سعى الرئيس الإيراني حسن روحاني من خلال لقائه، الأربعاء في مدينة النجف المرجعَ الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني، إلى إضفاء بعد ديني وروحي على زيارته للعراق، ليحقّق بذلك “امتيازا” لم يستطع سلفه المحافظ محمود أحمدي نجاد الحصول عليه حين زار العراق مرتين في 2008 و2013 ورفض السيستاني لقاءه.
وقال مختصّون في الشؤون الإيرانية، إنّ هذا الجانب من زيارة روحاني للعراق والتي تعتبر ناجحة بالنسبة إليه حيث حقّق خلالها جملة من المكاسب الاقتصادية والسياسية، مرتبط بالصراع الداخلي الإيراني بين أركان حكومة روحاني، وبطانة المرشد الأعلى علي السيستاني ومن ضمنها كبار قادة الحرس الثوري وعلى رأسهم قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني.
وظهر ذلك الصراع مؤخّرا، كأوضح ما يكون، عندما أقدم محمّد جواد ظريف وزير الخارجية في حكومة روحاني على تقديم استقالته بسبب استبعاده من ترتيبات زيارة الرئيس السوري بشار الأسد لإيران وعدم حضوره اللقاءات التي عقدها في طهران.
غير أنّ زيارة روحاني للسيستاني في النجف، لم تمر دون إرباك، بسبب “تسرّع” القائمين على الموقع الإلكتروني للحكومة الإيرانية في نشر مقطع فيديو يحتفي فيه بتلك “الزيارة الحدث” أرفقه بتعاليق مكتوبة تُبيّن أهميتها.
وانزلق كاتب التعاليق، بقصد أو دونه، إلى الإشارة ضمنا إلى خلافات الرئاسة مع خامنئي وجنرالات الحرس الثوري مثل سليماني.
وبحسب التعاليق المصاحبة للفيديو فإن الرسالة الأولى من زيارة الرئيس الإيراني للمرجع الشيعي الأعلى في العراق “هي أن لقاء روحاني مع آية الله السيستاني يدل على أن روحاني يتمتّع في إيران بقوة كبيرة، وليس من الضروري أن يحاور العراقيون مؤسسات أو شخصيات عسكرية إيرانية أخرى بشأن المصالحة التكتيكية ويمكنهم القيام بذلك مع روحاني كرئيس لإيران”.
أما الرسالة الثانية بحسب ذات الفيديو “فهي موجهة إلى قادة إيران وهي تثبت أنه تم استقبال روحاني خلال زيارته للعراق من قبل أكبر مراجع التقليد لدى العراقيين وأكثرهم نفوذا”.
وسرعان ما تفطّنت الرئاسة الإيرانية إلى تجاوز الموقع المحسوب عليها خطّا أحمر، الأمر الذي قد يجرّ عليها تبعات كبيرة، فسارعت إلى حذف الفيديو، بعد أن كانت وسائل إعلام محلية ودولية قد التقطته وروّجته.
وسعيا لتطويق ما يمكن أن ينجم عنه من غضب المرشد علي خامنئي وقادة الحرس الثوري النافذين، بادر الموقع الإلكتروني للحكومة الإيرانية للاعتذار عن نشر مقطع الفيديو. وبرّر نشره بحدوث “تساهل وخطأ من قبل العاملين في الموقع”.
وتعليقا على الإرباك الذي طال حكومة روحاني وحوّل لقاءه بالسيستاني من مكسب سياسي إلى عثرة جديدة، قال مصدر عراقي إنّ “الحفاوة التي قوبل بها الرئيس الإيراني في بغداد جعلته ينسى نفسه، الأمر الذي أوقعه في موقف أحرج من خلاله السلطة الدينية الشاملة التي يمثلها المرشد الأعلى خامنئي والسلطة الدنيوية التي يمثلها في العراق زعيم فيلق القدس سليماني وهو ما كان عليه أن يحتاط له، كونه رجل دين ويحتل منصبا دنيويا في الوقت نفسه. فولاء السياسيين العراقيين الشيعة يتقاسمه في الأساس خامنئي وسليماني، أما الرئيس روحاني فإنّه رجل طارئ على المشهد ولا يحظى بأي نوع من أنواع الولاء”.
