تقرير: عربي بوست
كثيرةٌ هي أسباب انفصال باكستان عن الهند ومعقدة، فقد خاض البلدانِ حروباً عدة خلَّفت آلاف القتلى والجرحى، ولا يزال الاحتقان بينهما قائماً حتى اليوم.
قبل نحو 70 عاماً، كان انسحاب بريطانيا من الهند ينبئ بنهاية الإمبراطورية البريطانية في شبه القارة الهندية.
انسحبت بريطانيا من منطقة كانت تعتبر آنذاك أهم مناطق تاجها البريطاني، لكنها خلَّفت وراءها بلدين مستقلين، وعملية التقسيم تلك خلَّفت وراءها واحدة من كبرى مآسي القرن العشرين.
كان التقسيم الديموغرافي للهند قبل الانفصال مختلفاً، انقسمت شبه القارة الهندية في القديم إلى قسمين جغرافيين كبيرين، هما بلاد السند والبنجاب وبلاد الهند، وبلاد السند هي المنطقة المحطيطة بنهر السند الذي كان يسمى بـ «نهر مهران»، وينبع من أرض «كشمير»
اقليم كشمير الذي يسكنه مسلمون، وامتد حكم المسلمين عليه لعقود طويلة منذ عهد الوليد بن عبد الملك (86-96هـ)، الذي شهد عهد الفتح الإسلامي المنظم لهذه البلاد.
كان صعباً على أهل المنطقة أن يتغير عليهم الحكم من الإسلامي إلى البريطاني ومن ثم الهندوسي، فسعوا للانفصال للوصول إلى منطقة حكم ذاتي يحكمها مسلمون.
أسباب انفصال باكستان عن الهند
كان عدد سكان الهند آنذاك نحو 400 مليون نسمة، غالبيتهم من «الهندوس»، وكان المسلمون يشكلون 25% تقريباً من مجموع سكان البلاد.
وكان أول رئيس وزراء في الهند، الزعيم الهندي جواهر لال نهرو، معارضاً لمبدأ تقسيم البلاد على أسس دينية.
ولكن محمد علي جناح، رئيس اتحاد مسلمي الهند، والذي أصبح حاكماً عاماً لباكستان عقب التقسيم، كان مصرّاً على أن لمسلمي الهند الحق في تأسيس دولة خاصة بهم.
خرجت بريطانيا إذن من أكبر مستعمراتها، وقرر اللورد ماونتباتن -وهو من أقارب الأسرة البريطانية الحاكمة- أن تتم عملية الانسحاب من الهند بأسرع طريقة ممكنة، ودون ترتيبٍ للبيت الهندي.
وعليه تمت خطة تقسيم شبه القارة إلى دولتين في 5 أسابيع فقط، وبعدها كانت كل دولة من الدولتين المنقسمتين تحتفل بالاستقلال، وكان ذلك في أغسطس/آب 1947.
الحرب بين الهند وباكستان
سرعان ما انتهت الاحتفالات وعادت حالة التوتر إلى سابق عهدها، بعدما تبينت طبيعة خط الحدود بين البلدين الجديدتين.
اندلعت صدامات بين الهندوس والمسلمين، ولكن أحدا لم يتوقع مستوى العنف الذي اندلع عقب التقسيم، لقد نزح 12 مليون لاجئ على الأقل من إحدى الدولتين إلى الدولة الأخرى، وقُتل في العنف الطائفي نحو مليون شخص على الأقل.
مقاطعة تتنازع عليها الهند وباكستان
لم يستطع الطرفان إنهاء الصراع ولا حل الأزمة، فالبلدانِ ما زالا يدَّعيان السيادة على ولاية كشمير، وخاضا بسببها حرباً طاحنة وصلت إلى حد التسارع في التسلح النووي، فصارت الدولتان من كبرى االدول المتسلحة نووياً.
أهمية كشمير
تمثل كشمير أهمية إستراتيجية للهند جعلتها شديدة التمسك بها، فهي تعتبرها عمقا أمنيا إستراتيجيا لها أمام الصين وباكستان.
وتنظر إليها على أنها امتداد جغرافي وحاجز طبيعي مهم أمام فلسفة الحكم الباكستاني التي تعتبرها قائمة على أسس دينية مما يهدد الأوضاع الداخلية في الهند.
تخشى الهند إذا سمحت لكشمير بالاستقلال على أسس دينية أو عرقية، أن تفتح بابا لا تستطيع أن تغلقه أمام الكثير من الولايات الهندية.
