عبدالرحمن نبيل- ألترا صوت
في كل شهر نيسان/أبريل من كل عام، يُحتفى بعادة "كذبة أبريل"، التي كما هو واضح من اسمها، يكون الاحتفاء بها بإطلاق الشائعات والأخبار الكاذبة من باب الفكاهة بين الأصدقاء والمعارف.
shareفي العديد من الحالات تجاوزت كذبة أبريل كونها مزحة طريفة، إلى التسبب في حالات هلع وخوف على نطاق واسع
لكن كذبة أبريل تجاوزت الأصدقاء والمعارف، وتجاوزت أحيانًا كثيرة الفكاهة، لمّا تبنتها مؤسسات صحفية وإعلامية، أطلقت في بعض الأحيان كذبات أبريل تجاوزت جدية التعامل معها، جوهر الفكاهة فيها.
وعلى الرغم من أن أصل هذه العادة غير معروف على وجه الدقة، لكن هناك مجموعة من الأساطير التي تأصل لهذا اليوم، أحد أبرزها تقول إن كذبة أبريل بدأت مع مرسوم فرنسي عام 1564 من قبل شارل التاسع، تضمن قرارًا بنقل يوم رأس السنة الميلادية إلى الأول من كانون الثاني/يناير، بعد تبني كثير من أوروبا التقويم المعدل.
وكانت فرنسا أول دولة تعمل بهذا التقويم، وحتى ذلك التاريخ كان الاحتفال بعيد رأس السنة يبدأ في يوم 21 آذار/مارس وينتهي في الأول من نيسان/أبريل، إلا أن أولئك الذين احتفلوا برأس السنة في الأول من كانون الثاني/يناير، كانوا يسخرون من الذين ظلوا يحتفلون به في تاريخ الأول من نيسان/أبريل وأطلق عليهم "حمقى أبريل".
آخرون يربطون بين "كذبة أبريل"، وبين عيد هولي، المعروف في الهند الذي يحتفل به الهندوس كل عام، وفيه يقوم بعض البسطاء بمقالب أو نشر أحاديث مختلقة كاذبة لمجرد اللهو والدعابة، ولا يكشف عن ألاعيبهم وكذبهم إلا في مساء اليوم الأول من نيسان/أبريل.
بينما يرى آخرون أن أصل كذبة أبريل يعود إلى القرون الوسطى، إذ إنه في هذا الشهر كان وقت الشفاعة للمجانين ومضطربي العقول، فيطلق سراحهم في أول الشهر، ويصلي العقلاء من أجلهم. وفي تلك الحقبة ظهر "عيد جميع المجانين"، أسوة بالعيد الأشهر في تلك الحقبة "عيد القديسين".
اختلفت محاولات الباحثين في تأصيل هذه العادة، وقد تفتقد لأدلة ثابتة تساندها، ولكنها في النهاية اجتهادات مطروحة يجمعها شيء واحد وهو أن المقياس الحقيقي لـ"كذبة أبريل" مردودها على ضحاياها، وعلى صاحب الكذبة.
1. سبق صحفي
في عام 1980 أراد معد الأخبار في تلفزيون بوسطن، هومر سيلي، أن يحقق سبقًا صحفيًا بكذبة أبريل، ففي أثناء متابعة المشاهدين للنشرة اليومية على قناة "WNAC-TV"، اكتشفوا أخبارًا مزعجة حول فوهة "جريت بلو هيل"، الواقعة في ضاحية بينتاون بمدينة ميلتون.
وضع سيلي في نشرة الأخبار، خبرًا يفيد بأن الفوهة الهادئة بدأت في الثوران وإطلاق الحمم البركانية، ثم قرر رفع جرعة الزعر بأن ضمن التقرير لقطات حقيقية لثوران بركان آخر من جبل سانت هيلينز، مرفقة بتحذيرات من الرئيس الأمريكي آنذاك جيمي كارتر.
على الرغم من أن سيلي أدرج شريحة يمكن قراءتها في آخر الفقرة كُتب فيها "كذبة أبريل"، إلا أن مئات المواطنين المذعورين انهالوا بسيل من المكالمات على مكاتب قوات الشرطة، لدرجة أحدثت ضغطًا على خطوط الهاتف المحلية، فضلًا عن البعض الآخر لم ينتظر ردًا من أصحاب القرار، وعقد العزم على مغادرة الضاحية بالفعل.
وفي أعقاب هذه الحالة من الذعر، قامت المحطة بطرد سيلي، وذلك بفضل "فشله في الحكم على مدى صلاحية الأخبار المنشورة"، وعدم التزامه بلوائح هيئة الاتصالات الفيدرالية.
2. الماء فيه سمٌ قاتل
خلال البث الحي لبرنامجهما الإذاعي على محطة فلوريدا المحلية في الأول من نيسان/أبريل عام 2013، قرر الثنائي فال سانت جون وجون سكوت فيش، أن يمازحا جمهور البرنامج، فأعلنا لمستمعيهم أن مياه الشرب في منطقة "فورت مايرز" ملوثة بمركب أول أكسيد الهيدروجين، والذي هو نفسه الاسم الكيميائي غير المختصر لـ"H2O" أي عنصر الماء، وهنا تكمن المزحة.
