عندما انطلق صاروخ فالكون إلى الفضاء، في فبراير/شباط عام 2018، كان يقلّ حمولة غير متوقعة. فبخلاف السيارة "تسلا رودستار" الحمراء، والدمية التي ترتدي بدلة رواد الفضاء خلف المقود، وضع إيلون ماسك مؤسس شركة "سبيس إكس" في صندوق القفازات الأمامي للسيارة سلسلة روايات "الأساس" للمؤلف إسحاق عظيموف مسجلة على قرص ضوئي.
ويقول ماسك إن هذه الرواية التي دارت أحداثها في حقبة من المستقبل بعد نحو 50 ألف سنة، أشعلت شغفه بالسفر عبر الفضاء عندما كان مراهقا. وهي الآن تحلق في الفضاء حول نظامنا الشمسي لنحو 10 ملايين سنة أو يزيد.
وطالما غرست القراءة أفكارا في رؤوس مبدعين وتطورت إلى اختراعات جديدة، بداية من برنامج "إيرث" في رواية "الانهيار الجليدي" لنيل ستيفنسون، الذي استُلهم منه تطبيق "غوغل إيرث"، إلى الهواتف التي لديها القدرة على الاستشعار في رواية آرثر سي كلاركس، التي قادت تيم بيرنرز لي، لاختراع الشبكة العنكبوتية العالمية. ويقول باراك أوباما إن القراءة ساعدته في التعرف على نفسه وساهمت في تشكيل معتقداته.
لكن أهمية القراءة لا تتوقف عند هذا الحد، فقد تساعدك المطالعة أيضا على الارتقاء المهني، وأثبتت دراسات أن المداومة على القراءة تقلل التوتر وتعزز الوظائف المعرفية للدماغ، وتزيد من قدرتك على التعاطف مع الآخرين، هذا بالإضافة إلى اكتساب معلومات غزيرة في ثنايا الكتب.
وسنعرض فيما يلي بعض الفوائد المثبتة للقراءة، ونصائح تساعدك على المواظبة عليها لمدة ساعة يوميا على الأقل.
اقرأ لتتعاطف مع الآخرين
في عالم التجارة والأعمال، ينصح عادة بتحييد العواطف والمشاعر عند اتخاذ القرارات، لكن في السنوات الآخيرة، أصبح التقمص العاطفي من المهارات التي يبحث عنها أصحاب الشركات.
وفي عام 2013، بحث ديفيد كيد، عالم النفس الاجتماعي، عن أفضل الأنشطة التي تزيد من القدرة على تفهم مشاعر الآخرين والتعاطف معهم. ويقول: "بصفتي قارئا دؤوبا، رأيت أن قراءة القصص تجعلنا نعيش تجارب الأخرين ونشعر بما يشعرون به".
وأجرى كيد مع زملائه من معهد نيوسكول للأبحاث الاجتماعية بنيويورك، بحثا عن دور القراءة في تحسين القدرة على تفهم أفكار ورغبات الآخرين. وقسم الفريق الطلاب إلى مجموعتين، طلبوا من إحداها قراءة مقتطفات من روايات أدبية كلاسكية حصدت جوائز عديدة وقصص أخرى شعبية، وطلبوا من المجموعة الأخرى قراءة كتب ثقافية.
وكانت النتائج مدهشة، إذ أحرز قراء روائع الأدب الكلاسيكي أعلى النقاط في جميع الاختبارات. ويقول كيد إن قراءة أي نوع من القصص تسهم دون شك في تنمية المشاركة الوجدانية، ويضيف: "عندما يتفهم الناس مشاعر الآخرين، سيحرصون على مساعدة الغير ويفيدون المجتمع".
كما يسهم تفهم وجهات نظر الآخرين ومشاعرهم في الاجتماعات في الخروج بنتائج مثمرة. ويقول كيد إن أبحاثا جديدة أثبتت أن السماح للأشخاص في التجمعات بالتعبير عن آرائهم بحرية يحفزهم على تحسين الأداء وزيادة الإنتاج.
نصائح من قراء نهمين
وسواء كنت من هواة تكديس الكتب على أمل أن تجد المعلومات طريقها إلى دماغك، أو كنت من عشاق التفاخر بكتبك المفضلة لساعات رغم أنك لم تقرأ منها إلا صفحة واحدة، إليك بعض النصائح من بعض القراء الذين يستحقون لقب "قراء نهمين" عن جدارة.
1)اقرأ راغبا لا مرغما
علمت كريسيتينا شيبوريشي نفسها القراءة وهي في سن الرابعة، وأصبحت شغوفة بالقراءة إلى حد أنها لم تترك كتابا في منزلها إلا والتهتمه التهاما. لكن عندما دخلت المدرسة الابتدائية وأصبحت القراءة إجبارية، أخذت تنفر من الكتب تدريجيا، بسبب إسلوب مدرسة اللغات في الصف، حتى عزفت تماما عن القراءة.
