أفراد من الجيش الإيراني أثناء عرض عسكري في سبتمبر 2015 بذكرى الحرب الإيرانية العراقية (رويترز)

«أم الحروب» في طريقها للاشتعال.. 3 قادة يمتلكون التهور الكافي لشن حرب على إيران وجر المنطقة للمجهول

عربي بوست

نشر موقع لوب لوغ الأمريكي المهتم بالعلاقات الدولية تقريراً مطولاً انطلاقاً ما سمّاه «سُؤال السياسة الخارجية الأهم لعام 2019»: هل دونالد ترامب الرئيس الأمريكي، وبنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، ومحمد بن سلمان ولي العهد السعودي، بالتهوُّر الكافي لشن حربٍ على إيران في ظل ضعفهم الشديد على المستوى الداخلي وتناقص حلفائهم خارجياً؟ وهل ستؤدي عمليةٌ عسكريةٌ محدودةٌ -مثل زيادة مُعدل القصف الإسرائيلي للأهداف الإيرانية داخل سوريا أو هجماتٍ أمريكيةٍ عابرةٍ للحدود من العراق أو صدامٍ بين السفن الحربية الأمريكية والإيرانية في الخليج- إلى اندلاع حربٍ أوسع نطاقاً؟

ومن المُؤسف أن إجابات تلك الأسئلة هي: نعم ونعم. يُمكن أن يحدث ذلك فعلياً، رغم أن أوروبا الغربية اصطفَّت لمُعارضة أي صراعٍ مُستقبليٍ مع إيران، ورغم أن روسيا والصين ستقف في وجه مثل هذا التحرُّك، ورغم أن خبراء السياسة الخارجية داخل واشنطن سيُصيبهم الذعر حال اندلاع حربٍ من هذا النوع.

إيران الجبهة الأقرب للحرب

ورغم تصاعُد حدة التوتُّرات بين إدارة ترامب من جهة وفنزويلا وكوريا الشمالية من جهةٍ أخرى، لكن إيران تظل الموقع الأرجح لحرب واشنطن المُقبلة. ومن المحتمل أن تُؤدي سنوات التقريع السياسي المشحون المُعادي لإيران إلى انفجارٍ في وجه ترامب ومُساعديه الأكثر تشدُّداً: مايك بومبيو، وزير الخارجية، وجون بولتون، مستشار الأمن القومي. ما سيُؤدِّي بنهاية المطاف إلى صراعٍ ذي تداعياتٍ كارثيةٍ مُحتملة.

إذ إن حرباً من هذا النوع قد تمتد بطول الشرق الأوسط كالنار في الهشيم، ولن يقتصر مداها على السعودية وإسرائيل فقط، أكبر قُوَّتين مُعاديتين لإيران في المنطقة، بل ستصل أيضاً إلى العراق وسوريا ولبنان واليمن ومختلف دول الخليج. وقد يتحوَّل الأمر دون شكٍ إلى «أم الحروب» على حد تعبير حسن روحاني، الرئيس الإيراني (الذي اقتبس ذلك الوصف دون قصدٍ عن صدام حسين، الرئيس العراقي وعدو إيران اللدود سابقاً).

ولا تقع الكثير من القيود على عاتق ترامب في ما يتعلَّق بسياسته تجاه إيران، في ظل وجود بولتون وترامب داخل قمرة القيادة، وهما اثنان من أشهر المُعادين لإيران. وتزداد خطورة الموقف في ظل استقالة عددٍ من القيادات التي حذَّرت من هذه الخطوة مثل جون كيلي كبير موظفي البيت الأبيض السابق، وهربرت ماكماستر مستشار الأمن القومي السابق، وجيمس ماتيس وزير الدفاع السابق. وما يزال هناك عددٌ من الديمقراطيين داخل الكونغرس يعتقدون أن إيران تُمثِّل خطراً كبيراً على المصالح الأمريكية في المنطقة، رغم أن اللجنة الوطنية الديمقراطية مرَّرت الشهر الماضي تشريعاً يدعو الولايات المتحدة إلى العودة للاتفاق النووي الذي وقَّعه أوباما.

ورغم توقيع الاتفاق النووي مع إيران أثناء حكم الرئيس السابق باراك أوباما، إلا أن الديمقراطيين الذين يتزعَّمون السياسة الخارجية للحزب داخل الكونغرس، إليوت إنجل عضو لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، وبوب مينديز وبن كاردن الديمقراطيان البارزان وأعضاء لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، كانوا من مُعارضي الاتفاق النووي عام 2015 (رغم أن جميعهم يزعمون أنهم غيَّروا رأيهم حالياً).

