ترجمة: عربي بوست
تحتفل شركة جوجل في عامها الـ20 بسيرة حافلة من الإنجازات والإخفاقات والصفقات. هي رحلة طويلة ولكنها تبدو وكأنها بدأت بالأمس في زمن التكنولوجيا المتسارع والحافل بالابتكارات على يد شابين جامعيين. ولكن كيف بدأت جوجل من مجرد رغبة بالتصنيف إلى شركة تسيطر على عالم المعلومات؟
في صيف عام 1995، كان هناك طالبٌ في السنة الثانية بكلية الدراسات العليا، يدعى سيرغي برين، يصطحب الطلاب المحتمل التحاقهم بجامعة ستانفورد في جولة. وكان لاري بيج، أحد خريجي قسم الهندسة بجامعة ميشيغان، واحداً من أولئك الذين يتعرفون على حرم الجامعة في بالو ألتو بولاية كاليفورنيا.
وقال لاري بيج عن تلك المقابلة: «وجدت (برين) كريهاً جداً. كان متمسكاً بآرائه بشأن بعض الأمور، وأظن أني كنت كذلك أيضاً».
وقال سيرجي برين: «كلانا وجد الآخر كريهاً. لكننا قلنا ذلك بنبرة مازحة قليلاً. فمن الواضح أننا قضينا كثيراً من الوقت في التحدث معاً؛ لذا فقد كان ثمة اتصالٌ ينشأ بيننا».
قبل جوجل كان هناك مشروع «Backrub«
كانت تقنية الإنترنت الموجودة آنذاك تعني أنه يمكنك معرفة الوجهة التي يحيلك إليها أحد المواقع الإلكترونية من خلال قراءة عنوان رابط الوجهة فقط، لكن الطريقة الوحيدة لمعرفة أي المواقع الإلكترونية يحيل إلى رابط معين كانت أن ترى الرابط محالاً إليه بالفعل من موقع آخر.
بعبارة أخرى، لكي تحصل على قائمة وافية بكل صفحة إلكترونية مرتبطة بموقع stanford.edu مثلاً، كان عليك أن تتفقد كل موقع إلكتروني آخر على الإنترنت.
فضول مستكشف + عبقري رياضيات= نظام تصنيف سيصبح الأفضل
وكان مشروع «Backrub» (الاسم الأصلي لجوجل)، الذي أسسه بيج، يهدف إلى حصر تلك الروابط النصية، وهي مهمة معقدة لم تتطلب فقط موارد حاسوبية ضخمة؛ بل حسابات رياضية معقدة، وكان هذا دور برين، عبقري الرياضيات.
وفي عام 1996، بدأ بيج وبرين يجربان في الصفحة الرئيسة لموقع جامعة ستانفورد، وسرعان ما صمما خوارزمية PageRank، وهي نظام تصنيف تبيَّن لاحقاً أنه الفكرة التي ستجعلهما يحققان طفرةً في المجال.
صُممت الخوارزمية لإعطاء الروابط التي جاءت من صفحات أكثر موثوقيةً ثقلاً أكبر؛ إذ كلما زاد عدد الروابط النصية لموقع ما، زادت احتمالية كونه مصدراً جيداً، كما هي الحال مع الأوراق الأكاديمية.
سمح ذلك لبيج وبرين بأن يصنفا نتائج البحوث، ليس فقط بناءً على تكرار الكلمات المفتاحية؛ بل الموثوقية أيضاً. ولأن النظام كان يحلل الروابط، فكلما اتسعت الشبكة، تحسن Backrub.
ومن هنا وُلد «جوجول».. أي الرقم واحد يليه 100 صفر
في أغسطس/آب عام 1996، تحول اسم Backrub إلى «جوجل»، وهو تلاعب بمصطلح «جوجول»، الذي يعني واحداً يليه 100 صفر، وفق ما جاء في تقرير صحيفة The Guardian.
وظهرت النسخة الأولى من المحرك البحثي على موقع جامعة ستانفورد، وكانت تعمل على بقايا حواسيب جمعها بيج وبرين من دون إمعان.
احتاج النظام إلى نطاق ترددي واسع إلى درجة أنه كان يعطل اتصال الإنترنت في ستانفورد تعطيلاً دورياً، لكنه نجح في السماح للمستخدمين بالبحث في الصفحات المخزنة بقاعدة البيانات، التي كان عددها يبلغ 24 مليون صفحة.
وفي يوم 15 سبتمبر/أيلول من عام 1997، سجل موقع Google.com، وبحلول أغسطس/آب عام 1998، ظهرت أولى «خربشات جوجل«، وهي رسمة لتمثال الرجل المحترق، التي كان هدفها إعلام الجميع بأن بيج وبرين كانا في مهرجان الرجل المحترق بصحراء نيفادا.
