عقدت منظمة التعاون الإسلامي اجتماعات الدورة السادسة والأربعين لمجلس وزراء خارجية الدول الأعضاء بالمنظمة، في العاصمة الإماراتية أبوظبي، مطلع مارس/آذار الجاري.
والسمة التي جعلت اجتماعات هذا العام مختلفة عن سابقاتها هي استضافة وزيرة الشؤون الخارجية الهندية سوشما سوراج كضيفة شرف؛ حيث ألقت كلمة بالفعل، وهذا أول حضور لنيودلهي منذ تأسيس المنظمة قبل نصف قرن.
وقد اعتبر كثير من المراقبين بالهند كلمة سوراج «انتصاراً دبلوماسياً كبيراً»، حيث وصفها رافيش كومار، المتحدث باسم الشؤون الخارجية بالهند، عبر حسابه على تويتر، بأنها كلمة «تصنع التاريخ».
إلا أنه بعد يوم من استضافة الوزيرة الهندية، تبنَّت منظمة التعاون الإسلامي قراراً يدين دور الهند في كشمير (الجزء الخاضع لسيطرتها من الإقليم، ويؤكد من جديد دعمها لـ «القضية العادلة للشعب الكشميري».
هذا بالطبع أغضب الهند، وأصدر المتحدث الرسمي بياناً يزعم فيه أن كشمير جزء لا يتجزأ من الهند. لكنَّ غضب الهند كان موجهاً ضد باكستان، وليس ضد منظمة التعاون الإسلامي.
محاولة الهند الفاشلة عام 1969
في وقت سابق من هذا الشهر، رحَّبت وسائل الإعلام الهندية بدعوة وزيرة خارجيتها لحضور مؤتمر منظمة التعاون الإسلامي كضيف شرف، مستشهدة برغبة الهند في الانضمام إلى المنظمة منذ إنشائها قبل نصف قرن.
واعتبرت بعض وسائل الإعلام الهندية أن باكستان هي التي تصدَّت لعضوية الهند في المنظمة عام 1969.
وأشارت إلى أن الهند تلقَّت دعوة لحضور القمة الأولى للمنظمة منذ 50 عاماً في المغرب عام 1969، لكن كان على الوفد الهندي العودة في منتصف الطريق بسبب سحب الدعوة بعد اعتراض باكستان.
والتساؤلات التي تطرح نفسها هي: لماذا توجَّب على منظمة التعاون (منظمة المؤتمر الإسلامي آنذاك) دعوة دولة لتصبح عضواً ثم تفعل شيئاً ألزم وفد نيودلهي بالعودة إلى بلاده في منتصف الطريق؟
أليس ذلك خطأ دبلوماسياً من جانب المنظمة؟ هل يمكن للمنظمة أن تبقى كياناً فاعلاً بعد مثل هذا «الغضب» خاصة أنها كانت تخطو أولى خطواتها؟.
اللافت في هذا الأمر هو أن المنظمة لم تنجُ فحسب، لكنها ازدهرت أيضاً، حيث نمت عضويتها منذ ذلك الحين من 24 عضواً إلى 57 عضواً، وفي السنوات الأخيرة، تسعى الهند للحصول على مركز مراقب في المنظمة.
ماذا حدث؟ لماذا تهتم الهند بتنمية شكل من أشكال العلاقة مع منظمة التعاون الإسلامي رغم ما حدث عام 1969؟
وفي الواقع، لم تقدم وسائل الإعلام الموالية للهند سوى نصف حقائق بشأن تلك الواقعة.
وكانت بداية القصة في عام 1969، أثناء الاستعدادات لمؤتمر القمة الإسلامي الأول في العاصمة المغربية الرباط، وتقدمت الهند (وهي دولة قومية ذات أغلبية هندوسية) بطلب لتصبح عضواً في المنظمة.
وكانت حجة الهند في ذلك هي أن لديها عدداً كبيراً من المسلمين ، وأنه يجب تمثيل هؤلاء المسلمين في المنظمة.
ورفضت اللجنة التحضيرية لمؤتمر القمة هذه الحجة. لكن مع ذلك، تم قبول نداء هندي يطالب بتمثيل المسلمين الهنود لاحقاً في المؤتمر نفسه.
