ترجمة: عربي بوست
تعد زيارة الرئيس حسن روحاني إلى العراق، التي بدأت قبل يومين وتستمر لثلاثة أيام، نقطةً تحول في العلاقات الإيرانية-العراقية، التي ظلَّت متوترة لفترة كبيرة، أعقبت حرباً عنيفة استمرت 8 سنوات، إبّان حكم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، واستمرت حتى سقوط نظامه في 2003.
وقال موقع LobeLog الأمريكي إن روحاني يهدف من وراء هذه الزيارة إلى توطيد العلاقات الثنائية، وبشكل موازٍ الالتفاف على العقوبات الأمريكية الخانقة. لِهذه الزيارة التي طال انتظارها، وهي أول زيارة لروحاني إلى العراق كرئيس دلالاتٌ اقتصادية وأمنية وجيو-استراتيجية مهمة لكلا البلدين، وستكون على الأغلب علامةً على «فصلٍ جديد» في علاقات التعاون بين بلدين جارين يتقاسمان حدوداً طويلة، وروابط ثقافية ودينية وتاريخية عميقة.
وحسبما قال وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، خلال زيارة روحاني، فالبلدان سيُوقِّعان عدداً من مذكرات التفاهم في مجالات النقل عبر الحدود، والتعاون في قطاع الطاقة، والمشاريع الصناعية المشتركة، وتنظيف المياه الملوثة لشطِّ العرب (وهي عمليةٌ تأخرت كثيراً). أعطى الرئيس العراقي، برهم صالح، أهميةً كبرى لزيارة روحاني «المهمة للغاية»، عبر وصفِها بأنها ذات منفعة مشتركة. وقال صالح:
«تصبُّ مصالح العراق في الحفاظ على علاقات جيدة جداً مع إيران. أكرر هذه الجملة عدة مراتٍ متعمداً. لدينا نحن العراقيين مصلحةٌ في تقوية هذه العلاقات مع إيران، ويجب أن نراها على أنها المسألة الأساسية بين جميع علاقاتنا الإقليمية».
اقتراح لمحادثات إقليمية
اقترح سياسيٌّ آخر، وهو عمار الحكيم، زعيم تيار الحكمة الوطني في العراق، فكرةَ إجراء محادثاتٍ إقليمية تشمل إيران، والعراق، وتركيا، والسعودية، ومصر، وهي فكرةٌ رحَّبت بها إيران باعتبارها سبيلاً لاستخدام العراق جسراً يربطها بالعالم العربي. بالإضافة إلى اللقاء مع المسؤولين العراقيين في بغداد، من المفترض أن يزور روحاني مدينتي كربلاء والنجف المقدّستين لدى الشيعة، وأن يلتقي مع رجل الدين النافذ، آية الله علي السيستاني.
توقيتُ الزيارة، قبل شهر من تاريخ تجديد استثناء العراق من العقوبات الأمريكية (بالإضافة إلى بلدانٍ أخرى)، سيجعل من المستحيل على البيت الأبيض رفض تمديد هذا الاستثناء لبغداد، التي رفضت علناً الضغط الأمريكي لقطع علاقاتها النفطية مع إيران. ورغم أن برايان هوك، رئيس «مجموعة العمل حول إيران» التابعة لوزارة الخارجية الأمريكية، حذَّر من أن الولايات المتحدة لا تنوي تجديد هذه الاستثناءات من العقوبات، فإملاءات سياسة الولايات المتحدة تجاه العراق ستفرض على الأرجح تمديداً آخر، بحسب الموقع الأمريكي.
فبعد كل شيء، وكما أشار القائم بأعمال وزير الدفاع الأمريكي، باتريك شاناهان، خلال زيارته الأخيرة لبغداد، فإن واشنطن تمنح الأولوية لاستقرار البلد، وتُظهر على الأقل احتراماً لـ «سيادة العراق». عدم تمديد الاستثناء سيؤدي إلى خلق حالة من النفور بين النخبة السياسية العراقية والجماعات القوية المؤيدة لإيران والكتل البرلمانية التي تُلحُّ كلها على انسحاب القوات الأمريكية من العراق.
العراق أصبح ساحة تنافس إقليمي
بمعنى محدد، يمثِّل العراق اليوم ساحةً متنازعاً عليها للمنافسة الأمريكية-الإيرانية في المنطقة، بما فيها سوريا، حيث زُعم أن ميليشياتٍ عراقية تساعد إيران هناك. إحدى هذه الميليشيات هي حركة حزب الله النجباء الشيعية، التي صنَّفها مكتب مراقبة الأموال الأجنبية في وزارة الخزانة الأمريكية على أنها إرهابية. الحركةُ هي فرعٌ من «عصائب أهل الحق»، وهي فصيلٌ مسلح تابع لقوات الحشد الشعبي. قوات الحشد الشعبي التي تأسست في عام 2014 لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية هي قواتٌ يهيمن عليها الشيعة، وقد جرى دمجها مع الجيش العراقي رسمياً في عام 2017. وبحسب ما نقلت تقاريرٌ إسرائيلية، فإن ميليشيا حزب الله النجباء ساعدت إيران في إنشاء خطٍّ لإمداد دمشق بالنفط عبر العراق، وهكذا قوَّضت الاستراتيجية الأمريكية لمنع إيران من إنشاء ممراتٍ لبيع نفطها. وخلال زيارته الشهر الماضي لبغداد، تفاخر وزير الخارجية محمد جواد ظريف بمحاربة إيران إلى جانب قوات الحشد الشعبي، بحسب الموقع الأمريكي.
