يمن شباب نت
ظلت محافظة حضرموت، الغنية بالثروات النفطية، بعيدة عن حدة الصراعات والحرب التي عاشتها أغلب المحافظات اليمنية الأخرى؛ إلا أنها، مع ذلك، لم تخلو من صراع خفي لفرض النفوذ بين دولتي التحالف الرئيسيتين: السعودية والإمارات.
تقع حضرموت على بعد 794 كيلو متر شرق العاصمة اليمنية صنعاء الخاضعة لسيطرة الانقلابيين الحوثيين. وتعتبر أكبر محافظات الجمهورية مساحة، حيث تحتل 36% من مساحة البلاد، مع شريط ساحلي يمتد طوله 450 كم، وتمتلك ثروات نفطية وسمكية كبيرة، ويعتبر ميناء المكلا أحد أهم الموانئ اليمنية المصدرة للنفط، ويقترب عدد سكانها من المليون نسمة.
ولحضرموت ثقل سياسي كبير، يمكّنها من الاسهام بفاعلية في رسم مستقبل الدولة اليمنية الفدرالية المنتظرة، على ضوء الستة الأقاليم المقررة في مخرجات مؤتمر الحوار الوطني. في الوقت الذي يجعلها، أيضا، تشكل حجر عثرة في طريق المشاريع الانفصالية.
تغييرات في توزيع خارطة النفوذ
لعقود، ارتبطت محافظة حضرموت- بشكل خاص- بعلاقات وطيدة مع السعودية، نظرا للحدود الشاسعة معها، واغتراب معظم أبنائها للعمل والاستقرار في المملكة، بمن فيهم رجال أعمال كبار امتلك بعضهم شركات كبيرة في السعودية؛ الأمر الذي منح الرياض نفوذا كبيرا في المحافظة. إلا أن الحرب الأخيرة، ومتغيراتها، جعل المملكة تنسحب إلى تركيز نفوذها أكثر على مديريات "وادي حضرموت"، المرتبطة معها حدوديا.
وفي المقابل، أفضت المتغيرات الأخيرة إلى استفراد أبو ظبي بمديريات حضرموت الساحل، التي دخلتها وبسطت سلطتها عليها بعد تنفيذها عملية عسكرية موسعة في 2016 لطرد تنظيم القاعدة. وهو أمر حُسب في البداية على أنه جاء في إطار تقاسم النفوذ في المحافظة، بين الرياض وأبو ظبي.
ويربط مراقبون تركيز أبو ظبي على "حضرموت الساحل"، بأطماعها الرامية إلى إحكام السيطرة على مختلف السواحل اليمنية. في حين يرجعون انكفاء الرياض على "حضرموت الوادي"، لحرصها على تأمين حدودها الجنوبية الشرقية من عناصر القاعدة.
صراع النفوذ يفيض إلى السطح
كما فعلت مع باقي محافظات الجنوب اليمني، شكلت الإمارات ما تسمى "قوات النخبة الحضرمية" بمحافظة حضرموت. وهي قوات لا تتبع الشرعية، دربتها أبو ظبي واستخدمتها بداية لتطهير عاصمة المحافظة (المكلا) من عناصر تنظيم القاعدة في أبريل/ نيسان 2016، ثم أصبحت لاحقا تستخدمها لتعزيز سيطرتها وتقويض الحكومة الشرعية وإضعافها. كما هو حال القوات المشابهة، التابعة لها، في بقية محافظات الجنوب الأخرى.
ومنذ ذلك الحين، أصبحت الإمارات هي المسيطرة والمتحكمة، شبه كليا، بإدارة شئون الجزء الساحلي من المحافظة، متخذة من مطار "الريان" الدولي- الذي تم تعطيل حركته حتى اليوم- كقاعدة عسكرية لها وسجنا سريا لتعذيب مناوئيها؛ فيما تركت للسعودية الجزء الأخر من المحافظة (حضرموت الوادي).
إلا أن التحركات الأخيرة في حضرموت لقيادات ما يسمى "المجلس الانتقالي الجنوبي"، وكلاء الإمارات في جنوب اليمن، توحي أن الصراع على النفوذ- الذي ظل طوال الفترة الماضية يدار من وراء الكواليس بين أبو ظبي والرياض- وكأنه قد بدأ يفيض إلى السطح.