السعي لتغيير النظام في طهران

في هذه الرحلة المجنونة المسماة السياسة الخارجية لدونالد ترامب، من الصعب التمييز بين ما هو حقيقي وما ليس حقيقياً، وما قيل على سبيل المجاز، وما ليس كذلك، عندما يتعلق الأمر بإيران، فمن المنطقي افتراض أنَّ ترامب وبولتون وبومبيو لا يخططون لنسخة محدثة من الغزو أحادي الجانب للعراق الذي أطلقه الرئيس السابق جورج دبليو بوش في ربيع عام 2003.

ومع ذلك، فإنَّ هؤلاء الثلاثة يحاولون بوضوح فرض انهيار النظام الإيراني، الذي احتفل للتوّ بالذكرى الأربعين للثورة الإسلامية لعام 1979، من خلال الدعوة العلنية للإطاحة بالحكومة في طهران، والانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، وإعادة فرض عقوبات مرهقة لتقويض اقتصاد هذا البلد، وتشجيع الإيرانيين على الثورة، والدعم العلني لجماعات كثيرة في المنفى (وربما حتى الدعم السري للإرهابيين)، ومن خلال الانضمام لإسرائيل والسعودية في حلف معاد لإيران بشكل غير رسمي.

بؤر توتر ربما تنفجر في أي وقت

ثمة ثلاث بؤر محتملة قد تتصاعد فيها المناوشات سريعاً إلى حرب حال اندلاع مناوشات.

أولها في سوريا ولبنان، فإيران منخرطة بعمق في الدفاع عن الرئيس السوري بشار الأسد (الذي عاد مؤخراً من زيارة إلى طهران) ومتحالفة بشكل وثيق مع حزب الله، الجماعة السياسية الشيعية اللبنانية التي تمتلك ذراعاً عسكرية شبه نظامية قوية. وقبل أسابيع، تفاخر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو علناً بأنَّ سلاح بلاده الجوي نجح في تحييد أهداف إيرانية في سوريا. والحقيقة أنه وقعتَ عشرات من مثل هذه الضربات منذأكثر من عام دون أن يلاحظها أحد، مع تزايد الخسائر في صفوف الإيرانيين.

وحتى الآن، فإنَّ القيادة الإيرانية قد تجنبت الرد المباشر الذي من شأنه أن يزيد من حدة المواجهة مع إسرائيل، تماماً كما تجنبت إطلاق العنان لحزب الله، الذي يعد قوة تعمل بالوكالة مُسلحة جيداً ومُختبرة في المعارك. ومع ذلك، فقد يتغير هذا الأمر لو قرر المتشددون في إيران القصاص. وفي حال انفجر هذا الصراع ، فهل يشك أحد في أنَّ ترامب سوف ينضم إلى المعمعة إلى جانب إسرائيل، أو أنَّ الديمقراطيين في الكونغرس سرعان ما يخضعون لنداءات الإدارة بدعم تل أبيب؟

القاعدة الأمريكية في العراق

البؤرة الثانية هي العراق، ففي فبراير/شباط،قال ترامب بغضب لبرنامج Face the Nation الذي تذيعه شبكة CBS الأمريكية إنه ينوي الإبقاء على القوات الأمريكية في العراق «لأنني أريد النظر قليلاً إلى إيران، لأنَّ إيران هي المشكلة الحقيقية». ولم تمر تعليقاته مرور الكرام في الطبقة السياسية العراقية، إذ إنَّ الكثير من الأحزاب والميليشيات في العراق مدعومة من إيران.

وجاء تصريح ترامب في أعقاب تقريرلصحيفة Wall Street Journal الأمريكية أواخر العام الماضي، جاء فيه أن بولتون طلب من البنتاغون إعداد خيارات لـ «ضربات انتقامية» ضد إيران، وسط معارضة كثير الجنرالات ووزير الدفاع حينها ماتيس.

وتزامن ذلك تقريباً مع هجمتين صاروخيتين صغيرتين استهدفتا المنطقة الخضراء المحصنة في بغداد ومطار البصرة، المدينة العراقية المطلة على الخليج، ولم تسفر أي منهما عن وقوع إصابات. ومع ذلك، فقد ألقى بومبيو، في مقال كتبه بمجلة Foreign Affairs الأمريكية، باللائمة على إيران في هذه الهجمات التي وصفها بأنها «تهدد حياة» العراقيين.

