تصدر حزب "العدالة والتنمية" الانتخابات المحلية في تركيا التي جرت يوم الأحد 31 آذار/ مارس، لكنه خسر في أكبر ثلاثة مدن تركيا، هي أزمير وأنقرة واسطنبول، ليتلقى انتكاسة هي الأكبر في تاريخ الحزب على صعيد الانتخابات.
وكانت هذه الانتخابات قد حظيت بأهمية كبيرة لدى حزب "العدالة والتنمية"، حيث شاركأردوغان بنفسه في الحملة الانتخابية، وعقد أكثر من 100 مهرجان انتخابي، وألقى ما لا يقل عن 14 خطابا خلال عطلة نهاية الأسبوع الفائت في اسطنبول.
نصر أم هزيمة
وعلى الرغم من تحقيق حزب "العدالة والتنمية" لمقاعد 16 بلدية كبرى و24 بلدية مدينة و538 بلديات أقضية، و200 بلدة، إلا أن هناك من اعتبره قد مني بهزيمة، وحول ذلك يقول الكاتب والباحث السياسي التركي فراس أوغلو لـ"سبوتنيك" اليوم: لا يمكن اعتبارها خسارة لحزب العدالة والتنمية، فمن الناحية التصويتية هناك أكثر من 6 ملايين صوت للحزب الحاكم في مجمل تركيا، وهو رقم كبير لصالح العدالة والتنمية، لكن من الناحية السياسية والإعلامية فالحزب تلقى هزيمة، فخسارة أنقرة واسطنبول هي خسارة كبيرة لحزب أردوغان، ونجاح كبير للمعارضة، وهناك قراءة للناخب التركي بأنه رفض أن يتولى حزب "العدالة والتنمية" هذه المدينتين، لكن من الناحية الخدمية أعتقد أن النتيجة جيدة لصالح حزب العدالة والتنمية، خصوصا وأنه فاز في مناطق كردية محسوبة على حزب الشعب الديمقراطي، لذلك يمكنني القول أن الخسارة هي فقط معنوية سياسية، لكن على الصعيد الميداني الخدمي الحزب لا يزال قويا.
ويرى أوغلو أن خسارة أنقرة لا تشكل ضربة قوية، وإنما اسطنبول هي الخسارة الحقيقية لحزب "العدالة والتنمية"، ويقول: أنقرة هي العاصمة السياسية وفيها كل الطوائف والأفكار السياسية، لذلك احتمال الهزيمة فيها وارد جدا، خصوصا بعد الانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الجمهوري، لكن اسطنبول لها الثقل السياسي الأكبر في صالح أردوغان.
فيما ترى الباحثة في الشؤون التركية والكردية الدكتورة هدى رزق وفي اتصال مع "سبوتنيك" اليوم، بأن حزب "العدالة والتنمية" قد خسر في هذه الانتخابات، وتؤكد بأن هناك تراجع حقيقي لشعبية الحزب في تركيا، وتتابع: هو فاز في المناطق الصغرى وليست الكبرى، ويمكن القول بأن حزب العدالة والتنمية تلقى هزيمة في هذه الانتخابات، ولها عدة عوامل أهمها الاقتصادية، والأمنية والديمقراطية، ويمكن القول أن سبب تردي العامل الاقتصادي هو العامل الأمني، فيما حد حزب العدالة والتنمية بشكل كبير من الديمقراطية الموجودة في تركيا.
فيما يعتقد تيمور أحمدوف خبير المجلس الروسي للشؤون الدولية، والذي يعيش في أنقرة ، في تصريح "لسبوتنيك" إن السؤال الرئيسي عن نتائج الانتخابات هو انتصار المعارضة أم خسارة الحزب الحاكم، ويقول أحمدوف: "إذا كان هذا انتصارًا للمعارضة ، فحينئذٍ نقول بحذر علينا أن نفهم أنها لا تمثل بديلاً جادًا، وقبل الانتخابات توحدت شرائح مختلفة من السكان، فهناك أكراد والكماليون والطبقة الوسطى والقوميين، وحزب الشعب الجمهوري.
وأضاف: يمكن اعتبارها بمثابة تصويت احتجاجي ، فهي إجراء احتجاجي ، لأن الناس يريدون حقًا بعض التغييرات، وأظهر السباق الانتخابي أن أردوغان وحزبه لا يستطيعان تقديم برنامج عمل فعال، وخطة حقيقية لإدارة المدن، لذلك أراد الناس إرسال رسالة إلى الحزب الحاكم بأصواتهم ، وبالتالي حصلنا على هذه النتيجة.
