صنعاء – حسان محمد:
“أسرة يمنيّة تزوّج طفلة في الثالثة من عمرها في صفقة مقابل الطعام والمأوى”، بهذا العنوان أصدرت منظمة أوكسفام تقريرها الأخير عن زواج الصغيرات والتدابير اليائسة من أجل البقاء.
وتؤكد المنظمة أنها التقت في محافظة عمران أسراً دفعها الجوع والعزلة جراء النزوح من منازلها، إلى تزويج بناتها الصغيرات (لم يتجاوز عمر إحداهنّ 3 سنوات)، مقابل شراء الغذاء والمأوى لإنقاذ ما تبقى من الأسرة.
وتقول: “على الرغم من أنّ الزواج المبكر لطالما كان ممارسة قديمة في اليمن، فإن تزويج البنات في سنّ مبكرة كهذه، كمحاولة يائسة للحصول على الطعام، يعد أمراً صادماً بالفعل”، مضيفة أن النزاع وارتفاع أسعار الغذاء وتراجع الدخل في اليمن، يرغم الناس على اللجوء إلى تدابير يائسة لدرء الجوع.
“حنان” ذات الـ9 أعوام (اسم مستعار بحسب رواية المنظمة)، بنت لأسرة نازحة من محافظة عمران، كانت طالبة في المدرسة، لكن منذ أن تزوجت، توقفت عن التعليم.
وتقول حنان: “تضربني والدة زوجي باستمرار، وحين أهرب إلى منزل والدي، يضربني بسبب هروبي. لا أريد أن أتزوج. كلّ ما أريده هو العودة إلى المدرسة”.
الزواج مقابل الطعام
ويعترف والدا حنان اللذان زوّجا أختها الصغيرة البالغة من العمر 3 سنوات، أنهما ارتكبا خطأً بتزويج ابنتهما في هذه السنّ المبكرة، ولكنهما شعرا أن ذلك الزواج كان الخيار الوحيد المتاح لهما. فالمهر المدفوع في مقابل الزواج كان السبيل الوحيد لبقاء سائر أفراد الأسرة.
ويقول مدير مكتب منظمة أوكسفام في اليمن، محسن صدّيقي: “مع استمرار هذه الحرب، أصبحت طرق تعامل الناس مع مستويات الجوع القاتلة، أكثر يأساً. فقد أجبر كثيرون على اتخاذ خطوات تدمّر حياة أطفالهم الآن ولعقود قادمة، وهذه الخطوات نتيجة مباشرة لوجود كارثة إنسانية جراء النزاع”.
ويشدد أن على المجتمع الدولي أن يبذل قصارى جهده لإنهاء القتال وضمان حصول الناس على الغذاء والماء والدواء، التي هم في أمسّ الحاجة إليها”.
تزوجت من أجل إنقاذ شقيقها
ملاك (اسم مستعار) (13 عاماً)، من مخيم التربة بتعز، اضطرت أن تتزوج في سن مبكرة لإنقاذ شقيقها الأصغر شادي (حوالي 5 سنوات)، الذي فقد ساقه، واحتاج إلى طرف صناعي.
وتقول ملاك، بحسب توثيق منظمة أوكسفام: “الأسرة تعيش ظروفاً سيئة جداً بعد أن فرت من القتال إلى مخيم النازحين”، مؤكدة أن والديها لم يكونا ليقبلا على تزويجها إذا كانا في ظرف أفضل، ويستطيعان سداد ديونهما وتغطية نفقات علاج أخيها والاحتياجات الأساسية الأخرى.
وأجبر القتال العديد من العائلات على الفرار إلى المناطق النائية التي تفتقر إلى البنى التحتيّة الأساسية، وتنعدم بها المدارس وشبكات الماء الصالح للاستخدام وشبكات الصرف الصحيّ والمراكز الصحية، بحسب تقرير المنظمة ذاتها، معتبراً أن العديد من هذه العائلات تعيش في خيام صغيرة أو منازل طينيّة لا توفر أيّة حماية تذكر من الشمس أو المطر أو الصقيع خلال ليالي الشتاء الباردة، ومع انعدام الدخل وندرة فرص العمل، لا تستطيع العديد من العائلات تحمّل كلفة شراء ما يكفي من غذاء، لذا تضطرّ إلى إلغاء بعض الوجبات أو العيش على الخبز والشاي فقط، أو شراء المواد الغذائية بالدَّين أو بالتسوّل.
98% خفضوا وجبات طعامهم
الدراسات الاستقصائية التي أنجزت في أواخر العام الماضي، على أشخاص من الذين تلقوا مساعدات من أوكسفام، أفادت أن 99% من الأشخاص البالغين بالأسر قد خفضوا كمّية طعامهم لإعطاء المزيد من الغذاء للأطفال، فيما خفض 98% منهم عدد الوجبات التي يتناولونها يومياً.
وبينت الدراسات أن أكثر من نصفهم اقترضوا الطعام من أصدقائهم أو أقاربهم أو اقتراض المال، وكان ذلك في جميع الحالات تقريباً من أجل شراء الطعام أو الدواء أو الماء.
وتشير المنظمة إلى أنه يمكن أن يصل عدد أفراد بعض الأسر اليمنية إلى 15 شخصاً، من بينهم بعض كبار السنّ الذين يحتاجون إلى رعاية خاصّة ودواء، علاوة على نفقات المعيشة التي لا تُحتمل أصلاً.
ويعتبر صدّيقي أنّ على المانحين التعهّد بتقديم المساعدة إلى اليمن، وتوفير ما يكفي من التمويل للحصول على الغذاء والماء والدواء، من أجل تلبية احتياجات الناس الأساسية، موضحاً ضرورة العمل على إنهاء النزاع حتى تتوقف دوّامة التدهور التي تجبر الناس على اتخاذ تدابير يائسة.
المشاهد نت