تشتهر مصر القديمة «أرض الفراعنة» بأهراماتها الضخمة ومومياواتها المغطاة بالضمادات وكنوزها الذهبية. ولكن ما مقدار ما تعرفونه حقاً عن مصر القديمة؟ في هذا الموضوع، تشاركنا عالمة المصريات جويس تيلديسلي من موقع BBC History عشر حقائق لا يعلمها الكثيرون عن مصر القديمة.
1. لم يكن المصريون القدماء يستخدمون الجِمال
لم يكن الجمل يُستخدم كثيراً في مصر القديمة وحتى نهاية عصر الأسرات. ولكنَّ المصريين كانوا يستخدمون الحمير لنقل الأحمال، فيما كانوا يستخدمون القوارب وسيلة نقل مريحة للغاية.
كان نهر النيل يتدفق عبر مركز أرضهم الخصبة، مما كوّن طرقاً ممهّدة وطبيعية وحتّى شبكة مجارير!
ساعد تيار الماء أولئك الذين كانوا يحتاجون إلى التنقُّل عبر النهر من الجنوب إلى الشمال، فيما سهّلت الرياح الأمر على أولئك الذين يرغبون في الإبحار في الاتجاه المعاكس. ووصل المصريون القدماء بين النهر والمحاجر ومواقع البناء بقنوات.
كما كانوا يستخدمون قوارب خشبية عملاقة لنقل الحبوب والأحجار الثقيلة؛ فيما كانت القوارب الخفيفة المصنوعة من نبات البردي تُستخدم لنقل الناس إلى أماكن أعمالهم اليومية. وكانوا يعتقدون أن إله الشمس «رع» يُبحر بقاربه الشمسي كل يوم في السماء عالياً فوق النهر.
2. في مصر القديمة لم تكن كل الجثث تخضع للتحنيط
أصبحت المومياء -وهي عبارة عن جثة منزوعة الأحشاء ومجففة ومغطاة بالضمادات- قطعة أثرية مصرية مميزة. ولكن التحنيط كان عملية مُكلِّفة وتستغرق وقتاً طويلاً، ولذا كان يقتصر على أثرياء المجتمع. وكان أغلب الموتى من المصريين يُدفنون في حفرٍ بسيطة في الصحراء.
ولكنّ السؤال: لِمَ كان صفوة المجتمع يشعرون بالحاجة إلى تحنيط موتاهم؟
كانوا يعتقدون أنه من الممكن أن يعودوا للحياة مجدداً بعد موتهم، ولكن في حالةٍ واحدةٍ فقط وهي أن يظل الجسد محتفظاً بهيئته البشرية في حالة جيدة.
من المفارقات أنه كان يمكن تحقيق ذلك بسهولةٍ شديدة عن طريق دفن الجثث مباشرة في رمال الصحراء الساخنة الجافة؛ لأن الجثة حينها ستجف بصورة طبيعية. لكنّ الصفوة أرادوا أن تُدفن جثثهم في توابيت داخل المقابر، وهذا يعني أن جثثهم، لن تلامس الرمال، وستبدأ في التعفُّن.
أدّى الشرطان المزدوجان المتمثلان في استخدام مرفقات جنائزية لائقة والاحتفاظ بالهيئة البشرية للجثة إلى نشأة علم التحنيط الاصطناعي.
3. كان الأحياء يشاركون الموتى طعامهم
كان المصريون القدماء يصممون المقبرة لتكون سكناً أبدياً للجثة المحنطة والكا (النفس الطيبة للميت) التي تلازمها. كان يُسمح للعائلات، والمُعزين والكهنة بزيارة المتوفى في المقابر المسموح بدخولها وتقديم القرابين المعتادة التي تحتاجها الكا، فيما كانت تُحفظ المومياء في غرفة دفن خفية لحمايتها من الأذى.
وداخل المقبرة الكبيرة، كانوا يضعون الطعام والشراب بانتظام. وبعد أن تتناول الكا هذا الطعام والشراب معنوياً، يبدأ الأحياء في تناولها فعلياً. وكان العديد من أفراد العائلات، أثناء «عيد الوادي»، وهو احتفال سنوي لتكريم الموتى وإحياء ذكراهم، يمضون تلك الليلة في مقابر أسلافهم. وكان الأحياء يمضون ساعات الليل وهم يأكلون ويشربون على ضوء المشاعل فيما يحتفلون بلمّ شملهم مع الموتى.