100 ألف دولار كان أول كل ما يحتاجه الشريكان للبدء
وتلقت جوجل أول تمويل لها في أغسطس/آب عام 1998، على هيئة شيك بقيمة 100 ألف دولار من آندي بيكتولشيم، أحد مؤسسي شركة صن ميكروسيستمز، مقدماً إلى «شركة جوجل المحدودة».
لكن المشكلة أن شركة جوجل المحدودة لم تكن قد أُسست بعد؛ لذا بعد الإسراع بإنهاء الإجراءات، أُسست شركة جوجل يوم 4 سبتمبر/أيلول عام 1998 حتى يستطيع الثنائي صرف الشيك.
ثم حاولا بيع محرك البحث لشركات أخرى!
وبعدها بشهر، انتقل الثنائي من السكن الجامعي إلى مرآب صديقتهما سوزان وجيسكي (وهي الآن المديرة التنفيذية لشركة يوتيوب) في مينلو بارك بولاية كاليفورنيا، ومعهما طاولة تنس وسجادة لونها أزرق فاتح، متلقين مزيداً من الاستثمارات من جيف بيزوس مؤسس أمازون وغيره.
وفي وقت مبكر من عام 1999، حاول بيج وبرين بيع جوجل لشركة إكسايت، التي كان محركها البحثي في ذلك الوقت هو الثاني في الترتيب بعد Yahoo، مقابل مليون دولار، لكن حتى بعدما أقنعهما فينود كوسلا، المستثمر الرأسمالي في Excite، بتخفيض المبلغ إلى 750 ألف دولار، رفض الصفقة جورج بيل، المدير التنفيذي لـ»إكسايت»، لكن سبب ذلك ظل مثار جدل لسنوات.
وقيل أيضاً إن بيج وبرين حاولا بيع تقنيتهما لمحركي البحث «ألتافيستا» و»ياهو» عام 1998، لكن بلا فائدة.
وأخيراً بدأت الشرطة في الاستقرار والتوظيف وظهر شميدت
ومع عدم وجود مشترٍ في الأفق، بدأت جوجل توظف مهندسين، وانتقلت الشركة من المرآب إلى مكتب بشركة بالو ألتو في مارس/آذار عام 1999.
وفي عام 2001، عيَّنت إريك شميدت في منصب الرئيس أولاً، ثم شغل منصب المدير التنفيذي بدلاً من بيج، في ظل سعي الشركة لوجود «إشراف من شخص ذي خبرة بالشركة».
وقد اختير شميدت من بين 50 مرشحاً آخرين؛ لأنه حضر مهرجان الرجل المحترق، لكنه كُلِّف إدارة الجانب التجاري التقليدي من الشركة، سامحاً بذلك لبيج وبرين بأن يستمرا في تطوير منتجات جوجل وتقنياتها.
وفي 10 سنوات فقط فازت جوجل بالمنافسة
وبحلول نهاية العقد الأول من نشأة جوجل، كانت قد نجحت في الفوز بحروب محركات البحث. وكانت PageRank قد قدمت لها أولى المساعدات، ومكَّنتها من تقديم تجربة بحث أفضل من كل منافسيها.
وحتى هذا اليوم، تظل صفحة جوجل الرئيسة نظيفة وبسيطة التفاصيل؛ إذ ليس فيها أكثر من الشعار، وخانة البحث، وزران.
وبدأت تتوسع في السوق بصفقات استحواذ مليارية
لكن نقطة التحول التي نقلت جوجل من السيطرة على خدمة إلى السيطرة على صناعة بأكملها، كانت حين أدركت الشركة أنها تحتاج إلى تجاوز مناطق خبرتها، وبدأت موجة استحواذ وضعت بذور تطورها وتعملقها الحاليين.
ويمكن القول إن أهم صفقاتها كانت شراء «يوتيوب»، الذي اشترت أسهمه بقيمة 1.65 مليار دولار، وهي أكبر صفقة شراء أبرمتها الشركة.
وخلافاً لعمليات استحواذ جوجل السابقة، التي كانت تشتري فيها تقنيات لم تستطع تصميمها بنفسها وتلقي بثقلها المؤسسي لإنجاح المنتج، كان «يوتيوب» بالفعل ظاهرةً، وكانت جوجل قد أنفقت من مواردها الخاصة لبناء منافس مباشر، وهو جوجل فيديو.
صفقة «يوتيوب» كانت لشراء المستخدمين وليس التقنية!