أمريكا لم تشن أية «ضربات انتقامية»، لكن مما لا شك فيه أنَّ ثمة خططاً الآن لهذه الضربات وليس من الصعب تخيل بولتون وبومبيو وهما يقنعان ترامب باستخدام تلك الخطط مع ما يستتبعه ذلك من عواقب لا يمكن التنبؤ بها.

مناوشات بحرية في الخليج

البؤرة الثالثة هي الخليج العربي نفسه، فمنذ رئاسة جورج بوش، والبحرية الأمريكية قلقة بشأن الاشتباكات المحتملة مع البحرية الإيرانية في هذه المياه وكان ثمة عدد من الحوادث البارزة. حاولت إدارة أوباما وفشلتفي إطلاق خط ساخن من نوع ما من شأنه ربط قادة البحرية الأمريكية والإيرانية ومن ثم تسهيل نزع فتيل أي من هذه الحوادث، وهي مبادرة أيدها رئيس هيئة الأركان المشتركة آنذاك، الأدميرال مايك مولن،المعارض منذ زمن طويل للحرب مع إيران.  

ومع ذلك، ففي ظل رئاسة ترامب، يصعب التكهن بالنتائج. إذ طلب، العام الماضي، من ماتيس إعداد خطط لتفجير «القوارب السريعة» لإيران، وهي زوارق حربية صغيرة في الخليج، وقيل إنه سأل: «لِمَ لا نغرقها؟». وقد عزز ترامب بالفعل من الحضور البحري الأمريكي هناك، وهو ما جذب انتباه إيران. وليس من المستغرب أنَّ القيادة الإيرانية قد ردت بالمثل. إذ أعلن الرئيس حسن روحاني، في وقت سابق من العام الجاري، أنَّ بلاده قد طوّرت غواصات قادرة على إطلاق صواريخ كروز ضد أهداف بحرية. وبدأ الإيرانيون أيضاً سلسلة من التدريبات الحربية في الخليج، وفي أواخر فبراير/شباط، اختبرت إيران إطلاق واحد من هذه الصواريخ التي تطلقها الغواصات.

التحالف بين طهران والقاعدة

وفيما يبدو إعادة غريبة لحجة أساسية استخدمها جورج بوش وديك تشيني لشن الحرب على العراق عام 2003، نشرت صحيفة The Washington Times الأمريكية اليمينية، في فبراير/شباط، تقريراً «حصرياً» يحمل العنوان التالي: «التحالف بين إيران والقاعدة قد يوفر مبررات قانونية لضربات عسكرية أمريكية».

ففي عام 2002، أمضى مكتب الخطط الخاصة لوزير الدفاع دونالد رامسفيلد شهوراً، تحت إشراف المحافظين الجدد بول وولفويتز ودوغلاس فيث، في محاولة لإثبات ارتباط القاعدة بالعراق. وقدم تقرير صحيفة The Washington Times، الذي استشهد بمصادر من إدارة ترامب، مزاعم مشابهة بأنَّ إيران تساعد القاعدة وتحرضها «بتقديم ملاذ سري لتوجيه المقاتلين والأموال والأسلحة عبر الشرق الأوسط». وأضاف التقرير أنَّ الإدارة تسعى لاستخدام هذه المعلومات لإيجاد «مبرر قانوني لضربات عسكرية ضد إيران أو وكلائها». وغني عن الذكر أنَّ قلة من خبراء الإرهاب أو المتخصصين في الشأن الإيراني سوف يوافقون على أنَّ لإيران أي علاقة نشطة مع القاعدة.

نتنياهو يريد الحرب

وعلى الرغم من مواجهة إدارة ترامب صعوبة متزايدة في إيجاد حلفاء مستعدين للانضمام إلى حلف جديد للراغبين في مواجهة إيران، فإنَّ العضوين الأصليين الوحيدين حتى الآن، إسرائيل والسعودية، متحمسان فعلاً. إذ سُمع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الشهر الماضي، وهو يقول إنَّ إسرائيل وحلفاءها العرب يريدون الحرب مع إيران.