4. كانت المرأة المصرية تتمتّع بحقوق متساوية مع الرجل
في مصر القديمة، كان الرجال والنساء الذين ينتمون للطبقة الاجتماعية نفسها متساوين في نظر القانون. وهذا يعني أن النساء كان لهنّ الحق في التملُّك واكتساب وبيع ووراثة الممتلكات.
كان يمكن لهن أن يعشن دون وصايةٍ من الذكور، وإذا أصبحن أرامل أو مطلقات، فيمكنهنّ تربية أطفالهن. وكان بإمكان المرأة رفع القضايا أمام المحاكم ومعاقبتها عبرها. وكان لها الحق في أن تنوب عن زوجها الغائب في شؤون العمل.
كان من الشائع أيضاً أن يتزوّج الجميع في مصر القديمة، وكان لكلٍّ من الزوج والزوجة أدوار يكمل بها كل منهما الآخر ولكنها مختلفة.
كانت الزوجة، «سيدة المنزل»، مسؤولة عن جميع الشؤون الداخلية والمنزلية. إذ تربي الأطفال وتدير المنزل فيما يتولى زوجها، الشريك الذي بيده مقاليد الأمور في المؤسسة الزوجية، مهمة العمل خارج المنزل وكسب المال.
5. نادراً ما كان الكتبة يدوِّنون باللغة الهيروغليفية
كانت الكتابة الهيروغليفية -وهي تتشكل من عدة مئات من الصور المعقدة- تسرّ الناظرين، ولكن الكتابة بها كانت تستغرق وقتاً طويلاً. لذلك كان استخدامها يقتصر على النصوص المهمة؛ مثل الكتابات التي تزين جدران المقابر والمعابد والنصوص التي تسجل الإنجازات الملكية.
وعادة ما كان الكتبة المصريون يكتبون بالهيراطيقية في أعمالهم اليومية الاعتيادية – وهي نسخة مبسطة أو مختزلة من الكتابة الهيروغليفية. وقرب نهاية عصر الأسرات، استخدموا الكتابة الديموطيقية، وهي نسخة مبسطة من الهيراطيقية. واُستخدمت الأشكال الثلاثة لتدوين اللغة المصرية القديمة نفسها.
كان قلّةٌ من قدماء المصريين يجيدون القراءة سواء بالهيروغليفية أو الهيراطيقية: وتشير تقديرات إلى أن نسبة السكان الذين كانوا يجيدون القراءة والكتابة لا تزيد عن 10% (أو ربما أقل بكثير).
6. كان يمكن للمرأة أن تصبح ملكة
كان الوضع الأمثل في مصر القديمة أن يخلف الابنُ أباه في ملك مصر. لكن هذا لم يكن ممكناً في كل الأحوال، وكان من الممكن أن يصبح أكثر المرشحين المستبعدين ملكاً منيعاً أثناء مراسم التتويج.
اعتلت النساء العرش ثلاث مرات على الأقل، وأمسكن بمقاليد السلطة بفضل مهارتهن وتمتعهنّ بكافة صلاحيات الملك. كانت الملكة حتشبسوت أكثرهن نجاحاً، إذ حكمت مصر لأكثر من 20 عاماً ساد فيها الرخاء.
في اللغة الإنجليزية، التي تُطلق فيها كلمة «الملك» على الذكور حصراً، يمكننا تصنيف سوبيك نفرو وحتشبسوت وتوسرت على أنهنّ ملكاتٍ حاكمات. ولكن في اللغة المصرية القديمة، كانت الكلمة التي نترجمها عادة إلى «ملكة» تعني حرفياً «زوجة الملك»، وهي غير مناسبة مطلقاً لوصف هؤلاء النساء.
7. قلة من الرجال المصريين تزوجوا من شقيقاتهم
تزوج بعض ملوك مصر من شقيقاتهم أو أخواتهم غير الشقيقات. وكانت هذه الزيجات التي تعدُّ سفاح قربى «زنا أقارب» تضمن معرفة الملكة بواجباتها منذ ولادتها، وتضمن أيضاً إخلاصها الكامل والدائم لزوجها وأبنائهما.
كانوا يوفرون أزواجاً مناسبين للأميرات اللائي قد يبقين دون زواج، مما يقلل من المتنازعين المحتملين على العرش. بل إنهم ربطوا هذا النوع من الزواج بالآلهة، الذين كان زواج العديد منهم (مثل إيزيس وأوزوريس) قائماً على سفاح القربى.
