ترجمة: عربي بوست
سلطت صحيفة The Washington Postالأمريكية الضوء على الترتيبات الخاصة بمعرفة هوية المرشد الإيراني القادم عقب رحيل علي خامنئي في ظل انتشار الكثير من الأخبار عن ترشيح عدد من الأسماء لخلافة المرشد الأعلى.
وقالت الصحيفة الأمريكية إن المكتب المزدحم للشيخ علاء الدين الجزائري، القائم في ركن من أركان مبنى بالطوب اللبن في هذه المدينة المقدسة، يتناقض مع علاقاته بأحد الرعاة الأقوياء وهو المرشد الأعلى لإيران.
أثاث المكتب قليل متناثر، والغرف خافتة الإضاءة. لكنَّ الجزائري مسؤول اتصالات مهم بمكتب آية الله علي خامنئي، الزعيم الإيراني، الذي يقول الجزائري إنه التقى به عدة مرات.
ومع انتشار الشائعات بأنَّ خامنئي (79 عاماً) يجهز لخليفته بعد 3 عقود في السلطة، فإنَّ رجال دين مثل الجزائري، بسبب مقامه بجوار القلب الروحي للإسلام الشيعي، يحظى برؤية نادرة لهذه العملية الانتقالية المعروفة بسريتها.
المرشد المحتمل
ويقول الجزائري إنَّ المرشد الأعلى القادم لإيران قد لا يأتي من قائمة المرشحين الأكثر وضوحاً، والمتداولة حالياً بين المحللين والعالمين ببواطن الأمور. ويبني الجزائري تقييمه على الخبرة وعلى درجة من نفاذ البصيرة إلى المستقبل، بالنظر إلى قربه من الدائرة الداخلية لخامنئي.
وقال الجزائري، الذي يرتدي عمامة سوداء تدل على مكانته بوصفه سليلاً مباشراً للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم): «لن تكشف هوية الشخص المختار، الذي سيحل محل خامنئي، حتى تنتهي العملية». ويعد الجزائري شخصية دينية بارزة في حركة النجباء، وهي ميليشيا تدعمها إيران في العراق، صنفتها الحكومة الأمريكية تنظيماً إرهابياً في الـ5 من شهر مارس/آذار.
وتذكر الجزائري عملية الخلافة العشوائية التي أعقبت وفاة المرشد الأعلى الأصلي لإيران، آية الله الخميني، عام 1989، فقال وأمامه أكواب من عصير البرتقال الطازج والشاي قدمها مساعدوه الشباب: «لم يكن خامنئي نفسه في دائرة الضوء» قبل اختياره.
في ذلك الوقت، رأى عدد أكبر من رجال الدين أنَّ خامنئي ضعيف، واستخفوا بمؤهلاته الدينية المتواضعة لتنصيب شخص أكثر خضوعاً. لكن منذ ذلك الوقت، فاق خامنئي منافسيه في المناورة والبقاء، معززاً من هيمنة إيران في المنطقة ومحافظاً على الجمهورية الإسلامية.
ومن شأن هذا الانتقال القادم أن يعيد تشكيل إيران، الدولة الدينية الشيعية الوحيدة في العالم، وأن يغير من الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط، حيث تمارس إيران نفوذها في أماكن مثل سوريا والعراق، بحسب الصحيفة الأمريكية.
لكنَّ الأعمال الداخلية للنظام الداخلي الإيراني -المستندة إلى عقيدة شيعية محل خلاف تعرف باسم ولاية الفقيه- مشهورة بالغموض. وقد أصبحت الجهود لتحديد الخطوات القادمة أشبه بلعبة تخمين في كل من العاصمة الإيرانية طهران، وفي النجف. وتشمل قائمة الأسماء المتداولة لخلافة المرشد الأعلى رئيس السلطة القضائية، ورئيس هيئة استشارية قوية، وابن خامنئي نفسه.
النجف لها اعتراضها
ويعارض رجال الدين في النجف، التي تعد المركز الأساسي للفكر الشيعي في العالم، إلى حد كبير فكرة وجود سلطة دينية وسياسية عليا ويعملون على نحو مستقل عن المؤسسة الدينية في إيران. لكنَّ هذه المدينة القديمة، حيث تحيط متاهة من الأزقة بالضريح الذهبي للإمام علي، تعد أيضاً محوراً للطلاب ورجال الدين الإيرانيين الذين يأتون ليُصقلوا علمهم، ويتخرجوا في حلقاتها الدراسية الشهيرة، وهذه الحركة تربط النجف عن كثب بجارتها القوية، بحسب الصحيفة الأمريكية.