لكن ريادة «يوتيوب» كان من الصعب التنافس معها. فقد تمكنت جوجل من تصميم مشغل فيديو معتمد على برنامج فلاش داخل شركتها، لكنه لم يملك مجموعة الفيديوهات الضخمة التي كانت توجد بالفعل على «يوتيوب»، ولم يكن يملك مشاهدين، ومن دون مشاهدين، لا يوجد مبرر لشخص آخر كي يرفع فيديو.
إنها دائرة مفرغة؛ لذا اتخذت جوجل خطوة نادرة، ولم تشترِ تقنيةً؛ بل مستخدمين.
كان سعر الشراء ضخماً آنذاك؛ إذ قالت صحيفةThe New York Times الأميركية في تقرير لها، إن الأمر بدا «مثل حكاية خيالية من فقاعة الإنترنت».
لكن التقرير كان به اقتباس أكثر تعبيراً من جانب ستيف بالمر، الذي كان يشغل منصب المدير التنفيذي في شركة مايكروسوفت آنذاك.
إذ قال: «لو كنت تؤمن بأن يوتيوب هو مستقبل التلفزيون، فلا شك في أنه كان يستحق 1.6 مليار دولار».
وقد آتت الصفقة أكلها؛ إذ يُتوقع أن دخل «يوتيوب» من الإعلانات فقط في العام الجاري (2018) قد وصل إلى 4 مليارات دولار.
والخطوة المقبلة لجوجل ستكون الذكاء الاصطناعي
فما الصفقة الضخمة التالية في سجل جوجل؟ يبدو أن الشركة تعتقد أنها ستأتي من عالم الذكاء الاصطناعي. ففي عام 2014، اشترت جوجل شركة Deep Mind للذكاء الاصطناعي بمبلغ، قيل إنه وصل إلى 500 مليون دولار، معززةً بذلك جهودها في مجال الذكاء الاصطناعي، والتي جمعت في مشروع «عقل جوجل».
وقد استمرت Deep Mind في العمل مستقلةً إلى حد كبير بصفتها مؤسسة معنيَّة بالأبحاث، ويعد أشهر أعمالها AlphaGo AI، التي صارت أول ماكينة تهزم لاعباً محترفاً في لعبة GO اللوحية الآسيوية القديمة في عام 2016.
لكن اللوائح والرقابة والمنافسة كلها عوامل تهدد عرش جوجل
وقعت أولى مواجهات الشركة مع الضغط الحكومي حين بدأت مرشحات الإنترنت الخاصة بالحكومة الصينية تحظر موقع Google.com بصفة متقطعة في عام 2000.
وفي عام 2006، قررت الشركة أن تطلق رسمياً موقع Google.cn، وهو قرار أثار انتقادات واسعة، فمع تأسيس الموقع الصيني فُرضت الرقابة الصينية على الإنترنت، وهو أمر أعلن برين، الذي وُلد في الاتحاد السوفييتي، أنه قبِله بصعوبة.
لكن تلك الرقابة استمرت حتى عام 2010، حين صار Gmail هدفاً لهجوم إلكتروني تعتقد الشركة أنه كان يسعى لجمع معلومات عن ناشطين صينيين معنيِّين بالدفاع عن حقوق الإنسان.
والضغط قادم من الصين وأميركا وأوروبا
وكُشف مؤخراً أن الشركة تدير مشروعاً، يُدعى Dragonfly، يهدف إلى إنتاج نسخة جديدة خاضعة للرقابة من منتجاتها في البحث والأخبار، لتستعد لدخول الصين مجدداً.
لكن الأنظمة القمعية ليست وحدها من جعلت جوجل تخضع لجهة أخرى.
ففي أوروبا والولايات المتحدة، اضطرت الشركة أيضاً إلى الاستسلام للتشريعات والجهات التنظيمية والقضاء.
وقضايا الحقوق الملكية معظمها لمؤسسات إخبارية
وإحدى أولى مناطق الصراع التي خاضتها الشركة كانت حقوق الملكية. فبعد أقل من 3 أشهر من شرائها «يوتيوب»، رفعت عليها دعوى قضائية من جانب «فياكوم»، شركة الإعلام الأميركية الضخمة، بداعي التعدي على حقوق الملكية، وهي معركة استمرت 7 سنوات.
وكانت «فياكوم» تملك حجة قوية، مشيرةً إلى أن أكثر من 150 ألف مقطع من برامجها محفوظة الحقوق كانت متاحةً على «يوتيوب».
لكن حجة «فياكوم» قد قوَّضها قليلاً الكشف عن أنها رفعت كثيراً من تلك الفيديوهات بنفسها. وكتب كبير مستشاري يوتيوب عام 2010: «على مر سنوات، كانت فياكوم ترفع محتواها على يوتيوب بصفة مستمرة وسرية، حتى وهي تعلن شكواها من وجوده على الموقع».
