ترجمة: عربي بوست
صوفي هُوي هي موظفة عامة، جمهور المواطنين المعنية بخدمتهم مُعقَّدٌ للغاية. فالأشخاص الذين تُمثِّلهم بعيدون وغير متفاعلين، ولا يظهرون أبداً للتعبير عن رأيٍ أو إخبارها إن كانت تقوم بعملٍ جيد أم لا.
وهم لا يُصوِّتون في الانتخابات. وهذا لأنَّهم لم يُولَدوا بعد. صوفي هي أول -والوحيدة- مفوضة لشؤون أجيال المستقبل في العالم وتتمتَّع بصلاحياتٍ قانونية. وهي موجودة لتمثيل مواطني ويلز الذين لم يُولَدوا بعد.
حسب تقرير صحيفة The Guardian البريطانية يوجد الكثير من القضايا التي يمكن الدفاع عنها. فهناك كثيرٌ جداً من الكوارث –المتعلِّقة بالمناخ، والحشرات، والمياه، والنمو السكاني- التي تُهدِّد بوقوع فواجع، ليس فقط للبشر الموجودين حالياً في العالم، بل ولأحفادهم كذلك. ولم يسبق أن شعر المرء بالتعبير المجازي السياسي «أطفالنا وأطفال أطفالنا» أكثر مما يشعر به اليوم.
فكرت بلدان أخرى في آليات حكم جديدة تسمح بسماع صوت الأجيال المستقبلية، ومن الأمثلة البارزة على ذلك إسرائيل والمجر وكندا.
لكن لم يصل أي بلد إلى الحد الذي بلغته ويلز في تضمين القانون مبدأ استحقاق الأجيال المستقبلية صوتاً عادلاً للتعبير عنهم في النقاشات السياسية الحاضرة.
قالت صوفي (41 عاماً)، وهي نائبة سابقة لمفوض شرطة وجرائم ولديها 5 أبناء: «ضمَّنَّا ذلك في القانون .. ما يعني أنَّ علينا أن نسأل كيف نُترجِمه إلى قرارات تُتَّخَذ يومياً في مختلف أجهزة الحكومة».
مهمتها السياسية
تتولى صوفي الوظيفة منذ استحداثها في 2016، وتفويضها –على الورق على الأقل- واضح: ضمان عدم إضرار القرارات السياسية المُتَّخذة اليوم بمصالح مواطني الغد في ويلز.
وبصفتها مفوضة، فإنَّ مهمة صوفي هي إسداء المشورة للحكومة الويلزية والقطاع العام الويلزي الأوسع نطاقاً وفق ما تستلزمه التزاماتها القانونية.
قضت صوفي معظم فترة بدايتها في المنصب في مساعدة الهيئات العامة الرئيسية في البلاد على وضع خطط رسمية للوفاء بالمسؤوليات الجديدة لتلك الهيئات.
لكنَّ وظيفتها لا تقتصر على مجرد النصح والمساعدة. إذ أظهرت صوفي أنَّ بإمكانها الاضطلاع بدور قوي. فعلى سبيل المثال، ركَّزت في الأشهر الأخيرة تركيزها على مشروع مقترح لإنشاء طريق بتكلفة 1.1 مليار جنيه إسترليني (1.45 مليار دولار) حول مدينة نيوبورت لتفادي الزحام المروري.
يؤكد داعمو المشروع أنَّ هذا الاستثمار سيُعزِّز النمو الاقتصادي. لكن في المقابل، تجادل صوفي بأنَّه سيدمر التنوع البيولوجي ويُثقِل كاهل مواطني ويلز الذين لم يُولَدوا بعد بديونٍ هائلة. ومن المتوقع أن يحسم رئيس الوزراء الويلزي مارك دراكفورد قراره قريباً.
قالت صوفي: «كان هذا المشروع صفقةً منتهية تقريباً قبل تدخُّلي، لكن هناك الآن تفكيرٌ مُتمعِّن في ما إن كان المشروع يخدم مصالح الأجيال المستقبلية أم لا».