وكان المؤتمر جارياً بالفعل عند اتخاذ ذلك القرار. وقررت الهند إرسال وفد إلى المؤتمر برئاسة وزير مسلم في الحكومة الفيدرالية.
لكن الحكومة الهندية كلفت سفيرها لدى المغرب (ينتمي إلى ديانة السيخ) بتمثيل الهند في المؤتمر خلال الفترة المؤقتة قبل وصول الوفد من نيودلهي.
وعندما اعترض وفد باكستان بسبب تمثيل شخص غير مسلم للمسلمين الهنود، تم رفض مشاركة الوفد الهندي في الجلسة.
وعلاوة على ذلك، منح المؤتمر عضوية رمزية للمسلمين الهنود، وليس للحكومة الهندية. ومن أجل احتواء احتجاج باكستان آنذاك، تم إلغاء عضوية الهند القصيرة في المنظمة من قِبل المؤتمر. ولهذا السبب كان على الوفد الهندي العودة إلى الوطن في منتصف الطريق.
وبعد عامين من تلك الواقعة، انتقمت الهند من الإذلال الذي عانت منه في عام 1969.
ففي عام 1971 كانت باكستان متورطة في أزمة داخلية بين الشق الشرقي من البلاد وشقها الغربي، ما دفع بالعديد من قادة باكستان الشرقية (آنذاك) باللجوء للهند.
وعندما حاول الأمين العام للمنظمة، تونكو عبدالرحمن، رئيس وزراء ماليزيا الأسبق، التوفيق بين قادة باكستان الشرقية والغربية الباكستانية (في ذلك الوقت) وأراد زيارة الهند، رفضت الأخيرة منحه تأشيرة، وأحبطت جهود منظمة المؤتمر الإسلامي للتوسط في الأزمة الداخلية في باكستان منذ بدايتها.
وفيما يتعلق بالسبب وراء رغبة الهند في إقامة علاقات أفضل مع منظمة التعاون الإسلامي الآن، يجب أن نلاحظ أن الهند تحتاج لتأمين مصالحها الاقتصادية والمالية.
فالهند ليست فقط لديها مصالح ضخمة مع دول منظمة التعاون الإسلامي الغنية بالنفط، بل إن أكثر من ثمانية ملايين هندي يعملون في هذه الدول ساهموا بشكل كبير في الاقتصاد الهندي. وبالتالي فإن بعض الانتماء إلى منظمة التعاون الإسلامي سيفيد الهند.
موقف باكستان من القضية
لماذا قاطع وزير الخارجية الباكستاني، شاه محمود قريشي، اجتماع المنظمة الذي دُعيت إليه وزيرة الشؤون الخارجية الهندية؟ خاصة أن هذا الموقف لا يتوافق بشكل جيد مع سياسة رئيس الوزراء عمران خان ذات الصلة بـ «باكستان الجديدة» التي تُبنى على التصالح.
تتطلب سياسة خان إجراء مفاوضات مباشرة بكرامة وشفافية مع جميع الأطراف حول جميع القضايا. لكن بالنسبة للهند، فإن الأمر لا يقتصر فحسب على «احتلالها» لكشمير، بل يوجد أيضاً حوالي 200 مليون مسلم فيها، وفقاً لتقارير الأمم المتحدة، يتعرضون باستمرار للمضايقة في ظل الإدارة الحالية.
ولأسباب تاريخية، تقع على عاتق باكستان مسؤولية لفت الانتباه إلى تقارير عن اضطهاد المسلمين الذين يتعرضون للإيذاء والمضطهدين في المنتديات والمحافل الدولية.
نعم، صحيح أن باكستان أبدت اهتمامها بشعب كشمير، لكن ينبغي أن يمتد هذا الاهتمام إلى بقية الهند أيضاً.
والآن وقد أصبحت الهند مهتمة بالحصول على صفة مراقب في منظمة التعاون الإسلامي، فربما يمكّن ذلك الأمر الدول الأعضاء في المنظمة من إقناع الهند بمعالجة القضايا المتعلقة بالمسلمين الهنود. وحتى الآن، رفضت الهند حتى السماح لوفد من المنظمة بزيارة الهند.
لا ننسَ أن المنظمة منحت روسيا وتايلاند صفقة مراقب، لكن الهند تستحق أيضاً هذا الوضع بسبب حجم السكان المسلمين فيها.