وتابع ذات المصدر قائلا “إنّه كان حريا بروحاني أن يكتفي بالطابع الرسمي للزيارة ولا يتجاوزه إلى أمور هي ليست من اختصاصه وبالأخص على مستوى ما لا تستطيع الحكومة العراقية تنفيذه من وعود وهي تواجه ضغوطا أميركية، من الصعب اليوم توقع المستوى الذي ستصل إليه حين تقرر الولايات المتحدة إجبار العراق على وقف تعاونه الاقتصادي مع إيران”.
وأضاف “قاسم سليماني هو الرجل المؤهل لمواجهة تلك الأجواء من خلال تمثيله المفتوح لسلطة الولي الفقيه أمام المسؤولين العراقيين الذين تصل إليهم التعليمات ‘المقدسة’ من خلال سليماني وحده”.
كما لم يستبعد نفس المصدر “أن يكون السياسيون العراقيون قد قالوا لروحاني كلاما لا يتفق مع قدرتهم على التنفيذ وهو ما أبهجه وجعله يشعر بأنه أنجز ما لم يسبقه سليماني إلى إنجازه. وهو شعور قد يكون مصدر إزعاج بالنسبة للقيادة الإيرانية التي لا تثق بأولئك السياسيين وتسعى إلى تسييرهم والقبض منهم أولا بأول ولا تهتم بوعودهم الآجلة”.
ويحظى السيستاني الذي حرص روحاني على أن يختتم زيارته للعراق بلقائه، بمكانة دينية كبيرة لدى أبناء الطائفة الشيعية في العراق والعالم بما في ذلك داخل إيران.
وتحرص المرجعية الشيعية التي يمثّلها السيستاني على الإيحاء بابتعادها عن الشأن السياسي والوقوف على مسافة واحدة من مختلف الفرقاء السياسيين، لكنّها عمليا منخرطة بشكل غير مباشر في ذلك الشأن، وتوجّه “النصح” بشأن القضايا الكبرى وخلال المنعطفات الحاسمة، فيما تعتبر “نصائحها” بمثابة أوامر خصوصا وأنّ العراق محكوم من قبل أحزاب دينية، شيعية بالأساس.
وإن كانت نصائح المرجعية لا تطبّق في ملفات مثل محاربة الفساد، فإن الأحزاب الحاكمة في العراق تتظاهر مع ذلك بطاعة المرجعية وتحرص على التقرّب منها ونيل “مباركتها”.
وكان لمرجعية النجف تدخّل سنة 2014 هو الأكثر حسما وتأثيرا، عندما أصدر السيستاني “فتوى الجهادي الكفائي”، داعيا إلى حمل السلاح في وجه تنظيم داعش الذي غزا في تلك السنة ما يقارب ثلث مساحة العراق حتى أصبح على أعتاب العاصمة بغداد. واستنادا إلى تلك الفتوى تشكلت قوات الحشد الشعبي التي انضم إليها مدنيون، وأيضا فصائل شيعية ممولة ومدعومة من إيران. وبعد انتهاء المعارك، أصبحت تلك القوات، شكليا، تحت إمرة القائد الأعلى للقوات المسلّحة العراقية الذي هو رئيس الوزراء. وباسم الحشد نفسه تشكّل بمناسبة انتخابات شهر مايو من العام الماضي تحالف انتخابي بقيادة زعيم ميليشيا بدر هادي العامري يحمل اسم تحالف الفتح، وقد تمكّن من إيصال 47 من مرشّحيه إلى البرلمان.
والعلاقة الواسعة مع الحشد الشعبي وكبار قادته، هي من نقاط قوّة قائد فيلق القدس ضمن الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في العراق، والتي لا يمكن للرئيس روحاني مجاراته فيها.
لكن روحاني حقّق ما يمكن اعتباره مكاسب كبيرة لإيران خلال زيارته للعراق، حيث أن ما توصّل إليه من اتفاقات مع الجانب العراقي يكفل لطهران جعل الساحة العراقية متنفّسا اقتصاديا وبوابة للالتفاف على العقوبات الأميركية الشديدة المفروضة عليها.
وقال مراقبون إنّ الحصيلة التي تمخّضت عنها زيارة روحاني للعراق تصبّ في مجملها في مصلحة إيران، بينما سيكون على الجانب العراقي تحمّل الحرج إزاء الشريك الأميركي الكبير للعراق في عدّة مجالات والذي لن يكون راضيا عن توسيع العلاقات الاقتصادية والتجارية بين بغداد وطهران، في وقت تفرض فيه واشنطن أشدّ العقوبات على إيران وتطالب الجميع بالالتزام بها.