وسُمع نتنياهو وهو يقول بالعبرية، في قمة أقل من ناجحة نظمتها واشنطن في وارسو، في بولندا، لحشد زعماء العالم من أجل حملة مستقبلية عنيفة ضد إيران: «هذا اجتماع مفتوح مع ممثلي الدول العربية الرائدة المجتمعين سوياً مع إسرائيل من أجل تعزيز المصلحة المشتركة بالحرب مع إيران». (وأصر لاحقاً على أنَّ الترجمة الصحيحة كان ينبغي أن تكون «مكافحة إيران»، لكنَّ الضرر كان قد وقع بالفعل).

نُظمَّت قمة وارسو هذه صراحة لبناء تحالف معاد لإيران، لكنَّ الكثير من حلفاء أمريكا، المعارضين بشدة لقرار ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، تجنبوها تماماً. وفي محاولة لتهدئة الأوروبيين على وجه الخصوص، أعادت الولايات المتحدة وبولنداتسمية القمة إلى «القمة الوزارية لتعزيز مستقبل السلام والأمن في الشرق الأوسط».

ومع ذلك، فإنَّ تغيير الاسم لم يخدع أحداً. ونتيجة لذلك أحُرج نائب الرئيس، مايك بنس، ووزير الخارجية بومبيو، بفعل سلسلة من الغيابات شملت الفرنسيين والألمان والاتحاد الأوروبي، من بين آخرين، رفضوا إرسال ممثلين على مستوى وزاري، وتركوا مهمة تمثيلهم لسفرائهم في وارسو. وبالمثل أرسلت الدول العربية غير الخاضعة للسعودية وفوداً منخفضة المستوى، وقاطعت تركيا وروسيا المؤتمر، وعقدتا قمة خاصة بهما التقى فيها الرئيس فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان بالرئيس الإيراني روحاني.

أما بنس، الذي لم يكن قط دبلوماسياً بارعاً، فقد أدان الأوروبيين لرفضهم مسايرة النهج التصادمي لواشنطن، وأهانهم وذمهم. إذ بدأ خطابه في المؤتمر بالقول: «لقد حان الوقت لشركائنا الأوروبيين أن ينسحبوا من صفقة إيران النووية». ثم شن بعد ذلك هجوماً مباشراً على الجهود الأوروبية للإبقاء على الاتفاقية من خلال البحث عن وسيلة لتجنب العقوبات التي أعادت واشنطن فرضها، فقال: «والمؤسف، أنَّ بعض أكبر شركائنا الأوروبيين… قادوا جهوداً لخلق آليات للتغلب على العقوبات التي فرضناها. نحن نعتبر ذلك جهوداً للتغلب على العقوبات الأمريكية ضد النظام الثوري الإيراني القاتل».

ومما لا شك فيه أنّ هذا الهجوم على الحلفاء الأوروبيين قد جلب إلى الأذهان التعليقات الساخرة لوزير الدفاع دونالد رامسفيلد أوائل عام 2003، حول ألمانيا وفرنسا على وجه الخصوص، بوصفهما قادة «أوروبا القديمة»، حيث لم يدعم خطط غزو واشنطن للعراق آنذاك سوى عدد قليل من الحلفاء، وهو ما لم يمنع الحرب بطبيعة الحال. وليس من المحتمل أن تمثل ممانعة أوروبا الآن أي رادع أيضاً.

إيران أيضاً فيها متشددون

لكنَّ بنس محق في أنَّ الأوروبيين قد اتخذوا خطوات لإنقاذ الصفقة النووية مع إيران، المعروفة بخطة العمل المشتركة الشاملة. إذ أنشأ الأوروبيون، على وجه الخصوص، «الشركة ذات الغرض الخاص» تعرف باسم INSTEX (أداة لدعم التبادلات التجارية) مصممة لـ «دعم التجارة المشروعة مع إيران»، وذلك وفقاً لبيان لوزراء خارجية ألمانيا وفرنسا وبريطانيا العظمى. ومن المحتمل أن يكون هذا الأمر مهماً، وكما أشار بنس، فهذه الأداة مصممة بصراحة للالتفاف حول العقوبات التي فرضتها واشنطن على إيران بعد انسحاب ترامب من الاتفاقية النووية.

