احتفاء كبير شهدته مصر بفوز الممثل الأمريكي من أصول مصرية، رامي مالك، أواخر الشهر الماضي، بجائزة أوسكار أفضل ممثل عن دوره في فيلم «الملحمة البوهيمية».
هذا الاحتفاء، وهو ليس الأول من نوعه، أطلق نقاشات واسعة عبر منصات التواصل الاجتماعي بشأن أسباب عدم تحقق مثل تلك النجاحات من داخل مصر.
الافتخار بأوسكار مالك يتكرر مع اقتناص أي مصري، غادر بلده بحثاً عن النجاح، لجوائز أو مناصب مرموقة.
ومن أبرز الطيور المصرية المهاجرة والناجحة حالياً: لاعب كرة القدم، محمد صلاح، نجم نادي ليفربول الإنجليزي.
رامي مالك يُعيد النقاش
لكن الافتخار المصري اللافت بمالك هو الذي أعاد النقاشات، ما دفع منظمة «هيومين رايتس ووتش» الحقوقية الدولية إلى القول إن القاهرة تحمست لادعاء أي صلة بمالك، رغم أنه أدى دور شخص «مثلي الجنس»، بينما ترى مصر في المثلية الجنسية «جريمة».
ذلك الافتخار بنجاحات مصريين في الخارج يتزامن مع قلة وجود نماذج مثلها داخل مصر؛ لأسباب عديدة، بينها ضعف الإمكانيات، ويمثل محاولة لرفع الروح المعنوية للمصريين، في ظل أجواء اقتصادية خانقة، بحسب ما تحدث به للأناضول سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماعي السياسي.
تحت عنوان «مصر تستطيع»، تحاول القاهرة، منذ 2016، استقدام التجارب الناجحة وخبرات المهاجرين، عبر وزارة مختصة بشؤون المصريين بالخارج.
ونظمت وزارة شؤون المصريين بالخارج ثلاثة مؤتمرات، الأول بعنوان «مصر تستطيع بعلمائها»، في ديسمبر/كانون أول 2016، وضم 27 من علماء وخبراء مصر بالخارج.
والمؤتمر الثاني بعنوان «مصر تستطيع بالتاء المربوطة»، في يوليو/تموز 2017، بمشاركة 30 سيدة مصرية يمتلكن مسيرة ناجحة في بلاد المهجر.
أما النسخة الثالثة، فكانت بعنوان «مصر تستطيع بأبناء النيل»، في فبراير/شباط 2018، بمشاركة 23 من علماء مصر بالخارج، وهم من أصحاب إنجازات وخبرات في مجالات الزراعة والري وإدارة الموارد المائية.
ويعيش 9.5 مليون مصري بالخارج، بينهم 6.2 مليون في دول عربية، منهم 2.9 في السعودية، بخلاف 1.6 مليون في الأمريكتين، وفقاً لوزارة شؤون المصريين بالخارج، في يناير/ كانون الثاني 2019.
نماذج مشرقة
رامي مالك، الذي تحدث خلال حفل الأوسكار عن أصوله المصرية، ولد في مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، عام 1981، لوالدين هاجرا من محافظة المنيا جنوبي مصر.
ومن قبل أوسكار مالك يتواصل احتفاء المصريين بمحمد صلاح، الذي بدأ مسيرته الكروية في نادي «المقاولون العرب»، ثم احترف في بازل السويسري، وتشيلسي الإنجليزي، وفيورنتينا وروما الإيطاليين، وحالياً ليفربول، في مسيرة حصد خلالها جوائز إنجليزية وإفريقية ودولية عديدة.
وقبل مالك وصلاح، تسلطت الأضواء في مصر على عصام حجي، عالم الفضاء المصري الأمريكي في وكالة «ناسا».
عام 2013، عاد حجي إلى مصر، لشغل منصب المستشار العلمي للرئيس المؤقت، عدلي منصور (2013 إلى 2014)، قبل أن يستقيل في 30 يونيو/حزيران من العام التالي، ويعود إلى الولايات المتحدة.
هؤلاء سبقهم محمد البرادعي، صاحب جائزة نوبل للسلام عام 2005، والذي عاد إلى مصر بعد سنوات من رئاسته الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
السياسي المصري البارز، محمد البرادعي/ رويترز
شارك البرادعي في ثورة شعبية أطاحت بالرئيس الأسبق، محمد حسني مبارك (1981 إلى 2011)، وحاول لعب دور سياسي، لكنه استقال من منصبه كنائب للرئيس المؤقت، وعاد إلى أوروبا.
ومن آن إلى آخر، يحتفي الإعلام المحلي بمصريين حققوا نجاحات خارج بلدهم، منهم عالم الكيمياء الراحل أحمد زويل، الحائز على «نوبل» عام 1999، والذي حظي باحتفاء كبير خلال زياراته للبلاد، حتى وفاته في 2016.
