ترجمة: عربي بوست
دعا البابا فرنسيس، السبت 30 مارس/آذار، إلى إصلاح «الجرح الكبير والعميق» الذي فتحته أزمة الهجرة، في حديث له أثناء زيارة إلى المغرب التي أصبحت المقصد الأساسي للمهاجرين القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء الساعين إلى الوصول إلى أوروبا.
وقال فرنسيس موجهاً حديثه إلى حوالي 80 مهاجراً في مركز خيري كاثوليكي في الرباط: «لا نريد أن تكون استجابتنا هي اللامبالاة والصمت».
مناهضة المناهضين للهجرة
تقول صحيفة The New York Timesالأمريكية، إنه وبعد سنوات من تسبب انفجار أزمة اللاجئين في «زعزعة استقرار أوروبا» وتوفير حجة للسياسيين المتشددين الذين حازوا السلطة في جميع أنحاء القارة، يبدو أنَّ هذه القضية قد بهتت وظهر إجماع مفاده أنَّ «اللاجئين ينبغي إيقافهم وأنَّ الحدود ينبغي أن تغلق».
تضيف الصحيفة، «لكنَّ فرنسيس، الذي كان لسنوات صوتاً منفرداً في قضية الهجرة، استخدم زيارته التي استغرقت يومين إلى الرباط لا من أجل مواصلة التشجيع على «الإسلام المعتدل» فحسب، ولكن أيضاً لمناشدة الزوايا الأكثر راحة في العالم لقبول المهاجرين وحمايتهم ودمجهم. وحض فرنسيس الناس على اتخاذ خطوات ملموسة «والتصرف بحكمة بدلاً من التزام الصمت».
وقال فرنسيس: «أولاً وقبل كل شيء، ينبغي ضمان الحماية على طول مسارات الهجرة التي، للأسف، عادة ما تكون مسارح للعنف والاستغلال وسوء المعاملة بجميع أنواعها». وأضاف أنه ما إن يصل المهاجرون إلى وجهاتهم النهائية فإنهم يواجهون «أنماطاً غير مقبولة من الطرد الجماعي». وقد رُوِّجَ لهذه المعاملة في بلدان مثل إيطاليا والمجر، حيث يسيطر القادة المناهضون للمهاجرين.
«تعلّموا اللغة واحترموا القوانين»
وفي الوقت ذاته، حض البابا المهاجرين على تعلم اللغات المحلية واحترام قوانين بلدانهم المضيفة وثقافتها.
وكان البابا قد أوضح «اشمئزازه» من الحملة الحالية ضد المهاجرين، حتى قبل مغادرته إلى المغرب. ففي مقابلة مع صحافي إسباني، عبر عن إحباطه من رفض الحكومات الأوروبية تقديم الملاذات لمساعدة السفن التي أنقذت مهاجرين من البحر المتوسط. وقال البابا عن هذه الحكومات: «لماذا يفعلون ذلك؟ لماذا يتركون المهاجرين يغرقون؟».
لكنَّ منتقدي البابا وحتى بعض مؤيديه يخشون من أنَّ تأييده للمهاجرين «يضعفه تضارب موقفه عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع أزمة الاعتداءات الجنسية لرجال الدين داخل كنيسته».
وكان البابا قد أصدر قانوناً جديداً لمدينة الفاتيكان عشية زيارته للمغرب، وصفه مسؤولو الفاتيكان بأنه نموذج للكنيسة الرومانية الكاثوليكية على نحو أوسع، يقضي بإبلاغ رجال الدين ومسؤولي الفاتيكان عن مزاعم الاعتداءات ذات المصداقية إلى المدعين في الفاتيكان.
لكنَّ الناجين من الاعتداءات ومحاميهم قالوا إنَّ هذا القانون لا معنى له خارج مدينة الفاتيكان، حيث لا يكاد يوجد أي أطفال، وأنهفشل في التعامل مع حقيقة أنَّ الكنيسة غير قادرة على ضبط نفسها.
ويقول النقاد إنَّ عدم وجود إصلاح جاد وملموس من قبل البابا لمواجهة الاعتداءات الجنسية أدى إلى تآكل سلطته الأخلاقية وإضعاف واحد من آخر الأصوات على الساحة العالمية التي تتحدث علناً دعماً للمهاجرين.
من يفوز بمعركة الرأي العام؟
وقال القس مايكل تشيرني، وكيل قسم اللاجئين والمهاجرين في الفاتيكان إنه على الرغم من أنَّ تعامل البابا مع أزمة الاعتداءات الجنسية ربما يكون قد كثف الانتقادات [الموجهة إليه] «من قبل الأشخاص الأقل استعداداً للسير على خطاه في المقام الأول»، فإنَّ ذلك «لا ينقص من رسالة مساعدة الضعفاء في المجتمع، مثل المهاجرين وضحايا الإتجار بالبشر».
وقال تشيرني إنَّ تركيز البابا على هذه القضية أمر بالغ الأهمية لأنَّ القوى المعادية للمهاجرين «لم تفز» بمعركة الرأي العام.
وكان وزير الداخلية، اليميني ماتيو سالفيني، وهو أيضاً زعيم حزب رابطة الشمال الذي يزداد شعبية، قد وصل إلى السلطة بسبب معارضته للهجرة. ولما تولى زمام منصبه منع سفن الإغاثة من الإرساء في الموانئ الإيطالية، بحجة أنَّ هذه السفن تشجع المزيد من الهجرة غير الشرعية وتفيد المهربين.
