبقية المحافظات، بالإضافة إلى استمرار الموقع في تقديم العلاجات المجانية وبعض الفحوصات، لكل من يرغب في الفحص، دون الكشف عن هويات الراغبين بذلك. كما يقوم الموقع بتقديم الرعاية (المزمنة) لمريض الإيدز، باعتباره مريضاً مزمنًا، يستمر علاجه مدى الحياة.
ويقول مدير عام مكتب الصحة بمديرية سيئون، مشهور العيدروس، إن الصحة تقوم بواجبها في مراقبة أماكن الحلاقة وغيرها من الأماكن، للتأكد من اتخاذها المعايير العالية في النظافة.
وتؤكد الأخصائية النفسية الدكتورة عائشة الصليحي، لـ”المشاهد” أن الخوف من التمييز المجتمعي، والرغبة في الانتقام من المجتمع ككل، تقف خلف اندفاع بعض المصابين والمتعايشين مع الإيدز إلى نشر المرض.
المشاهد نت