وقال الشيخ خالد البغدادي، أحد رجال الدين في النجف، مرتدياً عمامة بيضاء وعباءة بنية فضفاضة، بينما كان جالساً في مكتب، محاطاً من جميع الجهات برفوف كتب مثقلة بالنصوص: «خامنئي الآن قائد قوي للغاية». ويعد البغدادي من بين أولئك المشككين في الشرعية الدينية لمركز المرشد الأعلى، لكنه يعترف بأنَّ خامنئي استخدم هذا الدور بفعالية.
وأوضح البغدادي، المقرب من آية الله علي السيستاني، أبرز رجال الدين في العراق ومنافس خامنئي: «يتضح من حجم المسيرات وعدد الأشخاص الذين يحضرون الصلوات في إيران أنَّ قيادته كانت ناجحة».
لكن حتى مع تثبيت خامنئي سلطته -من خلال تعزيز الحلفاء وتمكين الحرس الثوري الإيراني، المكلف بحماية النظام الإسلامي- تواجه إيران فترة ملتبسة مع تعثر اقتصادها وتصاعد التوترات بينها وبين الولايات المتحدة. وداخلياً، أدى الفساد المستشري والتضخم المتزايد إلى إضعاف النمو الاقتصادي وإغضاب الإيرانيين العاديين. أما خارجياً، فتواجه إيران حملة ضغوط أمريكية تسعى إلى عزل الجمهورية الإسلامية بعد انسحاب إدارة ترامب، العام الماضي، من الصفقة النووية التي تفاوضت عليها إيران مع القوى العالمية، بحسب الصحيفة الأمريكية.
ويقول الخبراء إنَّ عدم الاستقرار من شأنه أن يقوّض الانتقال السلس، وهذا أمر يزعج الكثير من الإيرانيين.
وقال هادي (39 عاماً) وهو مهندس في شركة إنشاءات في طهران يملكها الحرس الثوري، إنَّ «بعض الناس في إيران قلقون من حدوث فراغ في السلطة» بعد موت خامنئي. وطلب عدم استخدام اسمه الكامل ليتسنى له الحديث بحرية عن عملية الخلافة.
وأضاف هادي أنه يعتقد أن المنافسات الكامنة ستظهر بين النخبة السياسية والعسكرية وأنهم سوف «يتقاتلون على السلطة» أثناء أي عملية تسليم.
كيف يتم انتقال السلطة؟
وفقاً للدستور الإيراني، فلو مات خامنئي أو فقد الأهلية، فسوف يشكّل مجلس قيادة ليقود البلاد لفترة مؤقتة. ويتولى مجلس منفصل، هو مجلس خبراء القيادة، تسمية الخليفة.
وقد نفى مسؤولون إيرانيون شائعات تفيد بأنَّ خامنئي قد بدأ عملية لاختيار خليفة، بما في ذلك تقرير حديث في وسائل الإعلام الإيرانية قال إنه أمر مجلس خبراء القيادة بتعيين مرشح مناسب في غضون ثلاث سنوات.
وكانت سياسة الخلافة في إيران قد انقلبت رأساً على عقب في شهر ديسمبر/كانون الأول عند موت المنافس الأكبر محمود الهاشمي الشاهرودي، بسبب التعقيدات الناجمة عن ورم في المخ.
وقال عماد الشرع، وهو طالب دين سابق وباحث في معهد صحافة الحرب والسلام في العراق، إنَّ الشاهرودي، الذي ولد وتلقى تعليمه في النجف «كان معروفاً بمعرفته الدينية العميقة». وقد فاق ورعه ورع خامنئي، بحسب الصحيفة الأمريكية.
أما الآن، فيجري طرح عدد من الأسماء الأخرى. وتشمل هذه الأسماء إبراهيم رئيسي رئيس السلطة القضائية، وصادق لاريجاني رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام القوي، وتشمل حتى نجل خامنئي، مجتبى حسيني خامنئي.
وقال محسن كديور، رجل الدين السابق والمعارض السياسي الإيراني الذي يدرّس الدراسات الإسلامية بجامعة ديوك: «ينبغي أن يكون للزعيم القادم على الأقل خبرة في قيادة الفرع القضائي أو التنفيذي أو التشريعي».
لكنَّ محللين يقولون إنه نظراً لأن المخاطر كبيرة للغاية، فمن المحتمل أن يجري تجاوز العملية الرسمية لصالح إجراء المزيد من المفاوضات السرية. ويقول الخبراء إنَّ الحرس الثوري على وجه الخصوص سوف يمارس نفوذاً قوياً على هذه العملية.
وقال كديور: «سوف يعلن عن الشخص الذي يختاره خامنئي.. بعد حصول المرشح على موافقة قادة الحرس الثوري».
ويقول كديور، متفقاً مع الجزائري في النجف، إنَّ اسم الخليفة «سوف يظل سراً لأطول فترة ممكنة».