جانب من القصف الإسرائيلي على غزة مساء الإثنين/ AFP

العلاقة بين حماس وإسرائيل.. «رقصة عنيفة» متوقعة لكنها قاتلة، إلى متى سيستمر الهدوء الهشّ؟ (صور)

ترجمة: عربي بوست

أصبح الأمر حدثاً روتيناً شبه شهري، وله تسلسل أحداث يمكن التنبؤ به: تبادل إطلاق الصواريخ من غزة في مواجهة شنِّ الغارات الإسرائيلية، ثُمَّ يجثم الفلسطينيون في منازلهم، في حين يختبئ الإسرائيليون في الملاجئ. ويشير كل تصعيدٍ في الأوضاع إلى خطر وقوع حربٍ شاملة، لكن في اليوم التالي عادةً ما ينتهي الأمر.

انخرطت إسرائيل وحماس في «رقصةٍ عنيفة» على مدار العام الماضي. ولم يستخدم أي طرف كامل ترسانته ضدَّ الآخر في جولات القتال العديدة التي اندلعت، لكن يظل كلاهما في حالة مستمرة من الصراع المُتقطِّع، الذي دائماً ما يظهر قبيل تصعيدٍ آخر كبير.

يقول الجيش الإسرائيلي إنَّه شنَّ على مدار الأشهر الـ12 الماضية نحو 900 غارة على غزة، وإنَّ حماس أطلقت أكثر من 1200 صاروخ وقذيفة هاون. لكن خلال نفس الفترة، لم يَحدث أي توغل بري إسرائيلي إلى داخل القطاع الذي ظلَّ مُحتلّاً بين عامي 1967 و2005.

مبنى إسرائيلي شمال تل أبيب تم تدميره بواسطة صاروخ فلسطيني صباح الأحد الماضي/ رويترز

بدأت المعركة الأخيرة يوم الإثنين 25 مارس/آذار، حين دمَّر صاروخٌ أُطلِق بُعيد الفجر من غزة -لم يتبناه أحد- منزلاً في أحد أحياء شمال تل أبيب. كان ردّ فعل إسرائيل المعتاد هو عن طريق تدمير مبانٍ في أنحاء غزة. وفي المقابل، أطلق الفلسطينيون مزيداً من الصواريخ، وهو ما أدَّى إلى مزيدٍ من الغارات الإسرائيلية. ثُمَّ بحلول منتصف صباح يوم أمس الثلاثاء 26 مارس/آذار، أفادت وسائل الإعلام المحلية بما بدا للكثيرين أنَّه يحدث للمرة التي لم يعودوا يُحصون رقمها: لقد جرى التوصل إلى «تهدئة حذرة».

تقول صحيفة The Guardian البريطانية، في الوقت الراهن، لا يتنفس أحد الصُّعَداء. فآخر المعارك التي اندلعت جاءت متزامنةً مع سلسلة من التطورات المُتفجِّرة المحتملة.

إذ تواجه حماس بعضاً من مظاهر المعارضة الداخلية لأول مرة منذ وصولها للسلطة عام 2007، حيث واجهت الأجهزة الأمنية التابعة لسيطرتها، الأسبوع الماضي، تجمُّعاتٍ نظَّمها شبان غاضبون احتجاجاً على رفع الضرائب، فاعتقلت بعضهم وضربت الآخرين منهم، قبل أن تُفرج عن بعضهم لاحقاً.

في الوقت نفسه، من المقرر أن تُجري إسرائيل انتخاباتٍ خلال أسبوعين. واستغلَّ العديدُ من خصوم نتنياهو الأكثر عدوانيةً العنف الجاري في غزة، لتصوير رئيس الوزراء باعتباره متردداً وضعيفاً حيال القضايا الأمنية.

استعراض القوة

ومن أجل دحض ادعاءاتهم، بَذَل نتنياهو الذي تولَّى الحكم لـ13 عاماً جهوداً كبيرة لإظهار أنَّه على استعداد لاستخدام العنف. فحذَّر قائلاً: «يجب أن تعلم حماس أنَّنا لن نتردد في الذهاب إلى غزة واتخاذ الخطوات اللازمة». وحشد الجيش ألويةً على الحدود واستدعى قوات الاحتياط. وفي استعراضٍ واضح للقوة الكبيرة ضربت إسرائيل مكتب قائد حماس، إسماعيل هنية.

لكنَّ جنرالات إسرائيل لم يقتنعوا؛ إذ اتَّهم السياسي اليميني المتطرف نفتالي بينيت نتنياهو بالفشل في مواجهة حماس، وقال إنَّه لو كان مكانه «لفتح أبواب الجحيم».

وحتى الخَصم السياسي الرئيسي لنتنياهو، بيني غانتس، الذي يُعتبَر «وسطياً» في إسرائيل، بَالَغ في تصوير كيف أنَّه سوَّى أحياءً كاملة في غزة بالأرض عام 2014، حين كان يتولَّى رئاسة أركان الجيش الإسرائيلي خلال الحروب الثلاث الأخيرة التي خاضتها إسرائيل ضدّ حماس.

لكنَّ رئيس الوزراء ربما ينظر إلى تلك الصراعات باعتبارها مكلفة من الناحية السياسية، وغير فعالة من الناحية العسكرية. فآخر صراع انتهى بأكثر من 2200 قتيل فلسطيني، أكثر من نصفهم من المدنيين، ومقتل 73 شخصاً من الجانب الإسرائيلي بحسب الأرقام الرسمية. وتُظهِر استطلاعات الرأي أنَّ الإسرائيليين لا يريدون حرباً أخرى مع حماس.

