تقرير: عربي بوست
رغم الضغط الدولي الهائل في أعقاب سقوط طائرة الخطوط الإثيوبية من طراز «بوينغ 737 ماكس 8″، الأحد 10 مارس/آذار 2019، ووقف العديد من الدول تحليق طائرات ذلك الطراز فوق أراضيها، ترفض الولايات المتحدة اتخاذ أي إجراء ضد ذلك الطراز، فما هو السبب؟
إدارة الطيران الفيدرالية الأمريكية قالت في بيان، إنه «حتى الآن، لم تُظهر مراجعتنا وجود مشكلات أداء هيكلية (في الطائرة)، ولم توفر أساساً لمنع العمل بها».
وباختيارها عدم منع طائراتها «بوينغ 737 ماكس 8″، تدير إدارة الطيران الفيدرالية ظهرها إلى الانتقادات المتعلقة بهذا الملف الحساس بالنسبة للإدارة الأمريكية، فهو يدخل في المفاوضات التجارية بين واشنطن وبكين، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية.
ملف العلاقات التجارية مع الصين
«سقوط الطائرة الإثيوبية له تأثير سلبي على العلاقات الصينية-الأمريكية، لأن بوينغ درة بالنسبة للاقتصاد الأمريكي، وهي القادرة على ضبط الميزان التجاري الأمريكي، خاصة أن الصين تشتري طائرات بوينغ، وفي العام الماضي (2018)، أبرمت تعاقدات بـ250 مليار دولار لشراء طائرات البوينغ، والمفترض أنها خلال السنوات العشرين القادمة ستشتري 7700 طائرة بما قيمته 1.2 تريليون دولار،» بحسب الخبير الاقتصادي علاء عبد الحليم، في تصريحات لـ «عربي بوست».
وقال عبد الحليم: «إذن بوينغ حجر الزاوية في ضبط الميزان التجاري الصيني-الأمريكي، وأعتقد أن الصينيين سيكونون حذرين بالنسبة لشراء طائرات البوينغ، خصوصاً طراز 737، وربما يتجهون إلى المنافس الأوروبي (إيرباص)، وهذا سيؤثر بالسلب في العلاقات التجارية بينهما».
لماذا تدعم أمريكا بوينغ؟
حتى اللحظة، لم تطلب إدارة الطيران الفيدرالية سوى بضعة تعديلات متعلقة بالأنظمة الآلية الخاصة بالطائرة مثل نظام التثبيت، في حين حثَّ بعض النواب الأمريكيين، من جمهوريين وديمقراطيين، هذه الإدارة على تطبيق مبدأ الوقاية.
وتبقى كندا متضامنة مع الولايات المتحدة في مواصلتها السماح لطائرات «بوينغ 737 ماكس 8» بالتحليق، في حين قالت شركة «إير شاتل» النروجية المنخفضة التكلفة، والتي علّقت العمل بطائراتها الـ18 من طراز «737 ماكس 8″، إنها ستطالب المصنّع الأمريكي بتعويضات مالية، طبقاً لوكالة الأنباء الفرنسية.
ويعد منع التحليق الأخير الذي لحِق بشركة بوينغ ضربة محرجة لشركة بوينغ وغير مسبوقة بتاريخ الطيران المدني.
«هناك صراع كبير بين بوينغ وإيرباص، وهذه صناعات ثقيلة كثيفة رأس المال وكثيفة العمالة، والولايات المتحدة الأمريكية دائماً ما تدعم بوينغ، حتى تضبط ميزانها التجاري مع الصين والدول الأخرى، لأن لدى بوينغ تكنولوجيا خاصة، ولديها هيمنة على سوق صناعة الطائرات»، يضيف عبد الحليم مفسراً دعم الإدارة الأمريكية بوينغ.
ويتابع قائلاً: «سقوط طائرتي بوينغ في فترة زمنية قصيرة (إندونيسيا في أكتوبر/تشرين الأول 2018، وإثيوبيا في مارس/آذار 2019) سيؤثر بالسلب في بوينغ؛ ومن ثم الاقتصاد الأمريكي، وربما يتسبب ذلك في مشاكل أكبر، ويمثل ضغطاً على الاقتصاد العالمي ككل، خاصة أن واشنطن تشكو من عدم التوازن في الميزان التجاري، بسبب تنوع وكثرة الصادرات الصينية، وهو ما يؤثر بالسلب في الأوضاع الاقتصادية الأمريكية».
ويردف: «في تقديري، سقوط الطائرة الإثيوبية فتح جرحاً كبيراً في بوينغ، وسيصب بمصلحة إيرباص، ورأينا ذلك واضحاً في وقف معظم دول العالم تحليق طائرات البوينغ من طراز 737 ماكس».
ويبدي العاملون في المجال الجوي والمسافرون الأمريكيون بعض القلق مع رفض كثير منهم السفر على متن تلك الطائرة. وشجعت نقابة العاملين بالمجال الجوي، التي تمثّل موظفي شركة «أمريكان إيرلانز»، أعضاءها على عدم الصعود على متن طائرة «737 ماكس 8» إذا لم يشعروا بأن الأمر آمن.
منع دولي للبوينغ
تم منع «بوينغ 737 ماكس» من التحليق في الأجواء الفرنسية والبريطانية والألمانية، كما حظرت وكالة سلامة الطيران الأوروبية من الأجواء الأوروبية كل رحلات «ماكس 8 وماكس 9» المتجهة إلى الاتحاد الأوروبي أو المنطلقة منه أو بين دوله، إن كان يشغلها طرف أوروبي أو طرف ثالث.
وقبل أوروبا، أطلقت آسيا الهجوم على طائرات بوينغ، لتمنعها من التحليق، أو تعلّق العمل بها كلّ من أستراليا وسنغافورة والصين التي تسلمت 76 من هذا الطراز.
ومنعت الهند ونيوزيلندا ومصر ولبنان أيضاً تحليق تلك الطائرات في أجوائها.
وقررت عشرات شركات الطيران، من بينها الخطوط الإثيوبية، وقف العمل بطائراتها من طراز «737 ماكس».
وخسرت بوينغ حتى الأربعاء 13 مارس/آذار 2019، أكثر من 26 مليار دولار من قيمة أسهمها في البورصة، ولا تزال الخسائر مستمرة.