وقبل أشهر، احتفى المصريون بالعالم عادل محمود، بعد أن نعاه بيل جيتس، مؤسس شركة «مايكروسوفت»، إذ ارتبط اسم محمود في واشنطن بتطوير لقاحات كثيرة أنقذت حياة ملايين المرضى.
قائمة المحتفى بهم تضم أيضاً مصطفى السيد، أول مصري وعربي يحصل، عام 2008، على أعلى وسام أمريكي في العلوم، وهي «الميدالية الوطنية للعلوم والتكنولوجيا والابتكار»، بفضل إنجازاته في مجال «النانو تكنولوجي».
ومن بين المحتفى بهم كذلك هانى عازر، وكان مسؤولاً عن مشاريع تشييد نفق وسكك حديدية في ألمانيا، واختارته برلين ضمن أشهر 50 شخصية في ألمانيا.
كما لمع نجم العالم فاروق الباز، الذي عمل في «ناسا»، والطبيب الشهير مجدي يعقوب، أحد أبرز جراحي القلب، خلال تواجده بين الولايات المتحدة وبريطانيا ومصر حالياً.
سؤال متكرر
ظاهرة النجاح اللافت لمصريين خارج بلادهم، طرحها قبل أيام حساب «Mohamed El-malah» على «تويتر»، وهو يهنئ رامي مالك بالأوسكار.
وقال صاحب الحساب إن «أحمد زويل، مصطفى السيد، هاني عازر، محمد صلاح، رامي مالك، ناس فعلاً شرفوا مصر عالمياً، غير العلماء اللي عايشين برا (بالخارج)».
وتساءل: «لكن عندي سؤال ليه (لماذا) الناس دي (هذه) ما حققوش (لم يحققوا) النجاح دا غير برا (خارج) مصر؟ ليه مافيش حد عايش جوا (بالداخل) ويحقق هذا النجاح؟».
اللاعب المصري محمد صلاح/ رويترز
هذا السؤال لم يكن وليد فوز مالك بالأوسكار، إذا تكرر بين المصريين، في السنوات الأخيرة، وتنوعت الإجابات عنه ما بين أسباب اقتصادية وزيادة سكانية، وظروف العمل والخبرة، وغيرها.
تحت عنوان «نجاح المصري بالخارج»، حاول الباز، في مقال نُشر بصحيفة محلية قبل نحو عام، الإجابة عن السؤال المتكرر.
البارز قال: «اختل الوضع أثناء العقود الماضية، حيث ازداد عدد مَن تتلمذ بالمدارس والجامعات، وتقلصت فرص العمل، وفَهِم الناس جميعاً أن من يجد عملاً هو من له سند (واسطة)، (ما جعل) الشباب يفكر في العمل خارج الوطن».
وربط بين «إصلاح حال التعليم وازدهار الاقتصاد»، وعودة النجاح في الداخل المصري.
«لماذا ينجحون فى الخارج؟».. هذا السؤال كرره أيضاً الكاتب عباس الطرابيلي، في مقال بصحيفة محلية قبل عام، مضيفاً: «هذا السؤال يحيرني ويحير غيري كثيرين».
وتساءل: «هل ذلك سببه الجو العام، الذي يشجع على إجادة العمل بالخارج، بينما داخل مصر نجد المعوقات؟».
وتابع: «أم أن السبب هو أن من يعمل بالخارج يخشى أن يتم الاستغناء عنه إذا لم يعمل كما يجب، بينما لا يوجد هذا الخوف، لأن الجو العام داخل مصر لا يشجع على الإجادة؟».
ووضع الطرابيلي توصية لعودة النجاحات إلى داخل البلاد بقوله: «ابحثوا عن أسباب هروب هؤلاء أولاً من مصر.. ثم أسباب نجاحهم».
الروح المعنوية
أسباب تلك الظاهرة أرجعها سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسي بمصر، إلى «الإمكانيات المالية الكبيرة في الخارج وغير المتوفرة في الداخل، ونظام الإدارة في الخارج، مقابل بيروقراطية الداخل، بخلاف أزمات العمل».
وأضاف صادق، للأناضول،: «في الخارج لا تضييع للوقت، ولا حروب وظيفية، ولا محسوبيات».
وأردف أن الحريات أيضاً قد تساعد على النجاح، قائلاً: «رامي مالك حاز الأوسكار بأداء دور عن مثلي الجنس، لو كان أداه في مصر لم يكن ليخرج الفيلم إلى النور، في ظل رفض الرقابة لذلك التوجه».
وأرجع صادق افتخار المصريين بنجاحات أبناء بلدهم في الخارج إلى قلة تلك النماذج في البيئة المحلية، ومحاولة رفع الروح المعنوية والإحساس بالنجاحات رغم الأزمات.
وشدد على أن مصر بحاجة إلى مزيد من الجهد ليحقق المواطنون داخل بلدهم ما يحققه أبناء بلادهم في الخارج من نجاحات.
وثمة حالات محدودة لمصريين حققوا نجاحات عالمية من داخل بلدهم، أبرزهم الأديب نجيب محفوظ، الحائز على جائزة «نوبل»، عام 1988.