هدّد محافظ البنك المركزي اليمني – الجديد – حافظ معياد، شركات الصرافة بفتح الملفات القديمة، وأخذ تعهدات وتوقيعات منهم بالالتزام والتقيد بما يصب في المصلحة العامة، وهو الأمر الذي اتخذه الحوثيون مراراً بصنعاء تحت مسمى الهدف ذاته “المصلحة العامة”، لكن خبراء المال يقولون: “إن القبضة الأمنية لا تعالج المشكلات الاقتصادية، التي تتطلب إجراءات وإصلاحات اقتصادية حقيقية”.67
وأصدر معياد، بيانًا، أكد فيه البدء بتنفيذ خطة طارئة لاستقرار العملة المحلية وإنقاذ الوضع الاقتصادي المتدهور بالبلاد، وهو أول إجراء له، بعد أيام من تعيينه خلفاً لزمام الذي أزيح من منصبه بتهمة الفساد، التي لم تظهر نتائج تحقيقات فريق الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة بشأنها حتى الآن.
وتعرضت العملة الوطنية “الريال” لصدمة شديدة، ومرت بمرحلة تدهور حادة منذ مايو 2015، وتراجعت من 215 ريالاً للدولار الواحد، إلى عتبة 800 ريال للدولار في أغسطس 2018، وانعكس تدهور العملة الوطنية، على أسعار السلع والخدمات التي ألقت بضلالها على الوضع الإنساني الصعب الذي تعيشه البلاد.
وكان للوديعة السعودية المخصصة لدعم تمويل السلع الغذائية بسعر تفضلي، وترجع سعر النفط عالمياً، الأثر الأبرز باستعادة العملة الوطنية “الريال” جزءاً من قيمتها خلال الأشهر الثلاثة الماضية “نوفمبر وديسمبر، ويناير”، لكن الريال فقد قيمته مرة أخرى، واقترب من عتبه 600 ريال للدولار، منتصف الشهر الجاري، بعد تعافٍ وصل إلى 400 ريال في نوفمبر 2018.
ومنذ قرار هادي في 18 سبتمبر 2016، بنقل المقر الرئيس للبنك المركزي اليمني وإدارة عملياته إلى العاصمة المؤقتة عدن، تعاقب على منصب محافظ البنك المركزي اليمني ثلاثة محافظين: منصر القعيطي لمدة 16 شهراً، يليه محمد زمام 13 شهراً، وتقلد حافظ معياد قيادة البنك المركزي في 20 مارس 2019. وكان الإجراء الأبرز لمنصر القعيطي توقيع عقد مع شركة روسية بطباعة 2 تريليون ريال لمواجهة عجز الموازنة، والتي تم تصدير منها نحو تريليون و500 مليار ريال صرف رواتب ونفقات ومساعدات وهبات، قادت الريال إلى مزيد من التدهور.
فيما أقدم زمام على الصرف من العملة المطبوعة وتسييل الوديعة السعودية البالغة ملياري ريال، حيث سيلت 650 مليون دولار بقيمة 325 مليار ريال حتى منتصف مارس الجاري، فيما ظلت مشكلة تدهور الريال قائمة، مع غياب الإجراءات الاقتصادية الفعلية التي يطرحها خبراء المال.
ويؤكد خبراء ماليون لـ”نيوزيمن”، أن استدامة الأثر الإيجابي لتلك التدخلات من طبع العملة، وتسييل الوديعة السعودية، يتطلب حشد مزيد من دعم المانحين واستئناف صادرات النفط والغاز وتسوية أزمة انقسام السلطة النقدية في البلاد.
وتعد أزمة العملة من أخطر التحديات الاقتصادية التي تعصف بالاقتصاد اليمني، وتزداد خطورتها أكثر في بلد يستورد معظم احتياجاته الأساسية من الخارج، بما في ذلك الغذاء والدواء والكساء والوقود، وسعر الصرف من أكثر المؤشرات حساسية للتقلبات السياسية والاقتصادية والصراعات والحروب، ويمثل مرآة عاكسة لمدى استقرار أو اختلال الأوضاع في البلاد.
ويرى اقتصاديون، أنه في الوقت الذي ما تزال أسواق المال في اليمن في حالة تفكك كبيرة بسبب الصراع القائم، إلا أن البنك المركزي والحكومة مطالبان بجهود من أجل استعادة قدرات البنك المركزي التشغيلية ومهامه وصلاحياته النقدية.
ويؤكد اقتصاديون أن العوامل الاقتصادية الرئيسية المؤثرة على سعر الصرف والتي تتطلب حلولاً عاجلة تتمثل في القيود المؤسسية، المتمثلة في: “انقسام المؤسسات الاقتصادية وتعارض وتعطل السياسات، واتساع نشاط الصرافين غير الرسمي على حساب البنوك، والقيود على نقل السيولة داخلياً وخارجياً.
وأوضحوا أن من ضمن العوامل المؤثرة على سعر الصرف شحة عرض النقد الأجنبي، جراء توقف إنتاج وتصدير النفط الخام والغاز الطبيعي المسال باستثناء كميات بسيطة، وتأثر تحويلات المغتربين اليمنيين بسبب فرض رسوم إضافية على الوافدين في سوق العمل السعودي، وتوقف الاستثمار الأجنبي المباشر وعائدات السياحة والقروض الخارجية ومحدودية الاحتياطيات الخارجية.
وأضافوا، من العوامل المؤثرة على سعر العملة الوطنية أيضاً: زيادة الطلب على النقد الأجنبي، وتحرير سعر الوقود، ما زاد الطلب على النقد الأجنبي لاستيراده، والإفراط في طباعة وإصدار أوراق البنكنوت متجاوزاً 130 % مقارنة بما كان عليه عام 2014، وتعثر مصفاة عدن التي كانت تغطي 44 % من احتياجات السوق المحلي من الوقود، والحصار على النظام المصرفي اليمني من قبل النظام المالي الدولي.