قوى جديدة على الساحة التركية
كما كان هناك أمر لافت في الانتخابات، ألا وهو فوز مرشح الحزب الشيوعي التركي، فاتح محمد ماتش أوغلو، برئاسة بلدية ولاية تونج إيلي (شرق)، في أول فوز للحزب برئاسة بلدية ولاية بالبلاد، في مؤشر على صعود قوى سياسية على الساحة التركية، وحول ذلك يوضح الباحث أوغلو: أعتقد أن هناك صعود سياسي لبعض القوى السياسية، لكن ليس بهذا الحجم، والحزب الشيوعي حصل على بلدية واحدة فقط وهي الكبرى في تلك المنطقة وخسر كل البلديات الأخرى، حيث حقق الحزب الجمهوري نجاح أكبر من حزب العدالة والتنمية، وربما هي قراءة من الناخب التركي في تلك المنطقة، ليكون الشيوعي هناك رقيبا على كلا الطرفين، ورأينا أيضا نجاحا لبعض المستقلين لا ينتمون لأي أحزاب أخرى، وهذه أيضا قراءة جديدة في الانتخابات التركية.
أما الدكتورة رزق بترى بأن التحالفات هي سبب صعود هذه القوى، وبينت: أعتقد أن التحالفات التي جرت في هذه الانتخابات مهمة جدا، وساهمت في وصول قوى جديدة إلى الساحة التركية، وهذه الانتصار ليس فقط لصالح الحزب الجمهوري، بل هو انتصار للتحالفات التي جرت قبل الانتخابات، فيما لم تكن تحالفات حزب أردوغان بالقوة المطلوبة، مع العلم أنه كان يفوز بالانتخابات لوحده من عام 2002 وحتى عام 2015، حيث أصبح يتحالف مع أحزاب أخرى.
فيما يظن أحمدوف: على الأرجح ، هذه علامة على أن المجتمع أراد التغيير، والنظام البرلماني بالشكل الذي يوجد به لم يسمح للناس بالتعبير عن احتجاجهم، ونتيجة لذلك أعطى الناس بعض أصوات المعارضة.
الحلول والخطوات المستقبلية
وفي رده على نتائج الانتخابات قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان: "سنقوم بتحديد أوجه القصور لدينا، والعمل على تلافيها.. إذا كانت لدينا نواقص فإن إصلاحها دين على عاتقنا"، وعن هذه الخطوات يتحدث المحلل التركي: سيقوم أردوغان بإعادة القراءة الداخلية للحزب، وأسباب هذه الخسارة، ولماذا لم تصل أفكارة العدالة والتنمية إلى الجميع، وأسباب تراجع الشعبية، بالإضافة إلى الأخطاء الاقتصادية، وعلى الرغم من أن الحزب لا زال متقدما على بقية منافسيه، إلا أن هناك عدة أسباب ساهمت في تراجع شعبيته، قد يكون منها الضغط الخارجي على تركيا.
أما الباحثة هدى فتقول أن أردوغان وحزبه سيركزون على الناحية الإقتصادية، وتؤكد: أعتقد أن حزب "العدالة والتنمية" سيعمل على الجانب الاقتصادي، لأنه يعتمد إجراءات شعبوية، وكان هناك دائما مساعدات للفقراء في المدن الصغرى والقرى التي تؤيد الحزب وأردوغان، حيث أن معظم مناصري أردوغان هم من الإسلاميين، ومن الطبقة التي تحتاج إلى مساعدة اقتصادية، ويمكننا القول بأن هناك مشكلة اقتصادية في تركيا، ورجب طيب أردوغان اعتمد على الخصخصة اللامتناهية، وأهمل المسألة الزراعية، والتي تشكل عاملا عاما في المسألة الاقتصادية التركية، وذهب إلى الاستثمارات السريعة الربحية، وأهمل الاستراتيجية الطويلة للاقتصاد التركي.
فيما يرى الخبير الروسي بأن على حزب "العدالة والتنمية" بأن يحل المشاكل التي أدى إلى هذه الهزيمة، وييبين: إنها المشاكل الاقتصادية، فالليرة انخفضت مقابل الدولار، وارتفعت أسعار المنتجات، حتى لاحظت الطبقة الوسطى، ومن المثير للاهتمام كيف ستحل الحكومة هذه المشكلة وما هو البرنامج الذي ستقدمه، حتى الآن لا يوجد برنامج طويل الأجل وواضح يمكن أن يمنح الأمل.