أما بالنسبة لباكستان، فتعتبر كشمير منطقة حيوية لأمنها، وذلك لوجود طريقين رئيسيين وشبكة للسكة الحديد في سرحد وشمالي شرقي البنجاب تجري بمحاذاة كشمير.
حروب الهند وباكستان
خاضت الهند وباكستان 3 حروب شاملة، انتهت الأولى بتقسيم كشمير، كان السبب في النزاع هو إحكام السيطرة على إقليم كشمير المهم الذي يتمتع بثروات طبيعية وطبيعة خلابة
انتهت الحرب الأولى عام 1949 بتقسم كشمير، ولم تفلح الثانية عام 1965 في تغيير هذا الوضع، في حين أسفرت الثالثة عام 1971عن تقسيم باكستان نفسها إلى دولتين بعد انفصال باكستان الشرقية وتأسيس جمهورية بنغلاديش.
حرب 1947
اندلعت بسبب قضية كشمير، إذ رغبت كل من الدولتين في بسط سيطرتها على تلك المنطقة الاستراتيجية المهمة، وانتهت الحرب بعد أن قسمت كشمير بينهما فيما بات يُعرف الآن بولاية جامو وكشمير الخاضعة للسيادة الهندية.
في يونيو/حزيران 1947: أصدر البرلمان البريطاني قانون استقلال وتقسيم الهند، ومنحوا الولايات الحق في الانضمام إما إلى الهند أو إلى باكستان.
أما كشمير فقد كان وضعها مختلفا ، فقد قرر حاكمها الهندوسي هاري سينغ -بعد أن فشل في أن يظل مستقلا- الانضمام إلى الهند متجاهلا رغبة الأغلبية المسلمة بالانضمام إلى باكستان ومتجاهلا القواعد البريطانية السابقة في التقسيم.
وهو الأمر الذي دفع الكشميريين المسلمين في مقاطعة «بونش» إلى القيام بثورة مسلحة ساعدتهم فيها باكستان، وأعلن الثوار إقامة أول حكومة لـ «آزاد كشمير» أو «كشمير الحرة».
أغسطس/آب 1947: ردَّ الهندوس المدعومون من حكومة الولاية بقوة، وقاموا بمذابح جماعية ضد مسلمي الولاية، وهو ما أدى إلى قتل نحو 200 ألف مسلم، وفرار الكثير إلى منطقة «آزاد كشمير».
أكتوبر/تشرين الأول 1947:
– أعلنت الهند موافقتها الرسمية على انضمام جامو وكشمير إليها، وأمرت قواتها النظامية بالتدخل المباشر لحل النزاع.
نوفمبر/تشرين الثاني 1947: قدَّم محمد جناح، حاكم باكستان، اقتراحات تدعو إلى وقف إطلاق النار
وسحب القوات الهندية ورجال القبائل الباكستانيين في وقت واحد من أراضي ولاية جامو وكشمير، على أن تتولى الهند وباكستان إدارة الولاية ويجرى استفتاء تحت إشراف البلدين.
رفضت الهند تلك المقترحات، واستمر القتال بين الطرفين نحو عامين.
توقَّف إطلاق النار بين الدولتين بعد وساطة من الأمم المتحدة، وأصبح وقف إطلاق النار نافذ المفعول في أول يناير/كانون الثاني 1949
وانقسمت كشمير إلى جزأين: الأول خاضع للسيادة الهندية ويسمى جامو وكشمير بعاصمته سرينغار، والثاني تسيطر عليه باكستان وعاصمته مظفر آباد
وهدأت الأوضاع نسبياً على الحدود، لكن بعد سنوات عاد التوتر وتصاعدت وتيرة الأحداث، لتفضي إلى حرب ثانية.
حرب 1965
توتر الموقف بين البلدين بصورة خطيرة عامي 1963-1964، بعد اجتياح الهندوس للجانب الباكستاني من كشمير الباكستانية.
ووصلت الأزمة مجدداً بين البلدين إلى حرب في ديسمبر/كانون الأول 1964، بعدما أعلنت الهند إغلاق باب التسوية السياسية وإلغاء الوضع الخاص بكشمير.
أبريل /نيسان 1965: انتقل الهجوم الهندي من منطقة ران كوتش إلى المواقع الباكستانية في أقصى الشمال الغربي لكشمير، وتكرر الهجوم نفسه بعد 3 أيام، وتمكنت القوات الباكستانية من صد الهجومين.
وتوسعت باكستان في هجماتها على المواقع الهندية، خاصة بين بلدة «شدبت»، مستخدمةً بعض الأسلحة الأمريكية والدبابات للمرة الأولى.