وقد سُويت القضية أخيراً في مارس/آذار من عام 2014، من دون أي معاملات مالية.
ونشب صراعٌ آخر على حقوق الملكية كان من الممكن أن يؤدي إلى تداعيات أكبر.
إذ رفعت وكالة France-Press دعوى قضائية على جوجل في مارس/آذار عام 2005، تطالبها فيها بدفع 17.5 مليون دولار، زاعمةً أن صورها وأخبارها قد استُخدمت في برنامج أخبار جوجل من دون تصريح، وأدى ذلك إلى اتفاق على استضافة العديد من محتوى الوكالة الإخبارية بدءاً من عام 2007.
وتلت تلك الدعوى القضائية دعوى أخرى من شركة كوبي برس الصحافية البلجيكية، وشكاوى من هيئات صحافية فرنسية وألمانية أيضاً.
ربما خسرت جوجل بعض المعارك، لكنها فازت بالحرب
وقد استمرت سلسلة المشكلات المتعلقة بأخبار جوجل، بأشكال مختلفة، على مدار العقد الماضي، واضطرت جوجل إلى تقديم الكثير من التنازلات مثل دفع غرامات ترخيص في بعض البلاد، وتسويات قضائية ببلاد أخرى، وإنشاء صناديق تمويل خيرية لدعم الصحافة في أماكن أخرى.
صحيحٌ أن جوجل خسرت بعض المعارك، لكنها فازت بالحرب؛ وذلك ببساطة لأن برنامج أخبار جوجل قد صار أكبر من أن يستطيع الناشرون تجاهله.
ففي ألمانيا، عرضت جوجل على الناشرين إمكانية إزالة محتواهم من محرك البحث، واستغلت الفرصة شركة «أكسيل إسبرينغر» التي تعد إحدى كبرى شركات النشر في البلاد.
إذ أخبرت جوجل بأن عليها إما أن تدفع مقابل نشر الصور والنصوص المقتطفة من إصدارات «أكسيل»، وإما أن تتوقف عن نشرها. فاختارت جوجل الخيار الثاني، وقالت شركة أكسيل إن نسبة القراءات تدهورت بسبب ذلك، وانسحبت الشركة من الصراع بعدها بأسبوعين فقط.
وأنظمة الدول تراقب إساءة استغلال هذه القوة الجامحة
لا شك في أن حجم جوجل يمنحها القوة في تلك الصراعات، لكنه يفتح للجهات التنظيمية باباً آخر للهجوم، متعللةً بأن ذلك يعد في بعض المناطق احتكاراً.
وذلك يعني أن جوجل يجب أن تنتبه بشدة إلى الطريقة التي تستغل بها قوتها، وإلا فستقع فريسةً لقوانين تنظيم التنافس.
وقد بدأ ذلك في أوروبا بالفعل، باكتشاف المفوضية الأوروبية أن جوجل أساءت استغلال احتكاراتها في محركات البحث ومتاجر تطبيقات الهواتف المحمولة. وغرمت الشركة 6.7 مليار يورو بسبب هاتين المخالفتين.
والمنافسة في عالم الاتصالات لا ترحم.. وقد يقضي على جوجل شركة وليدة تعيد التاريخ نفسه
لكن لوائح التنظيم ليست الخطر الوحيد الذي يلوح في أفق جوجل؛ إذ إن أمازون تسعى وراء أهم ممتلكات جوجل: الإعلانات المتعلقة بالبحث. ففي الأشهر الثلاثة الماضية، جاءت 90% من أرباح جوجل من الإعلانات، وقد تُشكل أمازون تهديداً كبيراً على سيطرة جوجل على البيع بالتجزئة عبر الإنترنت إذا استمر هذا الوضع.
ولدى فيسبوك خط هجوم أكثر جوهريةً، يتمثل في رغبتها في القضاء على الإنترنت؛ إذ ترغب فيسبوك في مستقبل لا تكون فيه بيانات البشر على الشبكة المفتوحة؛ بل على الشبكة الاجتماعية المغلقة.
وإذا تحقق ذلك، فسيحول بين جوجل والمعلومات التي تستطيع البحث عنها وفهرستها وإتاحتها، وسيجبرها بدلاً من ذلك على علاقات أكثر استخلاصيةً مع مستخدميها بصفتهم مصادر بيانات.
وبالتأكيد، قد تأتي التهديدات من شركة لم توجد بعد أصلاً. ربما شركة تؤسَّس اليوم، وستصير بعد 20 عاماً مستعدةً للتفوق على جوجل، تماماً كما تفوقت جوجل في السابق على عمالقة مجالها.