يمن شباب نت
8 مارس/ آذار؛ في مثل هذا اليوم من كل عام، يحتفي العالم بـ"اليوم العالمي للمرأة". حيث تعلو النداءات من كل أصقاع المعمورة، مطالبة بالمساواة بينها وبين رديفها الرجل.
وفي اليمن، لا يبدو أن ثمة شيئا يحقق مثل ذلك، أكثر من هذه "الحرب" الملعونة وحدها، إذ تطحن الجميع دون تفريق بين رجل ومرأة.
فهنا، لم تعد المرأة تطالب بمساواتها بالرجل في الحقوق السياسية، فذلك يعد ضربا من الخيال. بل أسمى ما تحلم به اليوم، وكل يوم إذا ما استمرت الحرب، هو إنقاذها من أولئك الذين لا يجدون من شيء لمساواتها بالرجل سوى القتل والتنكيل.
في هذا التقرير، نسلط الضوء على معاناة المرأة اليمنية، وبشكل خاص في محافظة تعز، بسبب الحرب. في محاولة للفت أنظار المنافحيّن عن حقوق المرأة إلى ما يحدث لها في هذه البقة السوداء من المعمورة..
عام على أفول "بدر" تعز
العام الماضي، وقبل شهر واحد فقط من بلوغها يومها العالمي، وتحديدا في الثامن من فبراير، 2018، خرجت الناشطة "رهام البدر" مع عدد من زملائها العاملين في المجال الانساني ضمن قافلة غذائية في منطقة "أبعر" التابعة لمديرية صالة- شرقي تعز.
وفي طريق عودتها مع فريقها التطوعي، كانت "رهام" تبدو أكثر سعادة لإتمامها مهمتها الإنسانية على أكمل وجه. لم تكن تعلم أن ثمة قناص بلا قلب يترصد قلبها الطاهر من أعلى "تبة السلال"، حيث تبسط ميليشيات الحوثي سيطرتها على المنطقة من هناك.
ومن بين الجميع، اصطادت رصاصته الغادرة جسدها الغض لتنثر احشائها دون رحمة.
ولعل المفارقة، أن "رهام"، إلى جانب كونها ناشطة دؤوبة في المجال الإغاثي والإنساني، كانت أيضا تنشط كحقوقية ضمن فريق الرصد- بتعز- التابع للجنة الوطنية للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن، المعينة بقرار رئاسي، قبل أن تتحول نفسها إلى ضحية، ورقما في التقرير السنوي للجنة.
فمن بين الـ(1762) حالة استهداف لمدنين، التي رصدتها اللجنة الوطنية خلال العام الماضي (2018)، كان هناك 196 امرأة، أغلبهن من مدينة تعز، تصدرتهن "رهام".
جلسة استماع لم يسمعها العالم
لم تكن رهام، سوى حالة واحدة، ضمن عدد كبير من الانتهاكات التي تعرضت لها كثير من نساء مدينة تعز المحاصرة بفعل الحرب المستمرة منذ أربع سنوات.
قبل انتهاء عام رحيل الناشطة "رهام"، وضمن الحملة الدولية لمناهضة العنف ضد المرأة، عقدت اللجنة الوطنية للتحقيق في الانتهاكات جلسة استماع في تعز لـ32 امرأة، كنّ جميعهن من قرية "الشقب"- بصبر- جنوب تعز، التي تعرضت لقصف عنيف بالمدفعية من قبل مليشيات الحوثي، إلى جانب القنص وزراعة الألغام.
وبشكل عام، لخصت شهاداتهن هول المآسي التي تعرضت لها النسوة في منطقتهن خلال السنوات الأربع الماضية من الحرب، والتي فقدن خلالها الحق بالأمان والأمومة وحياة أسرية طبيعية.
نماذج من الضحايا
"غنية عبدالغني"، 55 عاما، أم لستة أطفال، اجبرتها المعارك المشتدة على تخوم مدينة تعز، للنزوح بعيدا، هربا من أهوالها.
وفي غمرة شعورها بالنجاة، لحقتها وأسرتها- إلى مستقرهم الجديد- قذيفة عشوائية، ربما كانت هي تلك القذيفة العشوائية التي اعتقدت أنها قد نجت منها قبل أشهر بفرارها إلى هنا.
أصيبت "غنية" مع واحدة من بناتها، بينما قتل زوجها، لتجد نفسها وأطفالها بدون عائل، في هذا المكان الغريب، بعيدا عما ألفته وألفها قبل أن تدهمها هذه الحرب المجنونة لتعكر صفوها وتفرق شملها.
ومن بين الضحايا، كانت هناك شابة أسمها "أمل"، 23 عاما، وأم لطفلين، وقد أصيبت بشلل كامل جراء رصاصة قناص اخترقت عنقها لتحيلها إلى عداد العاجزين كليا عن الحركة، عدى شفتيها القادرتين على الحديث والتعبير عن معاناتها.
تقول أمل إنها وبعد أن عجزت مستشفيات تعز، ذات الإمكانيات البسيطة بسبب الحصار، عن إعادة الحركة إلى جسمها المشلول، مُنحت خيطا رفيعا من الأمل حين تم نقلها مع بعض جرحى المدينة إلى تركيا للعلاج، فعضت عليه على أمل الشفاء.
وتابعت: "لكنني، فوجئت عندما أخبرونا بعد شهر من وصولنا بأنه سيتم اعادتنا إلى تعز بدون علاج، فبكيت وطالبت بالبقاء.."
وتضيف أمل بحسرة: "قلت لهم أريد أن أقوم، أريد علاج يعيد لي حركة أصابعي لأقبض بهن. فجاء ردهم جازما وصادما: للأسف، حتى هنا لا يوجد لك علاج" !!
الألم الحقيقي
وهناك، أيضا، جلست امرأة أربعينية بلا قدمين لتبدأ بوصف مشاعرها بصوت بطيء متهدج: "الوجع الحقيقي هو أن تشعر بعجزك كليا وعدم قدرتك على الحركة". تقول الحجة جميلة، 46 عاما، التي بترت قدميها جراء وقوعهما على لغم في منطقة الحبيل بتعز.
وتضيف "منذ وقوع الحادثة، وحياتي تزداد سوء. حتى زوجي تغير كثيرا.. لم أفقد أقدامي فقط بل فقدت حياتي.. أطفالي.. بل فقدت كل شيء ..لا يوجد شيء يعوضنا عن كل ذلك.."
فهل يستطيع العالم الغيور على حقوق المرأة، أن يعيد لـ"غنية" أمانها المفقود، ويستعيد لـ"أمل" حركتها، ويرمم لـ"جميلة" حياتها، في غمرة احتفائه بـ"اليوم العالمي للمرأة" في مثل هذا اليوم من كل عام؟