عمر علي- عربي بوست
كلما بدأ ذوبان الأنهار الجليدية تبرُز مخاوف لدى البعثات الاستكشافية؛ إذ يكشف هذا الذوبان عن جُثث متسلِّقين لقوا حتفهم أثناء صعودهم جبل إيفرست.
تقارير جديدة تحدَّثت عن هذا الأمر ونشرتها الصحف العالمية، لاسيما أن جبل إيفرست يعد واحداً من أهم مقاصد جذب متسلّقي الجبال، وتقترن المخاطر بمساعي الوصول إلى قمته، الأعلى من نوعها في العالم.
وقبل أن نتحدَّث عن خطورة جبل إيفرست، وكيف يمكن مقارنة هذه المخاطر بجبال أخرى في المنطقة، لنعرف أولاً:
أين يقع جبل إيفرست؟
قمّة إيفرست هي إحدى قمم جبال الهيمالايا العظمى، التي تقع في جنوب قارة آسيا على الحدود بين نيبال ومنطقة التبت الصينيّة، ويصل ارتفاع جبل إيفرست إلى 8850م، وهو أعلى جبل في العالم، وأعلى نقطة على سطح الأرض.
وتشبه قمّة إيفرست الهرم الثلاثيّ الجوانب؛ حيث إنَّ لها ثلاثة جوانب مسطَّحة تقريباً، وتُغطّي هذه الجوانب الأنهار الجليديّة والجليد، وقد تصل درجة الحرارة عليها إلى -60 درجة مئويّة في شهر يناير/كانون الثاني.
ولماذا سُمي الجبل بهذا الاسم؟
في أول القرن التاسع العاشر عام 1802 بدأ البريطانيون مشروعاً علمياً هائلاً لمسح ورصد الجبال الموجودة في دولة الهند، ومعرفة ارتفاع كل جبل موجود على هذه الأرض، ومعرفة الخواص الجيولوجية لكل جبل.
استمرَّ هذا المسح لعدة سنوات حتى وصلوا إلى دولة نيبال، وكان ذلك عام 1830.
لكن هذه الدولة رفضت دخول البريطانيين لتكملة المسح في منطقة تيراي الموجودة على الحدود بين الهند ونيبال، بسبب انتشار مرض الملاريا آنذاك.
وفي العام 1847 اكتشف هؤلاء المساحون قمة مرتفعة في الطرف الشمالي عند سلاسل جبال الهيمالايا، وبسبب سوء المناخ توقف البحث في تلك الفترة، ولم يتعرفوا أكثر على هذه القمة الجبلية.
وفي العام 1856 كان هناك رجل يدعى جورج إيفرست، استطاع أن يكتشف هذه المنطقة، وأن يحدد ارتفاع هذا الجبل، وقد وصفه بأنه أعلى جبل في العالم.
وبالرغم من أنه في بادئ الأمر سُمي جبل إيفرست بسبب مكتشفه جورج إيفرست، فإن هناك مجموعة من السكان في المناطق المجاورة رفضوا هذا الاسم، وأطلقوا عليه اسم تشومولانجما، ومعناه آلهة الجبال، والسكان النيبال أطلقوا عليه اسم ساجارثا، أي جبهة السماء، لكنّه اشتهر أكثر باسم مكتشفه «إيفرست».
ورغم كل العوائق.. جبل إيفرست وجهة عشاق التسلق
تُعد قمة إيفرست من الأماكن التي تجذب هواة التسلق ذوي الخبرة والمبتدئين على حدٍّ سواء، ولكن تواجه هؤلاء المتسلقين عدة عوائق، تحول بينهم وبين الوصول إلى القمة، من أهمِّها الطقس، ومرض الارتفاعات، والرياح، ولقد تسلق جبل إيفرست أكثر من 5000 شخص.
ولتسلّق قمة إيفرست يوجد طريقان رئيسيان، وهما:
طريق الجزء الشمالي من التبت الذي اكتشفه جورج مالوري عام 1921م خلال بعثة استطلاع بريطانيّة، وطريق الجزء الجنوبيّ الشرقيّ من نيبال، وفي الوقت الحالي يتمّ التسلّق عن طريق التلال الجنوبية الشرقية؛ لأنه أسهل.
لكن كانت هناك وفيات كثيرة على جبل إيفرست
تشير البيانات إلى تسجيل ما يزيد على 280 حالة وفاة على الجبل.
وبينما سجل عدد وفيات متسلّقيه زيادة، فإن معدل الوفيات يقل عن 1%.