يتمثل أحد المشروعات الرئيسية الأخرى في سياسة التخطيط الويلزية جديدة النهج، التي ترفع الاهتمام بفكرة الرفاهية الشاملة، وهي فكرة أساسية ضمن «قانون رفاهية الأجيال المستقبلية» لعام 2015، الذي استحدث منصبها.
مع ذلك، فإنَّ صلاحيات صوفي محدودة. فمنصب المفوض رقابي استشاري أكثر منه تنفيذي. فعلى سبيل المثال، يمكنها إجبار صانعي السياسات على تبرير قراراتهم، لكن لا يمكنها منع اتخاذ تلك القرارات.
لكنَّها تُصِرّ على أنَّ مجرد الإقدام على طرح الأسئلة الصعبة يُحدِث فارقاً. فتقول: «مجرد وجود مؤسسة تواجه الوضع القائم يجعل الناس ينتبهون ويلاحظون».
تمتد تلك الملاحظة لما هو أبعد من ويلز كذلك. إذ أُفِيد بأنَّ لورد بيرد، مؤسس مجلة «The Big Issue»، يدرس طرح مشروع قانون يدعو لاستحداث منصب مفوض مشابه للمملكة المتحدة ككل.
علاوة على ذلك، أرسلت حكومة نيوزيلندا مؤخراً وفداً إلى مدينة كارديف الويلزية لمعرفة المزيد عن النموذج الويلزي المبتكر. وستسافر صوفي في وقتٍ لاحق من هذا الشهر فبراير/شباط إلى دبي لمشاركة تجربتها مع صانعي السياسة العالميين في القمة العالمية للحكومات.
حماية مستقبل الأجيال القادمة
وإجابتها واحدة على كل مَن يسألها عن رسالتها الشاملة: الكلام أمرٌ مُرحَّب به، لكن لا قيمة كبيرة له؛ حماية مستقبل أجيالنا القادمة تحتاج إلى أفعال ملموسة.
وتعترف بأنَّ الموضوع ليس محل نقاش شائع. فاحتياجات الحاضر كثيرة والتنافس بين الحكومات على الموارد محتدم في مختلف أنحاء العالم. وبقدر ما يعترف الساسة بحقوق أجيال الستقبل، فإنَّهم يعرفون أيضاً أنَّ الأجيال التي لم تُولَد بعد لا يُصوِّتون في الانتخابات.
لكنَّ رد صوفي مباشر على نحوٍ مميز: «لا فائدة من امتلاك تلك الطموحات السامية المتلعقة بأجيال المستقبل ما لم نكن مستعدين لاتخاذ قراراتٍ صعبة».
وصوفي ليست ساذجة. فهي تعترف أنَّ ويلز لا يزال أمامها طريق طويل تقطعه كي تحقق تطلعات قانونها التاريخي. إذ يعاني بعض صانعي السياسات من أجل وضع تصوُّر لكيفية اقتطاع الاحتياجات المستقبلية في الوقت الحاضر، فيما ترفض أقلية رجعية الفكرة برُمّتها.
وللمساعدة في إنهاء تلك المعاناة، يعمل مكتبها على تطوير نهج جديد لعملية صنع السياسة. فبدلاً من نهج الإدارة من «أعلى إلى أسفل» -أي مِن مستوى المدير/ الرئيس/… إلى مستوى مَن هم دون المدير/الرئيس/…)- يجب أن تسترشد القرارات الحكومية بمبادئ مثل المشاركة العامة، والتحرك الوقائي، والتعاون عبر مختلف أجهزة الحكومة.
قالت صوفي: «بالنسبة لي، هذا هو أكبر برنامج تغيير ثقافي تشهده ويلز على الإطلاق. نحن بحاجة إلى الاستثمار فعلاً في كيفية البدء في تغيير تلك الثقافة حتى يبدأ الناس في التفكير بصورة أطول أَجَلاً».