مع ذلك، لم تكن زيجات الأشقاء بشقيقاتهم إلزامية أبداً، وكانت بعض من أبرز ملكات مصر -بمن فيهن نفرتيتي- من أصولٍ غير ملكية.
لم يكن الزواج القائم على سفاح القربى شائعاً خارج العائلة المالكة حتى نهاية عصر الأسرات. وأدت المصطلحات المحدودة المرتبطة بالملكية المصرية (كانت كلمات «الأب»، و «الأم»، و «الأخ»، و «الأخت»، و «الابن» و «الابنة» هي المصطلحات الوحيدة المستخدمة)، واستخدام هذه الكلمات بصورة فضفاضة بحيث يمكن لكلمة «الأخت» أن تكون وصفاً للأخت الفعلية، أو الزوجة أو الحبيبة، إلى الكثير من الارتباك حول هذه المسألة.
8. لم يشيِّد كلّ الفراعنة أهرامات مصر القديمة
شيد معظم الفراعنة في عصر الدولة القديمة (من عام 2626 إلى عام 2125 قبل الميلاد) وعصر الدولة الوسطى (من عام 2055 إلى عام 1650 قبل الميلاد) مقابر هرمية في صحاري مصر الشمالية. وربطت هذه المعالم اللافتة للنظر الملوك بإله الشمس رع عندما كان يخلق أهراماً من البشر نشأوا من البحر الهائج في بداية الزمان.
ولكن مع بداية عصر الدولة الحديثة (في القرن السادس عشر قبل الميلاد)، أصبح بناء الهرم ممارسة قديمة. وبدأ الملوك بحلول ذلك الوقت في بناء نصبين أثريين منفصلين تماماً.
إذ أصبحوا يدفنون مومياواتهم في مقابر محفورة في الصخور في وادي الملوك على الضفة الغربية للنيل في مدينة طيبة الجنوبية، في حين تتركز طقوس الدفن الملكية في معبد تذكاري ظاهر للعيان، يقع على الحدود بين الأرض المزروعة (مسكن الأحياء)، والصحراء القاحلة (مسكن الموتى).
وفي أعقاب انهيار الدولة الحديثة، أصبح الملوك فيما بعد يُدفنون في مقابر في شمال مصر: ولم يُعثر على بعض هذه المقابر مطلقاً.
9. لم يكن العبيد هم مَن شيدوا الهرم الأكبر
يعتقد المؤرخ اليوناني هيرودوت أن 100 ألف من العبيد شيدوا الهرم الأكبر. وحظي وصفه للرجال والنساء والأطفال الذين كانوا يكدحون في أقسى الظروف بشعبية كبيرة بين منتجي الأفلام الحديثة. ولكن هذا ليس صحيحاً.
تشير الدلائل الأثرية إلى أن مَن بنى الهرم الأكبر في الواقع قوة عاملة قوامها 5 آلاف موظف دائم كانوا يتلقون رواتب وما يصل إلى 20 ألف عامل مؤقت.
كان هؤلاء العمال رجالاً أحراراً استدعوهم بموجب نظام السخرة المؤقَّت الخاص بالخدمة الوطنية للعمل لمدة ثلاثة أو أربعة أشهر في موقع البناء قبل أن يعودوا إلى ديارهم.
كانوا كذلك يسكنون في معسكر مؤقت قريب من الهرم، حيث كانوا يتلقون أجوراً في شكل طعام وشراب وعناية طبية، بالإضافة إلى دفن أولئك الذين قضوا أثناء الخدمة في المقبرة القريبة.
10. ربما لم تكن كليوباترا جميلة
فازت كليوباترا السابعة، آخر ملكات مصر القديمة، بقلبيّ يوليوس قيصر ومارك أنتوني، وهما من أهم رجال روما. لذا، من المؤكد أنها كانت رائعة الجمال!
تشير عملاتها المعدنية إلى أنها لم تكن كذلك على الأرجح. إذ تُظهرها بأنف كبير وذقنٍ بارز وعينين غائرتين. تعكس عُملات كليوباترا بالطبع مهارة صانعيها، ومن الجائز جداً أن الملكة لم ترغب في أن تبدو طاغية الأنوثة على عملات تمثل سيادتها داخل مصر وخارجها.
للأسف ليس لدينا وصف للملكة من شهود عيان. لكن المؤرخ اليوناني بلوتارخ -الذي لم يلتقِ قط بكليوباترا- أخبرنا أن سحرها يكمن في أسلوبها وصوتها الجميل.