ترجمة: عربي بوست
اختتم الرئيس الإيراني حسن روحاني زيارته الرسمية للعراق، الأربعاء 13 مارس/’ذار 2019، بلقاء المرجع الديني الأكثر احتراماً في البلاد، آية الله العظمى علي السيستاني، وهو لقاء لم يحظ به رؤساء إيرانيون سابقون وقادة أمريكيون على حد سواء.
ويقول محللون لصحيفة The Washington Post الأمريكية، إنَّ هذا الاجتماع يبعث بإشارة إلى واشنطن تقول إنَّ الروابط الدينية والثقافية والاقتصادية التي تربط إيران والعراق لن تقوضها الجهود الأمريكية لعزل إيران. وفي الوقت ذاته، فمن المرجح أن يعزز هذا اللقاء مكانة روحاني في إيران.
وجاءت هذه الجلسة بعد أن أعلن روحاني ورئيس الوزراء العراقي، عادل عبد المهدي، عن اتفاقيات لتعزيز التجارة، وإنشاء خط سكك حديدية بين البلدين، واتخاذ إجراءات لإزالة قيود السفر المفروضة على السياح والمستثمرين. وقال عبد المهدي أيضاً إنَّ إيران وافقت على العودة إلى الشروط الأصلية لاتفاقية وُقّعت عام 1975 بشأن تقاسم ممر مائي مهم.
وقال مسؤولون من كلا البلدين إنَّ تفاصيل الاتفاقيات سوف تصدر في وقت لاحق، لكنَّ الرسالة واضحة: لن يكون العراق طرفاً في تجديد العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران.
وقال رئيس الوزراء العراقي في بيان له: «أشاد الطرف الإيراني بقرار العراق أنه لن يكون جزءاً من منظومة العقوبات ضدهم»، بحسب الصحيفة الأمريكية.
رسالة السيستاني إلى إيران
وكتب حسين داود، من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، الأربعاء 13 مارس/ىذار 2019: «أشارت الحكومة العراقية، من خلال سلسلة من الاجتماعات والاتفاقيات رفيعة المستوى مع الرئيس الإيراني، إلى أنها غير مستعدة لأن تكون جزءاً من حملة الضغوط الأمريكية القصوى على إيران».
بالنسبة للعراق، مثَّلت زيارة روحاني، التي استغرقت 3 أيام، خروجاً عن الأساليب المعتادة لطهران، والتي تشمل أنشطة داخل العراق على يد ميليشيات متحالفة مع إيران وشخصيات بارزة من الحرس الثوري الإيراني القوي. وقد أشار السيستاني إلى هذه الأنشطة في أثناء لقائه مع الرئيس الإيراني.
إذ قال رجل الدين البالغ من العمر 88 عاماً، والذي نادراً ما يظهر في العلن، ودائماً تقريباً ما ينقل وجهات نظره وسطاء، في بيان، إنه يرحب «بأي خطوات لتعزيز علاقات العراق بجيرانه… استناداً إلى احترام سيادة الدول وعدم التدخل في الشؤون الداخلية». وقد فُسر هذا التصريح على نطاق واسع باعتباره إشارة إلى الميليشيات الشيعية العراقية المرتبطة أيديولوجياً بإيران، والتي تدعمها بالأموال والأسلحة، بحسب الصحيفة الأمريكية.
وقد حازت هذه الميليشيات دعماً شعبياً من كثير من العراقيين، لمساعدتها على هزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش)، وحصلت منذ ذلك الحين على نفوذ سياسي واسع من خلال البرلمان العراقي. واكتسبت هذه الميليشيات أيضاً سيطرة غير رسمية علىالمناطق السُّنية الرئيسية التي ساعدتها على التخلص من احتلال داعش.
وترى الحكومة الأمريكية وكثير من العراقيين هذه الميليشيات بوصفهم وكلاء لإيران خارج سيطرة السلطات المركزية في العراق.
روحاني أيضاً استفاد
وبالإضافة إلى توبيخ إيران لدعمها الميليشيات، فإنَّ اجتماع السيستاني بروحاني كان مهماً لتعزيز موقف الرئيس الإيراني داخلياً، بحسب الصحيفة الأمريكية.
إذ يهيمن «الحرس الثوري» على السياسة الإيرانية في العراق، حيث يسلح ويمول شبكة من الميليشيات الوكيلة الموالية له. وانتقدت شخصيات متشددة مقربة من «الحرس الثوري»، في الآونة الأخيرة، روحاني، المعتدل نسبياً، ومجلس وزرائه المكون من تكنوقراط. وندد أولئك المتشددون بروحاني، لضعفه في مواجهة الضغوط الأمريكية، التي أعادت فرض العقوبات على إيران بعد انسحابها، العام الماضي (2018)، من الاتفاق النووي.
لكنَّ السيستاني، وهو شخص موقر وله أتباع كثيرون في إيران، رفض مقابلة قاسم سليماني، قائد «فيلق القدس»، وهي قوة النخبة في «الحرس الثوري». وبالمثل، رفض السيستاني اللقاء مع الرئيس السابق والسياسي المتشدد محمود أحمدي نجاد.
وقال علي فايز، الخبير في الشأن الإيراني بمجموعة الأزمات الدولية: «إنَّ المشاركة الانتقائية للسيستاني مع القوى الأكثر براغماتية بالسياسة الإيرانية من شأنها تعزيز موقف روحاني الداخلي في وقت تشتد فيه حاجة الرئيس الإيراني، الذي يفتقر إلى الثقة، إلى هذا التعزيز. إنَّ تصديق السيستاني على النهج الأكثر اعتدالاً في السياسة الخارجية الإيرانية يمثل وساماً على صدر روحاني وفريقه».
وقال فايز إنَّ اجتماع روحاني بالسيستاني والاستقبال الإيجابي عموماً الذي تلقاه الزعيم الإيراني في العراق تذكير بمحدودية «المنظار الصفري الذي تنظر به الولايات المتحدة إلى الكثير من تنافسها الإقليمي مع إيران».
وأضاف أنَّ «على واشنطن أن تعترف بأنَّ طهران تتمتع بمزايا القوة الناعمة التي تفتقر إليها الولايات المتحدة. ولو أرادت أن تكبح النفوذ الإيراني فإنَّ عليها، بدلاً من مواجهة طهران، أن تتنافس مع قوتها الناعمة ونفوذها الاقتصادي من خلال مساعدة بغداد على أن تصبح أكثر اعتماداً على نفسها».