كاثرين كريدي- بي بي سي
في الستينيات من القرن الماضي، كانت رحلة الطيران من نيويورك إلى لوس أنجليس تستغرق خمس ساعات، بينما لا تتعدى الرحلة من نيويورك إلى العاصمة الأمريكية واشنطن 45 دقيقة. لكن اليوم تتجاوز الرحلة الأولى ست ساعات وتستغرق الثانية 75 دقيقة، رغم أن المسافة بين المطارات لم تتغير.
ويطلق العاملون في مجال الطيران على هذه الظاهرة اسم "إطالة مدة الرحلة" أو إضافة بعض الوقت إلى الزمن المتوقع للرحلة. وهذا السر تحاول شركات الطيران إخفاءه عنك، وخاصة لما يسببه التأخير من تداعيات واسعة النطاق على البيئة.
وربما يرى المسافر أن المبالغة في تقدير زمن الرحلة أمر حميد لا ضرر منه، لأنه سيصل إلى وجهته في الموعد المحدد حتى لو تأخرت الطائرة عن الإقلاع.
لكن هذه الأساليب التي أصبحت تنتهجها شركات الطيران حول العالم تنطوي على مشكلات عديدة، منها أن رحلتك أصبحت تستغرق وقتا أطول من اللازم، ناهيك عن أن شركات الطيران تتعمد إيهام المسافر بأنها تلتزم بالمواعيد حتى لا تضطر إلى تحسين كفاءتها التشغيلية، وهذا سيؤدي إلى تواصل ارتفاع انبعاثات الكربون وتفاقم مشكلة ازدحام طرق الملاحة الجوية.
ويقول مايكل بايادا، رئيس مجموعة "إيه تي اتش غروب" لاستشارات الطيران : "لا تزال 30 في المئة من الرحلات الجوية تصل متأخرة أكثر من 15 دقيقة عن موعدها يوميا، رغم الوقت الإضافي الذي تضيفه شركات الطيران إلى زمن الرحلة".
وقد انخفضت النسبة بنحو 10 في المئة عن السابق بفضل المبالغة في تقدير زمن الرحلات، وليس بسبب تحسين الأداء أو الالتزام بالمواعيد. ويقول بايادا: "تتحايل شركات الطيران بهذه الممارسات على النظام حتى تخدعك".
ويضيف أن هذا الوقت الإضافي سيترتب عليه حرق المزيد من الوقود وزيادة الضجيج وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وقد توفر شركات الطيران هذه التكاليف المالية والبيئية بتحسين الكفاءة الإدارية والتشغيلية.
وأشادت وزارة النقل الأمريكية في أحد تقاريرها بالخطوات التي اتخذتها شركة الطيران "دلتا إيرلاينز" حرصا منها على الالتزام بالمواعيد. إذ خصصت الشركة ملياري دولار لشراء طائرة جديدة وتجهيز كبائن الركاب وتطوير منشآتها، وأكدت مرارا أن الدقة في المواعيد هي المحرك الأساسي لأسعار تذاكر الرحلات الجوية.
ما هو الحد الأقصى للتأخير؟
لا شك أن الخيار الأفضل هو وصول الرحلات في موعدها المحدد عند بوابة المطار، لأن تأخر وصولها سيؤثر على أمور عديدة أخرى في المطار، مثل إتاحة البوابات والسعة الاستيعابية للمطار.
ولا يعد وصول الطائرة بعد ما يقل عن 15 دقيقة تأخيرا. وتراعي مراكز المراقبة الجوية هذا الفارق الزمني عند التخطيط لهبوط الطائرات، حتى لا تعجز المطارات عن استيعاب الركاب في حال وصول الكثير من الطائرات في نفس الوقت.
وثمة عوامل عديدة تسهم في تأخر الرحلات الجوية، ويرى بايادا أن شركات الطيران بإمكانها تلافي 80 في المئة منها، مثل الجدول الزمني ووقت انتظار الطائرات للهبوط في المطار، ومدى جاهزية الطائرة، وتوافر البوابات، والصيانة والاجراءات القانونية المطلوبة من طاقم الطائرة، لكنها تترك مهمة إصلاحها لمراكز المراقبة الجوية عندما تغادر الطائرة بوابات المطار.
