ترجمة وإعداد: عربي بوست
كانت السعودية في بداية الأمر بمثابة مغامرة بالنسبة لبيثاني فييرا.
فهي امرأةٌ أمريكيةٌ قادمة من ولاية واشنطن، درَّست في إحدى جامعات البنات، وأسست شركة لها، وتزوجت من رجل أعمال سعودي، وأنجبت طفلة بشعر مموج، وسمتها زينة، حسب تقرير أفردته The New York Times لتناول قصتها.
لكن منذ أن ساءت أحوال زواجها وطلبت الطلاق، صارت المرأة الأمريكية عالقةً في المملكة. ففي ظل ما تُعرف بقوانين الوصاية السعودية، التي تمنح الرجال سلطة التحكم في النساء، تعجز بيثاني عن استخدام حسابها المصرفي، أو مغادرة البلاد، أو السفر مع ابنتها، أو التماس المساعدة القانونية، وذلك حسبما أوضحت ابنة عمها نيكول كارول.
قالت نيكول، 37 عاماً، عبر الهاتف من مدينة دوبلين في ولاية كاليفورنيا: «إنها عالقة تماماً. ونفدت لديها الخيارات».
صارت بيثاني، 31 عاماً، مُطلقة الآن، لكن زوجها السابق لم يجدد إقامتها بعد انتهائها، مما يعني أنها غير قادرة على استخدام حسابها المصرفي وغير قادرة على الحصول على إذن لمغادرة البلاد، حسبما أوضحت نيكول. ولا تستطيع ابنتها البالغة من العمر 4 سنوات السفر دون إذن والدها، مما يعني أنه حتى إذا وجدت بيثاني طريقة لمغادرة المملكة، فربما سيتوجب على ابنتها البقاء هناك.
قررت نيكول نشر قضية ابنة عمها؛ لأنها اعتقدت أن العائلة لم يكن لديها أي مكان آخر للجوء إليه، وأملت أن يشجع الحديث عنها شخصاً كي يساعدها، وفي الوقت ذاته لتسليط الضوء على ما وصفته بـ «نظام ظالم».
سُلط ضوءُ رقابةٍ دوليةٍ مُجدداً على القيود التي تفرضها السعودية على المرأة في يناير/كانون الثاني، عندما فرت مراهقة سعودية من عائلتها التي كانت في عطلة، وحبست نفسها داخل غرفة فندق في تايلاند قبل منحها حق اللجوء في كندا.
النساء بمنزلة قانونية مساوية لمنزلة القُصّر
بموجب ما يسمى نظام الوصاية، تُمنح النساء منزلة قانونية مساوية لمنزلة القُصّر. إذ يجب أن يكون لكل منهن «وصي» من الذكور -وهو عادة الأب أو الزوج، ولكن أحياناً يكون الابن أو العم- إذ يُطلب إذنُ هذا الوصي إذا أردن إصدار جوازات السفر، أو متابعة بعض الإجراءات الطبية، أو السفر. وتمتد هذه القواعد لتُطبق على الأجنبيات اللائي يتزوجن من سعوديين -مثلما حدث مع بيثاني- بل وأطفالهن أيضاً.
يمكن للأوصياء الذكور منح إذن السفر أو رفض منحه عن طريق تطبيق حكومي، بل ويمكنهم التسجيل لتلقي رسائل عندما تمر عبر أي مطار أي من النساء اللاتي لديهم وصاية عليهن.
خفف ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والحاكم الفعلي للسعودية، من بعض القيود المفروضة على النساء، فألغى الحظر على قيادة النساء للسيارات، وسمح لهن بدخول الملاعب الرياضية. وفي الشهر الماضي، عيَّن الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان في منصب سفيرة السعودية الجديدة لدى واشنطن.
عندما سُئل في العام الماضي خلال برنامج «60 دقيقة» (60 Minutes) الأمريكي عما إذا كان الرجال والنساء متساوين، أجاب الأمير محمد: «بكل تأكيد؛ فنحن جميعاً بشر، ولا يوجد فرق». وعندما سُئل عن نظام الوصاية في مقابلة أخرى، قال إنه أراد «التوصل إلى طريقة لمعالجة هذا، على ألا تضر العائلات ولا تضر الثقافة».
الوصاية تجعل النساء والرجال غير متساوين
لكنَّ المدافعين عن حقوق الإنسان يقولون إن الوصاية تجعل النساء والرجال غير متساوين بدرجة كبيرة وتترك للنساء قليلاً من الخيارات عندما ينتهي بهن الحال مع وصي متعسف ومسيطر.
قالت نيكول: «يحاولون أن يعرضوا صورة بأنهم يمنحون مزيداً من الحقوق إلى النساء، ولكن إذا أرادوا حقاً القيام بذلك، فهم في حاجة إلى التخلص من الوصاية».