يونيو/حزيران 1965: نجحت وساطة دولية قام بها رئيس وزراء بريطانيا، هارولد ولسن، في تخفيف حدة التوتر والتوصل إلى اتفاق نصَّ على وقف إطلاق النار في ران كوتش، وانسحاب الحشود العسكرية بالبنجاب، والعودة إلى حالة ما قبل الحرب.
5 أغسطس/آب 1965: عاد التوتر من جديد إلى حدود البلدين، وعبَر متسللون باكستانيون مسلحون بأسلحة خفيفة وقنابل يدوية وعبوات ناسفة خط وقف النار داخل كشمير
وحاولوا الاستيلاء على السلطة في سرينغار عاصمة ولاية جامو وكشمير التي تسيطر عليها الهند، وتكوين مجلس ثوري يطلب المساعدة المباشرة من باكستان، ليكون ذلك ذريعة لتدخل القوات الباكستانية النظامية إلى الولاية، لكن خططهم هذه باءت بالفشل.
سبتمبر/أيلول 1965: شنت باكستان هجوماً قوياً استخدمت فيه المدرعات في منطقة «شامب» جنوب غربي كشمير، ونجح هذا الهجوم في دفع القوات الهندية إلى الخلف، واستولت القوات الباكستانية على مدينة «أخانور».
ووجهت الصين إنذاراً شديداً إلى الهند «بصفتها اللاعب الأقوى»، وهدَّدتها بالاشتراك الفعلي في الحرب إذا لم تستجب لنداءات المجتمع الدولي بوقف الحرب.
ورغم توقف القتال بعد اتفاقية طشقند، فإن مشكلة كشمير التي فجَّرت الحرب بينهما للمرة الثانية، لم تُحَل، وهو الأمر الذي مهد الطريق أمام حرب ثالثة عام 1971.
حرب 1971
هي حرب أدت إلى فصل باكستان الشرقية عن الغربية وقيام جمهورية بنغلاديش، على أساس عرقي عملت الهند على تغذيته.
بدأت الحرب بتصعيد سياسي بين الهند وباكستان صحبته عمليات عسكرية محدودة على الحدود بينهما استمرت 8 أشهر قبل أن يحدث الهجوم الشامل.
ديسمبر/كانون الأول 1971: قطعت الهند -بمساعدة «الموكيتي باهييني» (أي فدائيو بنغلاديش)- خطوط السكك الحديدية بين العاصمة داكا وخولنا وشيتا كونغ الميناءين الرئيسيين على خليج البنغال وكوميلا قرب الحدود الشرقية.
شنت القوات الهندية الجوية ضربات مركزة استهدفت مطارات وطائرات باكستان.
5 ديسمبر/كانون الأول 1971: أغرقت مجموعة قتال بحرية هندية المدمرتين الباكستانيتين «خيبر» و»شاه جيهان».
6 ديسمبر/كانون الأول 1971: ضربت الهند بلدة «جيسور»، تمهيداً لانتقال حكومة بنغلاديش إليها من منفاها في كلكتا، واستطاعت القوات الهندية أسر السفينتين الباكستانيتين «مينيلوف» و «مينيليدي».
ديسمبر/كانون الأول 1971: أُحيلت القضية إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، فأصدرت قراراً بعد 24 ساعة يفرض على الهند وباكستان وقف إطلاق النار.
10 ديسمبر/كانون الأول 1971: ما إن اتخذت القوات الباكستانية المنسحبة من مواقعها حول دكا، حتى بادرتها القوات الجوية الهندية بقصف شديد أدى إلى استسلام 2000 جندي وضابط باكستاني.
انتهت الحرب بعد أن فقدت باكستان جزأها الشرقي، ولم يستطع الرئيس يحيى خان، مواجهة الغضب الشعبي، فقدم استقالته في 20 ديسمبر/كانون الأول 1971.
حرب الهند وباكستان 1999
تدهورت الأوضاع بين البلدين عام 1999، إثر اقتحام قوات من كشمير المتنازع عليها مؤيدةً من باكستان خط الهدنة، وسيطرتها على جبال بالمنطقة، وهو ما دفع القوات الهندية للتدخل وشن هجمات متواصلة على تلك العناصر، استخدمت فيها الطائرات والأسلحة الثقيلة.
أعقبها سلسلة تجارب نووية أجراها طرفا النزاع، من باب التهديد بالقوة الفتاكة.
ولا تزال الأزمة قائمة بين البلدين، لا سيما بعد دخولهما على قوائم الدول المسلحة نووياً، فباتا يتصارعان تحت تهديد القصف النووي.. كل منهما للأخرى.