لكنَّ الانخفاض في تدفق المهاجرين يُعزى إلى حدٍّ كبير إلى الاتفاقات المبرمة بين زعماء القبائل في ليبيا، الذين أغلقوا بدورهم حدودهم الجنوبية، وكثيراً ما أبقوا المهاجرين في ظروف فظيعة وقاموا بدوريات على الساحل الليبي الشمال إفريقي بحثاً عن سفن المهاجرين.
التدفق مستمر عبر المغرب
وبسبب ذلك غيَّر عشرات الآلاف من المهاجرين، بما في ذلك الكثير من القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء، طريقهم ناحية المغرب، حيث عبروا مضيق جبل طارق إلى إسبانيا. وهذه الآن هي النقطة المفضلة للاجئين غير الشرعيين لدخول أوروبا، حيث وصل 57 ألفاً منهم العام الماضي وفقاً للاتحاد الأوروبي.
وقد أحدثت هذه الأعداد توترات يمكن التنبؤ بها الآن وإثارةً شعبوية قبل الانتخابات في إسبانيا الشهر المقبل. وأعطى الاتحاد الأوروبي المغرب 275 مليون دولار لإيقاف هذا التدفق.
وقالت ماري دونلون، كبيرة الراهبات في طريقة للراهبات العاملات في المغرب وتونس ونيجيريا: «ثمة تدفق مستمر للناس عبر المغرب، وبأعداد كبيرة». وقالت دونلون إنَّ ثمة «توتراً كبيراً» لأنَّ أوروبا تغلق أبوابها على نحو متزايد في حين يتجه عدد أكبر من المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء إلى المغرب.
وقالت دونلون إنَّ البابا «ربما يكون الوحيد الذي يدعمهم» والأزمة مستمرة «حتى لو كان الناس لا يتحدثون عنها».
لكنَّ البابا فرنسيس تحدث يوم السبت. إذ وصل البابا فرنسيس جنباً إلى جنب مع الملك محمد السادس إلى صومعة حسان، وهي مئذنة ومسجد غير مكتمل من الحجر الرملي الأحمر تعود إلى القرن الـ12، بنيت في العاصمة المغربية على الساحل الغربي المطل على المحيط الأطلسي لشمال إفريقيا. كان البابا يلوح من السيارة البابوية البيضاء، والملك من سقف سيارة مرسيدس سوداء عتيقة مضادة للرصاص. اندفع أحد الأشخاص متخطياً البابا وعلى بعد قدم من السيارة التي تحمل الملك، حيث أمسك به حراس الأمن، ثم استمرت المراسم.
تلقى الرجلان التحية تحت المطر الغزير من جنود يرتدون زياً موحداً من القماش الأحمر السميك، مع الطبول والمتفرجين المزغردين وتحية المدافع، وعبر كلاهما عن أهمية الحوار بين الأديان. وكان البابا قد سعى في رحلات قام بها منذ وقت قريب إلى مصر والإمارات.
لماذا اختار البابا المغرب؟
أطلق البابا على المغرب لقب «الجسر الطبيعي بين إفريقيا وأوروبا»، مخاطباً حشداً كبيراً. ودعا فرنسيس إلى عقد حوار يتسم بالاحترام، بينما كان ملك المغرب جالساً إلى جواره مرتدياً الجلابة التقليدية ذات الشرائط الصفراء وغطاء الرأس.
وانتقل البابا إلى معهد بناه الملك لتدريب الأئمة، عبر الشوارع التي اصطفت بالمغاربة، الذين كان الكثير منهم يلوحون بقبعاتهم ويهتفون.
اتبعت المغرب ما يسميه المسؤولون «عقيدة الإسلام الوسطي» التي تدعو إلى التسامح والحوار بين الأديان والثقافات. ويقول المحللون إنَّ هذا الاعتدال هو الطريقة التي تتبعها المملكة لمواجهة انتشار التطرف المزعزع للاستقرار في بلد انجذب فيه الكثيرون إلى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ولتحويل المغرب إلى مركز للإسلام في إفريقيا.
وفي قاعة الاحتفالات بالمركز، غنى مطربون مسيحيون ومسلمون ويهود للبابا والملك، اللذين كانا جالسين في الصف الأول، مزيجاً من الأغنيات التقليدية ترافقهم الأوركسترا. وقالت امرأة نيجيرية للحضور من الأساقفة الكاثوليك والأئمة المسلمين وأفراد الأسرة المالكة إنّها تأمل في أن تمكنها المعرفة التي اكتسبتها في المعهد من أن تبعد المزيد من الناس عن التطرف العنيف في وطنها.
لكنَّ الأفارقة الذين التقى بهم البابا في مركز كاريتاس الكاثوليكي الخيري أخبروا الصحفيين أنهم لا ينوون العودة إلى وطنهم وأنَّ عيونهم مثبتة على أوروبا، وعلى ما يبدو فالبابا يؤيدهم.
إذ قال فرنسيس: «نعرف أنَّ الأمر ليس سهلاً -بالنسبة لأولئك الذين يصلون وبالنسبة لمن يستقبلونهم. يتطلب الاندماج منا ألا نكون محكومين بالخوف والجهل».