أوضحت نيكول أن بيثاني انتقلت إلى السعودية في 2011 لتُدرِّس في جامعة بنات سعودية وفي الوقت نفسه تستكمل أبحاثها لنيل درجة علمية عُليا. وقد قدّمها أصدقاء لها إلى رجل أعمال سعودي تلقَّى تعليماً في الخارج وبدا داعماً لطموحاتها. فتزوجا في 2013، ودعوا الأصدقاء لإقامة حفل زواجهما في البرتغال.
قالت نيكول، التي كانت وصيفة العروس: «في البداية، بدا الأمر رائعاً حقاً. كان آسراً ومحباً وكريماً وطيباً. وشعرت كما لو أنها التقت بشخص على وفاق تام معها».
كانت زينة ثمار زواجهما، لكن العلاقة كثرت فيها الخلافات في نهاية المطاف. أشارت نيكول إلى أن زوج بيثاني كان يفقد أعصابه دوماً ويصرخ فيها ويسبها أمام زينة. طلبت بيثاني الطلاق؛ إذ إن الرجال حسب التقاليد في السعودية هم من يتمتعون بحق تطليق الزوجة -وليس النساء- بعد وقوع كلمة الطلاق. لم يفعل الزوج شيئاً لأكثر من عام استجابة لطلبها.
طلبت الخلع بعد الإساءات العاطفية واللفظية
ينص القانون السعودي، الذي يستند إلى الشريعة الإسلامية، على أن أي امرأة يمكنها طلب الخُلع إذا لم يكن الرجل يؤدي واجباته. وفي العام الماضي، تقدمت بيثاني بطلب الخلع من زوجها في محكمة سعودية استناداً إلى الإساءات العاطفية واللفظية. أقسم زوجها في المحكمة أنها تكذب وأنه طلقها منذ أكثر من ستة أشهر، وهي حجة قبلها القاضي، حسبما أوضحت ابنة عمها.
وأضافت أنه حتى بعد الطلاق، ظل زوج بيثاني السابق كفيل إقامتها في المملكة، إضافة إلى أنه الوصي عليها وعلى ابنتها. وفي ديسمبر/كانون الأول، رفض منحهما إذناً بالسفر، مما يعني أنهما لم تتمكنا من قضاء احتفالات أعياد الميلاد مع أسرة بيثاني.
وأردفت أنه في الشهر الماضي ترك إقامتها حتى تنتهي، مما يجعل وجودها في السعودية غير قانوني. دون إقامة سارية، لا تستطيع بيثاني السفر، أو الذهاب إلى الشرطة/ أو استخدام حسابها المصرفي؛ أي أنها غير قادرة على دفع نفقات شركتها والوفاء برواتب الموظفين.
بموجب القانون السعودي، يمكن للنساء في موقفها الحصول على إقامة لأنها والدة مواطنة سعودية. لكن زوجها السابق فقط هو مَن يستطيع الحصول على الوثائق الضرورية للحصول على هذه المنزلة، حسبما قالت نيكول، وقد رفض القيام بهذا.
ورغم أن زينة تحمل الجنسيتين السعودية والأمريكية، تعترف السعودية بجنسيتها السعودية فقط. يعني هذا أن زينة لا تستطيع الذهاب مع أمها إذا تمكنت من إيجاد طريقة للخروج من المملكة دون منحها إذناً من الأب؛ لأنه الوصي على الطفلة في هذه الحالة.
نشرت نيكول قصة بيثاني بشرط عدم الإفصاح عن اسم زوجها السابق؛ لأنها خشيت استفزاز عائلته وتعريض ابنة عمها للخطر. عندما تواصلت معها صحيفة The New York Times، أكدن بيثاني على الخطوط العامة لقصتها لكنها رفضت التعليق خوفاً من تفاقم موقفها.
ولم يردّ زوجها السابق على مكالمات هاتفية ورسائل تطلب منه التعليق.
ورفض مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية التعليق على قضية بيثاني التزاماً بقواعد الخصوصية. لكن صفحة المعلومات القنصلية الخاصة بالسعودية في موقع الوزارة تذكر أن حتى النساء غير السعوديات يحتجن إلى إذن من وصي ذكر لمغادرة البلاد، وأن حكومة الولايات المتحدة «لا يمكنها استخراج تأشيرات لمغادرة القُصَّر بدون إذن آبائهم/أوصيائهم».
وتقول أيضاً إنه عند طلاق الأجانب من السعوديين «نادراً ما تمنح الحكومة السعودية إذناً للآباء والأمهات الأجانب بمغادرة البلاد مع الأطفال المولودين خلال مدة الزواج، حتى إذا مُنح/مُنحت حضانة الطفل».
ولا يترك ذلك أي طريقة واضحة لخروج بيثاني وابنتها من البلاد، إذ يخشى أقاربهما الأمريكيون أن العائلة ستبقى في حالة افتراق.
قالت نيكول: «ليس لديها أي ملاذ. ما زال الجميع يسألون «ماذا بعد؟ ماذا بعد؟»، ولكن ليس هناك شيء بعد».