لكنها أدركت في العشرينيات من العمر، أنها بتخليها عن القراءة ضيعت على نفسها فرصا عديدة كان يمكن أن تحدث فرقا كبيرا في حياتها المهنية، وأن زملاءها الذين واظبوا على القراءة وصلوا لمراتب أعلى منها بمراحل.
وبعدها دربت نفسها على حب القراءة مجددا، وأقامت موقعا على الإنترنت تحت عنوان "مكتبة الرؤساء التنفيذيين" الذي يضم مختارات من الكتب التي ألهمت أشخاصا حققوا نجاحا بارزا في حياتهم المهنية، منهم كتّاب وسياسيون وكبار المستثمرين.
وتقول شيبوريشي: "ساهمت عوامل عديدة في ترغيبي في القراءة، مثل إرشادات ونصائح بعض الزملاء الأكثر خبرة، وخوض دورة تدريبية عبر الإنترنت، وقراءة مقالات مؤثرة على مدونة ريان هوليداي عن أهمية القراءة".
ولهذا يُنصح بأن تقرأ لأنك تشعر برغبة في القراءة ولا تجعلها واجبا تلزم نفسك بتأديته.
2)اقرأ نسخ الكتب التي تناسبك ورقية كانت أو إلكترونية
خلافا للتصور الشائع، فإن الشخص المولع بالكتب ليس من الضروري أن يحمل كتبا ثقيلة ويترقب صدور أول نسخة منها كما لو كانت تحفة أثرية ثمينة. إذ يقرأ كيد عادة في الطريق إلى عمله، الذي يستغرق ساعتين بالمواصلات، على الأجهزة الإلكترونية، مثل الهاتف، لأنها أخف وزنا من الكتب. أما إذا أراد أن يقرأ للتثقيف وتنمية المعلومات، فإنه يفضل الاستماع إلى الكتب السمعية.
3)لا تضع أهدافا تفوق إمكانياتك
إذا حاولت مجاراة عادات الرؤساء التنفيذيين فقد تهتز ثقتك بنفسك وتصاب بالإحباط. وفي حوار مع رائدي أعمال بارزين على موقع"مكتبة الرؤساء التنفيذيين"، ذكر أحدهم الذي بلغت قيمة إيرادات استثماراته 300 مليون دولار، أنه يقرأ 100 كتاب سنويا، بينما ذكر الآخر، وهو مؤسس إحدى الشركات بوادي السيليكون أنه يستيقظ في الرابعة صباحا لقراءة الكتب لمدة ثلاث ساعات.
وتنصح أندرا زاهاريا، التي تسجل برنامجا صوتيا عبر الإنترنت وقارئة نهمة، بوضع أهداف واقعية وفي حدود إمكانياتك. وتقول: "إذا أردت أن تداوم على القراءة يوميا فعليك أن تبدأ بالقليل." وتقترح أن تطلب من أصدقائك أن يرشحوا لك بعض الكتب، وتبدأ بقراءة صفحة أو اثنين لا غير يوميا. وقد يكون من الأفضل أن تقرأ على أجهزة القراءة الإلكترونية حتى لا ترى حجم الصفحات المتبقية.
4)إذا وجدت صعوبة في المواظبة على القراءة، جرب "قاعدة الخمسين صفحة"
إذا كنت سريع الضجر، وقد تمل من الكتاب بعد قراءة أربع صفحات منه ثم تلقيه جانبا وتصرف النظر عنه، فهناك قاعدة مؤداها أن تقرأ 50 صفحة من الكتاب، وإن لم تجده ممتعا فلا تكمل قراءته.
وقد اقترحت هذه القاعدة الكاتبة والناقدة الأدبية نانسي بيرل، في كتابها "النهم بالكتب"، وكانت توجهها للأشخاص الذين تجاوزوا الخمسين عاما، لأنها ترى أن الوقت عندما يتقدم بنا العمر يصبح أثمن من أن نهدره في قراءة كتب رديئة.
والخلاصة أنك إذا تخليت عن هاتفك المحمول لساعة واحدة يوميا وأمسكت بكتاب في يدك في المقابل، قد تصبح أكثر تعاطفا مع الآخرين وتزيد كفاءتك في العمل وقدرتك على الإنجاز.
وما دام أكثر رجال الأعمال نجاحا استطاعوا، رغم كثرة مشاغلهم، أن يجدوا وقتا للقراءة، فأنت بإمكانك أن تخصص لها وقتا أيضا. ومن يدري، لعل هذه المعلومات والأفكار التي ستستقيها من الكتب تقودك يوما إلى التحليق في الفضاء.