فمؤخرا، أطلق رئيس "المجلس الانتقالي" عيدروس الزبيدي، تصريحات لافتة ومثيرة، توعد فيها بـ"اجتياح وادي حضرموت وتسليمها إلى أبنائها، كونهم الأحرص على تأمينها والأدرى بما يجب فيها"، حسب قوله. الأمر الذي فُسر كرسالة من أبو ظبي- عبر وكلائها المحليين- ضدا على التحركات السعودية، لا سيما عبر سفيرها باليمن، والتي بدأت تتدارك الموقف في حضرموت ومحيطها.
وبالتزامن، برزت مؤخرا مؤشرات توحي بوجود ما يشبه التغيير في الموقف السعودي من تصرفات وسلوك "المجلس الانتقالي الجنوبي"، والتي ظهرت بعضها عبر انتقادات وهجوم نخب سياسية وإعلامية سعودية على المجلس.
وقد سبق ذلك، وتزامن معه، تقارير دولية تداولتها الصحافة ومراكز الأبحاث والدراسات الغربية على نطاق واسع، ركزت على وجود خلافات وتباينات بين توجهات وسياسات وأولويات أبو ظبي والرياض في اليمن، ترتكز معظمها حول الصراع على النفوذ وتعزيزه، عبر الوكلاء المحليين.
صراع قوى مختلفة
ويتحدث المحلل السياسي اليمني محمد الغابري عن ثلاث قوى محلية تتصارع على النفوذ في حضرموت.
هذه القوى، كما يراها الغابري في حديثه لـ"يمن شباب نت"، تتمثل بـ"الحراك الجنوبي الثوري، المنافس الأقوى للمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا، وبينهما أنصار الدولة اليمنية الاتحادية"، وهؤلاء الأخيرين معظمهم من الداعمين للحكومة الشرعية.
وبشأن التصارع الدخيل في حضرموت، بين دولتي التحالف الرئيسيتين (الإمارات والسعودية)، يعتقد الغابري أن الأولى "تسعى في حضرموت لتمكين المجلس الانتقالي، الذي مع أن السعودية أصبحت تنظر إليه بارتياب، إلا أنها قد ترى أيضا أن ما يحدث في هذه المحافظة (حضرموت)، لا يتعارض مع مصالحها، وأنهما ربما متفقان على الشراكة هناك".
لكن ذلك قد لا يصمد طويلا، خصوصا إذا ما تم تجاوز الأولويات في المصالح بين الدولتين باليمن. فوفقا للغابري "فالأولوية للرياض في حضرموت والمهرة، بينما الأولوية للإمارات في عدن ومحيطها". وبالتالي- يستدرك "إذا تعارضت المصالح، فقد يكون القول الفصل للمملكة"، لكنه لا يستبعد أن يحدث العكس: "وقد يحدث العكس أحيانا، لأسباب خفية" كما يقول.
وأعتبر الغابري أن انصياع الرياض لأبو ظبي "جهودا كلها أقرب إلى العبث؛ لأن وجودهم سيظل مؤقتا، ويستطيعون تحقيق مصالحهم بسلوك دول مع دول، وليس بهذا الشكل، فالإضرار باليمن هدف غائي وليس تحقيق مصالح".
خطوط حمراء
أما الباحث في الشؤون السياسية عدنان هاشم، فلا يعتقد- من جهته- أن بمقدور أبو ظبي تجاوز الرياض في حضرموت.
ومع أنه يلفت، في حديثه لـ"يمن شباب نت"، إلى أن الإمارات "تحاول استغلال الحالة في اليمن، واضطراب العائلة الحاكمة بالمملكة، للحصول على امتيازات"؛ إلا أنه يجزم أنه "إذا ما قررت السعودية المواجهة، فإن أبوظبي ستغادر حضرموت دون شك".
وتوقع هاشم أن تبني أبو ظبي قوة باتجاه وادي حضرموت. وحيث أكد على قيامها فعليا بتجهيز تلك القوات من النخبة الحضرمية- حسب علمه، استدرك "لكن حدوث ذلك من عدمه، مرتبط بردة الفعل السعودية".
وكانت أعمال شغب نشبت، الثلاثاء الماضي، في مدينة سيئون- عاصمة وادي حضرموت، إثر إضرام محتجون النيران في إطارات السيارات وقطعهم الشوارع الرئيسية بالمدينة، بذريعة الاحتجاج على ما وصفوه بـ"الاختلالات الأمنية" بوادي حضرموت.
وأكد مراسل "يمن شباب نت، انتشار لقوات الجيش في شوارع المدينة، لوقف توسع تلك الاحتجاجات.
وأتهم سكان محليون المجلس الجنوبي الانتقالي بمحاولة تحريض المجتمع على المنطقة العسكرية الأولى، التي تدعمها المملكة السعودية، وتخضع لسيطرتها.