إسرائيل تخشى الكلفة الكبيرة

قال ناحوم برنياع، كاتب الرأي لدى صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية: «كل توغل إلى داخل غزة ينطوي على كلفة من الحياة البشرية والحياة اليومية، وهو ثمن قد يُكلِّفه في الانتخابات. نتنياهو ليس في عجلةٍ من أمره لضغط الزناد».

لكنَّ برنياع يكتب أنَّه في حال لم يُظهِر نتنياهو استعداداً للقتال، فإنَّ «صورته باعتباره رجلاً قوياً، وأنَّه (سيد الأمن)، التي ظلَّ يرسمها طوال سنوات ستكون عُرضة للانهيار».

ربما يكون التطور الأكثر إثارة هو أنَّ عُطلة نهاية هذا الأسبوع تصادف الذكرى السنوية لعامٍ كامل من الاحتجاجات الفلسطينية، على طول حدود إسرائيل مع غزة. كانت تأمل تلك الاحتجاجات أن تلفت الأنظار إلى أزمةٍ إنسانية وخيمة في غزة، حيث انهار الاقتصاد تحت وطأة حصارٍ مصري-إسرائيلي شديد.

مواجهات أسبوعية مستمرة بين الجيش الإسرائيلي ومتظاهرين فلسطينيين على حدود قطاع غزة/ رويترز

لكنَّ القوات الإسرائيلية ردَّت بصورة مميتة، فقتلت أكثر من 180 شخصاً وأصابت 6100 آخرين بالرصاص، ضمن أعمالٍ قالت الأمم المتحدة إنَّها قد ترقى إلى جرائم حرب.

ومن المتوقع أن تدعو حماس، التي تدعم الاحتجاجات، الآلاف لحضورها يوم السبت 30 مارس/آذار، في حين لم تُظهِر إسرائيل أي مؤشرات على أنَّها ستضع حداً لسياسة إطلاق النار الحيّ، التي تتبعها ضدَّ ما تُسمِّيها بـ «أعمال الشغب العنيفة».

كان استخدام إسرائيل للقوة المميتة ضدّ تلك الاحتجاجات هو ما فتح الطريق أمام الانزلاق التدريجي إلى المعارك المنتظمة، التي اندلع العديد منها بعد حوادث دامية للغاية عند السياج الحدودي.

ففي ظلِّ تنامي حصيلة الضحايا، بدأ الفلسطينيون ربط زجاجات المولوتوف والمتفجرات الحارقة بالطائرات الورقية والبالونات التي طارت مُتجاوِزةً السياج، وأشعلت النيران في الحقول وراءه. وقبل بضعة أشهر، بدأت إسرائيل تردّ على تلك الأعمال بالطريقة نفسها التي ترد بها على إطلاق الصواريخ: بالقصف. وهناك بالفعل حرب منخفضة الشدة في العديد من النواحي.

ويدعو الكثيرون في إسرائيل إلى ضبط النفس، لكن هناك صيحات متزايدة تدعو للقيام بتحركٍ أقسى وأكثر حسماً. فجاء في افتتاحيةٍ لصحيفة Jerusalem Post اليمينية، يوم الثلاثاء: «إسرائيل لا يسعها تحمُّل البقاء صامتةً. الردع لا يتأتّي من الكلمات القوية فقط، بل أيضاً من الأفعال القوية».

قد يتجدد القتال في أي لحظة

نجحت وساطة مصرية في وضع حدٍّ فيما يبدو لأكبر تصعيد إسرائيلي فلسطيني منذ شهور، لكن وإن انتهت الأزمة، فقد يكون لها أثر على انتخابات تشهدها إسرائيل بعد أسبوعين، يقول رئيس الوزراء اليميني بنيامين نتنياهو إنه لا بد من الفوز فيها والبقاء في السلطة حفاظاً على أمن الإسرائيليين.

وفي أعقاب الهجمات الصاروخية الفلسطينية والضربات الجوية الإسرائيلية، قالت إسرائيل إنها تحتفظ بحق توجيه ضربات مجدداً، وحشدت قواتها ودباباتها عند حدود غزة، بحسب ما نقلت رويترز.

جانب من القصف الإسرائيلي على غزة مساء الإثنين/ AFP

وساد الهدوء المنطقة الحدودية معظم يوم الثلاثاء، الذي رفع الجيش بنهايته قيوده الأمنية في المنطقة، لكن بعد حلول الظلام قال الجيش إن صاروخاً انطلق من غزة، مما أدى إلى سماع دويّ صافرات الإنذار على الجانب الإسرائيلي من الحدود.

ورداً على ذلك، قال الجيش الإسرائيلي إن طائراته قصفت عدة أهداف، بينها مجمع عسكري ومنشأة لتصنيع الأسلحة ترجع لحركة حماس، التي تسيطر على قطاع غزة. وقال مسؤول إسرائيلي كبير «لا اتفاق لوقف إطلاق النار، فقد يندلع القتال في أي لحظة».

وقالت حماس وحركة الجهاد الإسلامي، التي شاركت في القتال أيضاً، إن مصر توسَّطت في هدنة. وقال خضر حبيب، القيادي بالجهاد الإسلامي «نتنياهو يحاول أن يصنع من نفسه بطلاً أمام الجمهور الإسرائيلي، ولذلك هو لا يريد أن يعترف بالتفاهمات مع الجانب المصري».

وأضاف: «فصائل المقاومة ملتزمة بالتهدئة ما التزم بها العدو». وقال مسؤول فلسطيني مشارك في محادثات الهدنة، إن من المتوقع أن تواصل مصر تلك المحادثات الأربعاء.