صعود التطرف
في الآونة الأخيرة، تسبَّب هجوم في الجزء الخاضع للهند من إقليم كشمير (المتنازع عليه مع باكستان)، في توتر العلاقات بين الهند وباكستان.
الهجوم وقع في منطقة بولواما، في 14 فبراير/شباط، وأسفر عن مقتل 44 من عناصر الشرطة شبه العسكرية.
بغضّ النظر عمن يدعي المسؤولية عن الهجوم، بالنسبة لمعظم الباكستانيين فإن المهاجم كشميري، ومواطن هندي، وهو من قتل العسكريين الهنود باستخدام سيارة هندية ومتفجرات هندية، لذا يكاد يكون مستحيلاً أن تكون باكستان ضالعة في الهجوم.
وعلى الرغم من أنه يجب إدانة جميع الهجمات الانتحارية بشكل لا لبس فيه، يجب ألا يتجاهل المرء الظروف التي تؤدي إلى مثل هذه الأعمال العنيفة.
إن الهند بممارساتها هي مَن دفع بهذا الوضع في كشمير، وهي الآن تستخدم هجوم بولواما لحشد الأصوات في الانتخابات المقبلة، وفقاً لبعض التقارير.
يبدو أن الهند غير مدركة لحقيقة أن كل جنازة في كشمير تدفع الشباب أكثر فأكثر نحو التشدد، ودعونا أيضاً نتذكر ملاحظة أخيرة لعمران خان حين قال: «الإرهاب مشكلة للجميع ويجب معالجتها من قِبَل الجميع».
بيد أن الانتفاضة في كشمير يجب ألا تعادل الإرهاب في أماكن أخرى. فلم ترفض الهند فحسب الاعتراف بالنزاع في كشمير، بل حوَّلت كشمير إلى أكثر المناطق عسكرة في العالم اليوم. ويبدو أن الحكومة الهندية متغطرسة للغاية، وهي الآن تؤجج الأوضاع المشتعلة بطبيعتها في الإقليم المضطرب للأغراض السياسية.
وربما تفكر الهند في تغلّبها على باكستان في عام 1971. ومع ذلك ، بالكاد تدرك نيودلهي أن باكستان اليوم ليست هي باكستان عام 1971 عندما كانت باكستان تعاني من الصراع الداخلي. فقد تعافت باكستان الآن من أمراض الماضي ولديها القدرة على الوقوف بكرامة واحترام الذات. وإذا تم دفعها إلى وضع محتدم، فسترد باكستان بالتأكيد بأقوى شكل ممكن.
فرصة للدبلوماسية
ورداً على هجوم بولواما، أرادت الهند عزل باكستان دبلوماسياً، لكن هذا لم يحدث. وبدلاً من ذلك، عرض عدد من الدول، بما في ذلك تركيا وروسيا، التوسط بين البلدين، لكن يبدو أن الهند لا تهتم بأي وساطة دولية.
فخلال الأيام الأولى لنزاع كشمير الذي توسط فيه مجلس الأمن الدولي قبل عشرات السنين، تلقت الهند الدعم من خلال الفيتو السوفيتي (آنذاك)، ولكن الهند تعتبر نفسها الآن قوة عالمية وترفض قبول أي وساطة دولية.
وحاولت نيودلهي التصرف بشكل مستقل وحاولت القيام بعمل عسكري ضد باكستان، لكن تلك الخطوات كانت لها نتائج عكسية. فأسقطت باكستان طائرتين مقاتلتين هنديتين وأسرت طياراً.
وكما ذكر عمران خان، يمكن للمرء أن يبدأ حرباً ولكن لا أحد يعرف كيف ينهي الحرب. وعلاوة على ذلك، إذا اندلعت الحرب بين الهند وباكستان، فإنها لن تبقى محصورة في شبه القارة الهندية. وقال الأب المؤسس للهند، مهاتما غاندي ذات مرة: «من الجيد أن نتذكر أن الأقوى قد يضعف وأن الحكمة قد تخطئ».
ربما لا يهتم الزعماء السياسيون الحاليون في الهند بما قاله غاندي. ومع ذلك، ينبغي للمرء دائماً أن يضع في اعتباره مبدأ عالمياً وهو: «التواضع هو مفتاح القوة. وسيتوقف إنجاز الهند الدبلوماسي على مقدار التواضع الذي تبديه نيودلهي في دبلوماسيتها».