لكن هذه المزحة كان لها صدى أوسع وأقمع، فخلقت حالة من الذعر بين السكان، دفعت وحدة مارفق المياه في المقاطعة إلى إصدار العديد من البيانات لتهدئة روع السكان. أم بالنسبة للمذيعيْن، فقد طردا أولًا، ثم انهالت عليهم الدعاوى القضائية والتهم الجنائية والغرامات.
3. الكلمة الأخيرة
في 2016 قرر العاملون في شركة جوجل، أن يختبروا قدرتهم على المزاح، وبالطبع لم تكن هناك مناسبة أفضل من كذبة أبريل. فأضافت الشركة زر "إسقاط الميكروفون – Mic Drop" إلى واجهة منصة البريد الإلكتروني Gmail. وعند النقر على الزر في أي رسالة بريد إلكتروني، ترفق صورة متحركة بصيغة "GIF" لشخصية "مينيونز" الكرتونية وهي تلقي بميكروفون.
قد يبدو الأمر بسيطًا، ولكن إسقاط الميكروفون يحمل إشارة إلى أن المستخدم قال كلمته الأخيرة، وأغلق الموضوع ولن يهتم بما سيقوله الطرف الآخر.
لكن المشكلة أن الفكرة من وراء حركة إسقاط الميكروفون كانت تحدث بالفعل فبمجرد استخدام الزر لا يتمكن الطرف المتلقي من الرد على البريد الإلكتروني، والمشكلة الأكبر كانت أن زر "إسقاط الميكروفون" كان بجوار زر "إرسال" مباشرة، ما أدى بعدد لا يحصى من الموظفين التعساء إلى إسقاط الميكروفون في وجه رؤساءهم وعملائهم أو حتى زوجاتهم وأصدقائهم.
عطلت شركة جوجل الزر، لكن بعد فوات الأوان، وبعد أن وقع الضرر وفقد عدد من الأشخاص حول العالم وظائفهم بسبب مزحة كذبة أبريل!
4. كائنات فضائية في الأردن!
لم تكن المنطقة العربية بمنأى عن كذبات أبريل الطائشة، ولعل أشهر حوادث كذبة أبريل ما فعلته صحيفة الغد الأردنية في عام 2010، عندما نشرت خبرًا تصدّر الصفحة الأولى يفيد بأن جسمًا فضائيًا غامضًا هبط بالقرب من منطقة "الجفر" الأردنية، وأنه شوهدت مخلوقات غريبة بالقرب منه.
سادت حالة من الهلع بين سكان المنطقة لدرجة عدم إرسال أطفالهم إلى المدارس. لم يتسبب الخبر في إثارة قلق سكان المدينة فحسب، بل وصل الذعر إلى المحافظ الذي أمر بدوره قوات الأمن بالانتشار استعدادًا لمواجهة هذا الهجوم، كما طرح فكرة الإخلاء الكامل للمدينة.
أسفرت هذه المزحة عن إجلاء جماعي تقريبًا لسكان البلدة البالغ عددهم 13 ألف نسمة. وتحت التهديد باحتمالية رفع دعوى قضائية من قبل محافظ المدينة، محمد مليحان، والسلطات المدنية، اعتذر مجلس تحرير الغد بشدة، عما سببه هذا الخبر، حيث صرح مدير التحرير، موسى برهومة، قائلًا: "كنا نهدف إلى الترفيه وليس تخويف الناس"، ولكن على الجانب حصل جميع الأطفال على إجازة من المدرسة.
5. المزاح ليس لضباط المخابرات
من المعروف أن ضباط الاستخبارات وخاصة العسكرية منها، يتم اختيارهم بعناية فائقة بناءً على توفر عدد من الصفات والمهارات لديهم، ليس المزاح من بينها على الأرجح.
لكن في الأول من نيسان/أبريل 1986، واستغلال لمزحة كذبة أبريل، فبرك ضابط في الموساد الإسرائيلي تقرير حول اغتيال نبيه بري، زعيم حركة أمل اللبنانية، ورئيس مجلس النواب اللبناني حاليًا. وانتشرت القصة على نطاق واسع، حتى أن وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك، إسحاق رابين، تبنى عملية اغتيال بري المزعومة.
shareفي 1986 واستغلالًا لكذبة أبريل، فبرك ضابط في الاستخبارات الإسرائيلية تقريرًا يزعم اغتيال نبيه بري زعيم حركة أمل اللبنانية
تبين أنها مجرد كذبة أراد بها ضابط المخابرات الإسرائيلية على ما يبدو أن يوقع برابين. لكن ضابط المخابرات سُجن، واضطر رابين لأن يقنع أعضاء الكنيست الإسرائيلي بأنه كان ضحية لمزحة سمجة.