سعيد وبرميل القمامة

على بعد أمتار من مكتب ضرائب الحوثيين.. موظف حكومي يبحث عن بقايا طعام في برميل القمامة!

صنعاء – صلاح الدين نضال :

يبحث سعيد عن بقايا طعام من برميل قمامة أمام مبنى أحد مكاتب تحصيل الضرائب بصنعاء، وهو المكتب الذي يتحصل 200% من الإيرادات، غير أن هذا الرجل اضطره الجوع إلى ذلك، كملايين اليمنيين، الذين لا يجدون ما يسد رمق جوعهم وأسرهم، مع استمرار الحرب وغياب الدولة.
سعيد الذي يعول أسرة مكونة من 8 أشخاص، لم يكترث لحرارة شمس الظهيرة أثناء بحثه عن بقايا طعام تسد جوع من يعول، فهو يكرر بحثه عن الطعام، كلما داهم أطفاله الجوع، وعجز عن توفيره، من خلال عمل البناء الذي يتوفر حيناً، ويغيب أحياناً.
وارتفع عدد الأشخاص غير القادرين على التنبؤ بوقت تناول الطعام التالي، بنسبة 13%. ومن المتوقع أن تزيد بنسبة 20% أو أكثر ما لم يتم توسيع العمليات الإنسانية بشكل كبير في الأشهر الأولى من عام 2019، بحسب خطة الاستجابة الإنسانية للأمم المتحدة لهذا العام.
ويحتاج 24.4 مليون شخص إلى المساعدة للبقاء على قيد الحياة، بحسب نفس الخطة التي أوضحت أن عدد المحتاجين للمساعدة قبل اندلاع النزاع في العام 2014، كان 14.7 مليون، وارتفع هذا الرقم في العام 2015 إلى 15.9 مليون؛ وفي 2016 إلى 21.2 مليون، وعام 2018 إلى 22.2 مليون.

صور البؤس في اليمن

سعيد الذي كان يعمل مراسلاً في إحدى المؤسسات الحكومية، توقف راتبه، كغيره من الموظفين الحكوميين، ما جعله يلجأ إلى الأعمال الحرة، وعندما لا يجد عملاً في أحد الأيام، يقصد براميل القمامة بحثاً عن أطعمة أو العلب البلاستيكية التي يبيعها لشراء ما تيسر من الطعام، والعودة إلى منزله الشعبي الذي عجز عن سداد إيجاره، كما يقول لـ”المشاهد”، مضيفاً بخجل العزيز، كأنه اقترف شيئاً منافياً لسجيته: “ماذا تريد أن نعمل؟ لا أعمال ولا رواتب، ولا يوجد من يهتم بحالنا”.

سعيد إحدى صور البؤس في اليمن، وهذه الصورة التي وثقت لحظة وجعه بجوار مبنى أحد مكاتب الضرائب، ليست سوى ومضة مؤلمة لحال الفساد والعبث الحاصل في بلد أنهكته الحرب، واستبد بأبنائه الجوع، وارتفعت معه أسعار السلع إلى حد لا يطاق، إذ يعجز الرجل عن شراء ما يكفيه من الخبز نظير ما يبيع من العلب الفارغة.
وزادت تكلفة سلة الغذاء بنسبة 60%، العام الماضي، وارتفع متوسط أسعار المواد الغذائية الآن بنسبة 150% تقريباً عما كان عليه قبل الصراع، وفق خطة الاستجابة الإنسانية 2019.

ثراء غير مشروع

المفارقة العجيبة في ما يحدث لليمنيين من جوع، هي فرض الإتاوات التي تثري القائمين على سلطة الأمر الواقع، تحت مسمى الضرائب.
ويقول محسن، وهو أحد ملاك العقارات في صنعاء، إن محصلي الضرائب يترددون عليه يومياً، بحثاً عن إتاوات، رغم أن المستأجرين لديه هم من الموظفين، وبلا رواتب، وعليهم متأخرات لشهور طويلة، لكن جنود الضرائب ومسؤوليها لا يعنيهم الأمر في شيء، ويطلبون منه وغيره من ملاك العقارات، تسديد ما عليهم بأية طريقة كانت، وبقيمة زائدة عن العام الماضي.
وطلب محسن من مسؤول في الضرائب أن تقوم الدولة بتسديد رواتب الموظفين، حتى يتسنى له تسديد الضرائب، لكنه تفاجأ برد عنيف واتهامات بالخذلان في ظل ما سماه “العدوان” الذي يتعرض له البلد، حسب وصف المسؤول الذي عين في منصبه الجابي حديثاً، نتيجة قربه من جماعة الحوثي.
الغريب أن هذه الأموال التي تجبى كضرائب من تجار التجزئة والجملة، وأصحاب الشركات والعقارات، وبائعي القات، وغيرهم، لا تذهب إلى مستحقيها من الموظفين البالغ عددهم قرابة المليون، رغم أنهم بدون رواتب منذ 3 سنوات.

المشاهد نت