ولـ INSTEX غرض سياسي أيضاً. ذلك أنَّ الانسحاب الأمريكي من الاتفاقية النووية كان بمثابة ضربة قوية للرئيس روحاني ووزير الخارجية جواد ظريف وغيرهما من المعتدلين في طهران، والذين نسب إليهم الفضل وشعروا بالفخر لإتمام هذه الصفقة بين القوى العالمية الست (الولايات المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، وبريطانيا، وروسيا، والصين) التي وقعت الاتفاقية. وقوبل هذا الاتفاق بالترحيب في إيران جزئياً لأنه بدا وكأنه يضمن قدرة البلاد على توسيع تجارتها إلى بقية العالم، بما في ذلك صادرات النفط، من دون عقوبات.

ومع ذلك، فحتى قبل أن يتخلى ترامب عن الصفقة النووية، كانت إيران بالفعل تواجه ضغوطاً أمريكية ساحقة، وبالنسبة للمواطن الإيراني العادي فإنَّ الأمور لم تتحسن بأي حال من الأحوال. والأسوأ من ذلك، أنَّ الاقتصاد ساء كثيراً في العام الماضي،وهبطت قيمة العملة، وتفشى التضخم، واندلعت الإضرابات والمظاهرات، وهو ما مثل تحدياً للحكومة وقيادتها الدينية. وفيمظاهرات الشوارع، ترددت أصداء نداء «الموت للديكتاتور!» التي لم تسمع منذ ثورة الحركة الخضراء ضد إعادة انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد عام 2009.

وبنهاية فبراير/شباط، بدا وكأنَّ ترامب وبولتون وبومبيو قد حققوا انتصاراً خطيراً عندما أعلن جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني المعروف بتوجهه الغربي، استقالته، حيث كانَ المعتدلون الذين دعموا الصفقة النووية، بما فيهم روحاني وظريف، يتعرضون لهجوم من المتشددين في البلاد منذ انسحاب ترامب، ونتيجة لذلك، افترض على نطاق واسع بأنَّ قرار ظريف مؤشر مقلق على أنَّ أولئك المتشددين قد أوقعوا بأولى ضحاياهم.

بل لقد كانت هناك تكهنات لا أساس لها بأنه دون ظريف، الذي عمل بلا كلل مع الأوروبيين للحفاظ على ما بقي من المعاهدة النووية، فإنَّ إيران نفسها ربما تتخلى عن الاتفاقية وتستأنف برنامجها النووي. وليس ثمة شك في أنَّ أفعال وتصريحات بولتون وبومبيو وفريقهما قد قوضت من المعتدلين في إيران، بينما جرأت متشدديها، الذين يقولون للمرشد الأعلى للبلاد، آية الله علي خامنئي: لقد قلنا لك إنَّ هذا سوف يحدث.

ومع ذلك، وعلى الرغم من الضغوط الداخلية على ظريف، فإنَّ استقالته لم تدم طويلاً، إذرفضها روحاني، وحصل على دعم كبير مفاجئ في البرلمان الإيراني. بل حتى الجنرال قاسم سليماني، الشخصية البارزة في الحرس الثوري الإيراني وقائد فيلق القدس، دعمظريف. والحاصل أنَّ فيلق القدس، أحد أذرع الحرس الثوري الإيراني، مسؤول عن العمليات شبه العسكرية وعمليات الاستخبارات الخارجية في المنطقة بأسرها، لكن في العراق وسوريا على وجه التحديد. وقد سمح هذا الدور لسليماني بأن يتحمل مسؤولية جزء كبير من السياسة الخارجية الإيرانية في المنطقة، ما جعله منافساً صعباً لظريف، وهو توتر لا شك أنه ساهم في استقالته الموجزة ومن غير المحتمل أن يتبدد في أي وقت قريب.

ووفقاً لمحللين ومعلقين، فيبدو أنَّ الأمر كان خدعة من ظريف (وربما روحاني أيضاً) للفوز بتصويت الثقة السياسية ويبدو أنها قد عززت من موقفهما للوقت الراهن.

ومع ذلك، فقد أدت أزمة استقالة ظريف إلى تخفيف حدة التوترات العميقة داخل السياسة الإيرانية وأثارت سؤالاً مهماً: بينما تسارع إدارة ترامب في جهودها سعياً للمواجهة، هل تجد صدى بين المتشددين الإيرانيين الذين لا يرغبون في شيء قدر رغبتهم في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة؟

وربما يكون هذا هو عين ما يريده بولتون وبومبيو. وإذا كان الأمر كذلك، فجهزوا أنفسكم: ثمة حرب أمريكية أخرى من غير المحتمل أن تسير بالطريقة التي يحلم بها أي شخص في واشنطن، تلوح في الأفق.