من غير الواضح ما إذا كانت واشنطن ستُصنّف كلَّ قوات الحشد الشعبي، التي تتكون من العشرات من المجموعات، باعتبارها منظمة إرهابية، بعد استنكار القوات لتصريح ترامب المثير للجدل في فبراير/شباط الماضي، حين قال إن القوات الأمريكية في العراق ستُراقب إيران بانتباه. ومن غير الواضح أيضاً ما إذا كان البيت الأبيض سيُعاقب إيران على تحدي الرغبة الأمريكية وتأسيس علاقاتٍ أقوى مع العراق.
ويُعتبر تعزيز الروابط المصرفية مع العراق أولوية قصوى في زيارةِ روحاني، فقد صرَّح حاكم بنك إيران المركزي، عبدالناصر همتى، مؤخراً، أن البلدين يخططان للقيام بتحويلاتٍ اقتصادية تعتمد على اليورو والدينار، وقد قفز حجم هذه التحويلات من ملياري دولار سنوياً قبل ثماني سنوات إلى أكثر من 12 مليار دولار حالياً، ويُتوقع أن تصل إلى 20 ملياراً خلال سنتين. وخلال الشهر الماضي، وقَّع همتى ونظيره العراقي على اتفاقٍ لتطوير آلية دفعٍ لتسهيل الأعمال المصرفية بين البلدين، بحسب الموقع الأمريكي.
لا شك أن الاستقلال يتنامى بسرعة، فقد صدَّرت إيران مثلاً ما قيمته 8,3 مليار دولار من البضائع غير النفطية إلى العراق، خلال الأحد عشر شهراً الأولى من السنة الإيرانية (أي بين مارس/آذار من عام 2018 وفبراير/شباط 2019)، بزيادة قدرها 54% في الوزن و45% في القيمة. كما أن إيران هي ثالث أكبر شريك تجاري للعراق، والاتفاقات الجديدة التي سيجري توقيعها خلال زيارة روحاني ستؤكّد لطهران أن بغداد جادةٌ حول عدم رغبتها في أن تكون «جزءاً من نظام العقوبات ضد إيران»، وذلك بحسب ما قاله رئيس الوزراء العراقي، عادل عبدالمهدي، في لقائه مع وفدٍ إيراني في شهر فبراير/شباط الماضي.
مأزق الحكومة العراقية
رغم النوايا الطيبة لبغداد، وعزمها البقاء حياديةً في المواجهة الأمريكية-الإيرانية الحالية، فإن الحكومة العراقية في موقف صعب، وهي قلقةٌ حيال عواقب إغضاب واشنطن. لذا وعلى سبيل المثال، فسخ العراق صفقة كركوك التي بموجبها تبادل مع إيران 11 ألف برميل يومياً، وذلك بسبب الضغط الأمريكي، بحسب ما قال وزير النفط الإيراني، بيجان زنكنه. من ناحية أخرى، جدَّد العراق للتو عقداً لاستيراد الكهرباء عبر شركة تافانير، وهي شركة إيرانية تنقل وتوزع الطاقة الكهربائية. العام الماضي، استورد العراق 154 مليون متر مكعب من النفط الطبيعي من إيران، بالإضافة إلى 1300 ميغاواط من الكهرباء.
المعيار المهم لحالة التوازن التي يتبناها العراق بين إيران والولايات المتحدة هو مسألة حقول النفط المشتركة. تشترك إيران مع العراق في خمسة حقول نفطٍ على الأقل، وتشير البيانات الصادرة عن وزارة النفط الإيرانية أن إنتاج الحقول التي تقع على حدود العراق، بما فيها حقل ياران الجنوبي، يصل إلى حوالي 300 ألف برميل يومياً، أي ما يعادل سنوياً حوالي 5 مليارات دولار أمريكي. وبسبب نقص رأس المال والتقنية اللازمة للاستثمار في حقولٍ مشتركة، تفكر إيران في دعوة شركات النفط الروسية لتسهيل هذه المشاريع، مفترضةً أن روسيا مستعدةٌ للمخاطرة بتحمل عقوباتٍ أمريكية ثانوية، كما يقول الموقع الأمريكي.
إنْ وقعت إيران مع العراق اتفاقاتٍ هامة متعلقة بالطاقة خلال زيارة روحاني، كما ألمح المسؤولون من الطرفين، فسوف يُحيِّدا بشدة المحاولاتِ الأمريكية لقطع علاقات العراق مع إيران. إن عقمَ الضغط الأمريكي على العراق بسبب إيران يعد تذكيراً جديداً بالطبيعة المثيرة للجدل لسياسة ترامب تجاه إيران، وهي سياسة ذات بُعد واحد وميالةٌ إلى المواجهة. هذا الجهد لشيطنة إيران باعتبارها قوةً تخريبية تجاه جيرانها هو جهدٌ في مسارٍ معاكسٍ للحقيقة: والدليل على هذا هو العلاقة التي تزداد قوةً، والتي تتمتع بمنفعةٍ مشتركة بين كلٍّ من العراق وإيران.