وتشير الإحصاءات إلى تسجيل 72 حالة وفاة على جبل إيفرست منذ عام 2010، في الوقت الذي سُجلت فيه نحو 7954 عملية صعود للجبل.
وتحدُث معظم هذه الوفيات جرَّاء انهيارات ثلجية أو سقوط، الأمر الذي يفسر صعوبة انتشال الجثث من الجبل.
ودوار الجبل يلعب دوراً في هذه الوفيات
كما يسبب دوار الجبل، وأعراضه المتمثلة في الدوخة والقيء والصداع، حدوث وفيات.
وبينما تبرز جلياً تلك المخاطر، يقول آلان أرنيت، وهو متسلق جبال محترف، إن تسلق إيفرست أكثر أمناً، مقارنة بتسلق أي مكان آخر في جبال الهيمالايا.
فكيف يمكن مقارنة تلك المخاطر بجبال أخرى في المنطقة؟
يضيف أرنيت، أنه على جبل إيفرست: «لا بد في الأساس من اتباع طريق مجرَّب جيداً.
إذ توجد الكثير من البنى التحتية، والمقاهي، فضلاً عن توافر عمليات النقل الجوي باستخدام طائرات مروحية، وفي بعض الجبال في باكستان يجب أن تعتمد على طائرة مروحية تابعة للجيش».
وأبرزت وفاة اثنين من المتسلقين أخيراً في باكستان هذا الخطر، بعد أن توفي المتسلق البريطاني توم بالارد وشريكه الإيطالي المتسلق دانييلي ناردي أثناء محاولتهما تسلق قمة جبل «نانغا باربات» في الهيمالايا، المعروف باللغة الدارجة باسم «الجبل القاتل».
وكانت أليسون هارجريفز، والدة توم، قد توفيت في وقت سابق في باكستان أيضاً أثناء تسلق جبل «كي 2″، ثاني أعلى قمة جبلية في العالم.
وجبلا «نانغا باربات» و «كي 2».. الأصعب
وجبلا «نانغا باربات» و «كي 2» اثنان من أصعب الجبال الـ14 التي يزيد ارتفاعها عن 8000 متر.
ولا تتوافر بسهولة في باكستان إحصاءات تشير إلى المحاولات الناجحة للتسلق، وكذا الوفيات أثناء صعود قمم الجبال.
بيد أن الحسابات التي أجراها أرنيت وغيره من المتسلقين تظهر أن نانغا باربات سجل 339 تسلقاً ناجحاً، و69 حالة وفاة.
كما يعد جبل «كي 2″، وهو جزء من سلسلة جبال «كاركورام» المجاورة، أكثر خطورة.
وتشير البيانات إلى أنه سجل 355 تسلقاً ناجحاً للقمة، و82 حالة وفاة.
ويسعى معظم متسلقي جبال الهيمالايا إلى الصعود عن طريق قمم الجبال الواقعة في نيبال وليس باكستان.
ويرجع الفضل في توافر إحصاءات أكثر تفصيلاً عن هذا الجزء من جبال الهيمالايا، في الأساس إلى عمل الصحفية إليزابيث هاولي.
وتعد قاعدة بيانات جبال الهيمالايا الخاصة واحدة من أكثر السجلات الموثوق بها في مجال التسلق، الناجح أو غير الناجح، لأكثر من 450 قمة جبلية في المنطقة، بما في ذلك جبال إيفرست.
وبخلاف سجلات باكستان، تجمع قاعدة بيانات الهيمالايا المعلومات، ليس عن الصعود الناجح للقمة فحسب، بل أيضاً عن جميع المغامرين خارج معسكرات التسلق، مع تحديد مناطق الخطورة للجبل بدقة.
ومن هم أبرز متسلقي قمة إيفرست؟
حاول الكثيرون تسلّق قمّة إيفرست منهم من نجح، ومنهم من لقي حتفه:
جورج ليه مالوري، وأندرو إيرفين: حاولا في عام 1924 الوصول إلى قمة إيفرست، ولكن الظروف الجويّة السيّئة أجبرتهما على العودة بعد أن وصلا إلى ارتفاعات قياسيّة، وقاما بالمحاولة مرّة أخرى في نفس العام ولكنهما اختفيا، ولم يُعرف إن كانا قد وصلا إلى القمة أم لا.
إدموند هيلاري وتينسينج نورجاي: وصلا إلى القمة في عام 1953، وهما أول من وصلا إليها.
جونكو تاباي: وصلت اليابانية جونكو إلى القمة في عام 1975، وهي أوّل امرأة تصل إليها.
جيمس ويتاكر: وصل جيمس إلى القمة في عام 1963، وهو أوّل أمريكي يصل إليها.