ويقول بايادا: "بمجرد إقلاع الطائرة، تخلي شركات الطيران مسؤوليتها عنها، حتى تصل إلى المطار التالي". ويرى أنه من الأفضل أن تتابع شركات الطيران مسارات طائراتها وتعدل مواعيدها طوال الرحلة وتختار الطرق الجوية وسرعات الطائرة، لتساعد مركز المراقبة الجوية في التركيز على تأمين سلامة الحركة الجوية.
ويقول توم هندركس، مدير تنفيدي متقاعد بإحدى شركات الطيران، إن شركات الطيران تضع جداول زمنية مصممة للظروف المثالية، ولا تأخذ في الحسبان التقلبات الجوية أو تعطل شبكات الشركة أو مركز المراقبة الجوية.
ويرى هيندريكس أن الحل هو أن تبذل شركات الطيران المزيد من الجهود لتأمين سلاسة تدفق حركة الطائرات إلى المطار، لأن نجاحها اقتصاديا يتوقف على وصول رحلاتها في مواعيدها.
ويقترح البعض حلا آخر يتمثل في تقليل عدد الرحلات الجوية، لكن هذا قد يؤدي إلى رفع أسعار التذاكر، لأن شركات الطيران تضع جداولها الزمنية لتلبية طلب المستهلك.
التأخر أفضل من عدم الوصول
ويرى البعض أن تطوير مراكز المراقبة الجوية هو الحل لمشكلة تأخر الرحلات الجوية. وقد ساعدت الاستثمارات الضخمة التي تجاوزت مليارات الدولارات في الحد من حالات التأخير الناتجة عن أخطاء مراكز المراقبة الجوية منذ 2007 بمقدار النصف تقريبا. لكن حالات التأخير الناتجة عن أخطاء شركات الطيران تضاعفت في المقابل منذ ذلك الحين، وفقا لتقرير بلومبرغ عام 2016.
وابتكر بايادا نظاما جديدا لإدارة تدفق الحركة الجوية، يقوم على التعاون بين شركات الطيران وبين مركز المراقبة الجوية لتأمين أعلى مستوى من الكفاءة في الملاحة الجوية.
واعتمدت أربع هيئات للطيران هذا النظام في خمسة مطارات. وقد ساعد النظام بالفعل في الحد من حالات التأخير وحرق الوقود والضجيج وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون وازدحام الطرق الجوية. وتقول شركة "دلتا" للطيران إن هذا النظام ساعدها في تخفيض تكاليف الوقود بنحو 74 مليون دولار.
أما عن تأثير تحايل شركات الطيران بالأنظمة على الركاب، فتقول بالوما سالمرون، المتحدثة باسم شركة "آير هيلب" لخدمات مساعدة المسافرين في الحصول على تعويضات: "أصبحت أساليب المماطلة، مثل تعمد المبالغة في تقدير زمن الرحلة، سلوكا شائعا بين شركات الطيران".
وترى سالمرون أن شركات الطيران تنتهج هذه الأساليب لا لتدعي أنها أصبحت أكثر التزاما بالمواعيد فحسب، لكن أيضا للتهرب من دفع التعويضات المستحقة للمسافر إذا ثبت أن الطائرة تأخرت ثلاث ساعات أو أكثر عن موعد الوصول المحدد، بموجب قانون حقوق المسافرين المعمول به في الاتحاد الأوروبي.
وتقول سالمرون إن الكثير من شركات الطيران تضع العراقيل أمام المسافر لتعيقه عن تقديم دعوى تعويض مستوفية للشروط القانونية. ويعد إطالة زمن الرحلة أحد الأساليب التي تستخدمها الشركات لتقليل فرص المسافر في الحصول على تعويض مالي.
إلا أن هذه الأساليب لم تحل مشكلات شركات الطيران التي لا تزال تؤرق المسافرين.
ويقول بوب مان، استشاري شركات الطيران: "قد تحسن شركات الطيران كفاءتها بطرق عديدة، منها تطبيق النظام الذي وضعه بايادا. لكنها لا تزال مصّرة على تحميل مراكز المراقبة الجوية المسؤولية عن التأخير والازدحام، رغم أن هذا غير صحيح. وأرى أن شركات الطيران لا بد أن تتخذ خطوات جادة للالتزام بمواعيدها، حتى تفيد المسافرين والموظفين والمستثمرين والمجتمعات التي تخدمها".