محمد الزيدي-بابل
ما أن تطأ قدمك المدخل الرئيس لبابل الآثارية جنوب بغداد، وتسرح بخيالك بعيداً في عبق التاريخ، متنقلاً بين بواباتها "مردوخ، أدد، أنليل، شمش، عشتار" حتى تدرك أهمية هذه المدينة وما تمثله من قيمة تاريخية للعراق بشكل عام، وأقل ما يقال عنها بأنها باتت قبلة لأكثر من ألفي زائر يصلونها بشكل يومي من مختلف العالم.
وتمثل بابل قيمة تاريخية متجذرة منذ القدم كونها احتوت على "آثار عظيمة ومجموعة من المقتنيات الشخصية التي تعود لملوك تلك الحقب، فضلاً عن الحلي والمجوهرات النفيسة" حسبما يقول للجزيرة نت الباحث بآثار بابل أحمد لفتة.
ويضيف "وما يميز بابل دون سواها وجود أول عملة في التاريخ على أرضها، كما ضمت أقدم الطرق الاروائية في التاريخ ونظاما للصرف الصحي لايزال يعمل حتى يومنا هذا، فضلاً عن جنائنها (حدائقها) المعلقة التي تمثل إحدى عجائب الدنيا السبع".
ومن أهم ما يعزز شهرة بابل أنها ليست موقعاً أثرياً فحسب، وإنما ذكرت في مجموعة من الكتب المقدسة كالتوراة والإنجيل والقرآن فضلاً عن جمال المدينة وكبر مساحتها التي تبلغ عشرة ملايين متر مربع، بحسب الباحث الآثاري لمراسل "الجزيرة نت".
كما تتميز أرضها السهلية بكونها غير قابلة للمطاوعة وذلك لقربها من نهر الفرات والطوفانات الكثيرة التي شهدتها منذ آلاف السنين، يوم كان العراقيون القدماء يستخدمون الطين لتدوين علومهم ومجريات حياتهم اليومية.
بابل القديمة (الجزيرة) |
جهود حثيثة
وقد حظيت الدعوة التي وجهها الرئيس العراقي برهم صالح إلى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) -بالمساعدة بإدراج بابل على قائمة التراث العالمي واستعادة الآثار المنهوبة- باهتمام ومتابعة مختلف الشرائح الاجتماعية والثقافية في العراق.
الدعوة -التي جاءت عقب لقاء صالح بمدير اليونسكو أودري أزولاي على هامش زيارته الأخيرة لباريس- تضمنت بحسب بيان رئاسة الجمهورية دعوة المنظمة إلى "حث مختلف دول العالم للمشاركة في الاكتشافات الأثرية خلال المرحلة المقبلة، والمساهمة بوضع مدينة بابل على قائمة التراث العالمي".
كما يكشف عضو لجنة الثقافة والسياحة والآثار بمجلس النواب بشار الكيكي عن مساع حكومية حثيثة تبذلها الدوائر المعنية بالتراث والفرق الحكومية المساندة لإدراج بابل على لائحة التراث العالمي، مؤكداً أن المنظمة الأممية وافقت في وقت سابق بشكل مبدئي من الناحية التقنية والفنية على إدراج المدينة "ونحن بانتظار وصول فريق متخصص من اليونسكو لتقيم تطبيق التوصيات" الخاصة بملف إدراج بابل على لائحة التراث العالمي.
ويعتقد الكيكي في حديثه للجزيرة نت أن بعضاً من آثار بابل تحتاج بشكل واقعي إلى إعادة تأهيل وترميم الأضرار التي لحقت بها نتيجة الحقب الزمنية التي مرت بها المدينة، مشترطاً وجوب أن يكون ذلك بمشورة مباشرة من المنظمة الدولية وهيئاتها المختصة.
من جهته يرى قحطان عبد علي رئيس الفريق المكلف من وزارة الثقافة بكتابة ملف المدينة أن "محاولات إدراج بابل على لائحة التراث العالمي ليست جديدة، فقد بدأت منذ عام 1982، لكن الجديد هو نجاح الحكومة في إقناع المعنيين باليونسكو بدراسة ملف بابل" مشيرا إلى أن أحد أسباب قبول المنظمة هو "التعاون المثمر الذي حدث بين الهيئة العراقية للآثار وصندوق المعالم العالمية الذي قيِّم الموقع فنياً وهندسياً ووثق بعض البنايات القديمة التي من أهمها معابد عشتار ونابو شخاري وننماخ، وأسد بابل بوابة عشتار وما حولها.
المسرح البابلي (الجزيرة) |
شائعات
وينفي حسين فليح مدير آثار محافظة بابل تعرض المدينة للسرقة والتخريب، مبيناً خضوعها لحماية مشددة من قبل شرطة الآثار،
ويقول في تصريح للجزيرة نت إن بابل "تشهد بين الحين والآخر حملات تأهيل لبعض مرافقها بالتعاون ما بين وزارة الثقافة ومفتشية آثار المحافظة".
وكشف مدير آثار بابل أن دائرته "حصلت في وقت سابق على موافقة اليونسكو مبدئيا" في دراسة ملف إدراج المدينة، مضيفا "لبابل تاريخ مشرق وبهيٌّ يستحق أن يحظى باهتمام عالمي".
وسبق لليونسكو أن أدرجت يوم 17 من يوليو/تموز 2016 موقع الأهوار (بلاد ما بين النهرين) على لائحة التراث العالمي خلال الدورة الأربعين للجنة التراث العالمي.
وبحسب اللوائح المتبعة باليونسكو فإن المواقع المعتمدة يجب أن تحظى بالحماية اللازمة ويحال دون اندثارها، مع توفير الظروف الملائمة للسياحة العالمية، بعد أن تتولى اليونسكو مراقبة المواقع وتنظيم زيارات لتقييم أوضاعها.
المصدر : الجزيرة