امبراطورية اليابان في الحرب العالمية الثانية

الضعيف ينتصر أحياناً.. 5 طرق كانت ستُمكِّن اليابان من النصر بالحرب العالمية الثانية وتغيير التاريخ

صحيح أن امبراطورية اليابان في الحرب العالمية الثانية لم تتمكن من تحقيق النصر التام في حربها ضد الولايات المتحدة، إلا أن الأمر كان يمكن تداركه، والقرار والموارد تفسر سبب الهزيمة.

 

كان هذا التباين في الإمكانات المادية أكبر مما يمكن أن تتحمله دولة اليابان الجزرية -التي يبلغ حجم اقتصادها عُشر حجم الاقتصاد الأمريكي- كي تتغلب على الولايات المتحدة.

 

يتمتع الكمُّ بميزة خاصة، فليس هناك أي قدرٍ من العزيمة والبراعة في الدفاع عن النفس قادراً على تجاوز التباين الشديد غير المتوازن في الأرقام بين الجانبين. وكانت طوكيو شاهدةً عملياً على هذه المحنة بعد الهجوم على بيرل هاربر.

لذا لم يكن ممكناً على الإطلاق أن تستطيع اليابان سحق القوات البحرية الأمريكية في المحيط الهادئ وفرض شروطها على واشنطن.

غير أن ذلك لا يعني أنه لم يكن من الممكن لها أن تحقق النصر في الحرب العالمية الثانية. الضعيف ينتصر أحياناً.

امبراطورية اليابان في الحرب العالمية الثانية

يقول الخبير الاستراتيجي الروسي كارل فون كلاوزفيتز إن التاريخ يحمل بين طياته عدداً من الأمثلة التي استطاع فيها الضعيف تحقيق مراده. وبالفعل، يذكر كلاوزفيتز أن المنطق أحياناً يقول إن المنافس الأضعف يبدأ النزال.

فإذا وجدت قيادته أن القوة هي الملجأ الوحيد، وإذا بدت خطوط المنحنى غير مواتية -بعبارة أخرى: إذا كان الوضع الحالي أفضل وضع يمكن الحصول عليه- فلماذا إذاً الامتناع عن التحرك؟

يقول كارل الكبير إن هناك ثلاثة طرق أساسية لتحقيق النصر في الحروب. الأولى أن تلحق بعدوك هزيمة نكراء وتملي عليه الشروط التي ترضاها. والأقل من ذلك، وهي الطريقة الثانية، أن تجعل عدوك يدفع ثمناً أكبر مما يستطيع دفعه لتحقيق أهدافه.

 تحدد القيمة التي يقررها المحارب لتحقيق أهدافه كمية الموارد التي يستعد لبذلها من أجل تحقيق أهدافه، وإلى متى يمكنه مواصلة ذلك.

 لذا فإن اتخاذ التدابير التي تجبر أي خصم على بذل مزيد من الأرواح والأسلحة والموارد تشكل طريقة لرفع كلفة تحقيق الأهداف.

وتعتبر إطالة مدة الصراع كي يدفع مزيداً من التكاليف على مدى الوقت طريقةً أخرى لرفع الكلفة.

أما الأمر الثالث، فهو تثبيط عزيمته وإقناعه بأنه على الأرجح لن يتمكن من بلوغ أهدافه من الحرب.

إذ إن خصماً بائساً، أو خصماً متردداً في تحمل كلفة الحرب، هو خصمٌ لين؛ فيحاول حينئذ إبرام أفضل صفقة ممكنة للخروج من هذا الوضع المعقد.

فإذا كان من المتعذر على طوكيو تحقيق نصر عسكري، فلا يزال الخياران الثاني والثالث قابلين للتحقيق في المحيط الهادئ.

هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية

كان من الممكن أن يقتصد القادة اليابانيون في إنفاق الموارد، مما كان سيقلل من تباين القوى بين الطرفين المتحاربين.

وكانوا قادرين على جعل الصراع أكثر كلفة وألماً وطولاً في الوقت على الولايات المتحدة، مما يقوض من عزمها، أو بدلاً من ذلك كانوا قادرين على تجنب إثارة غضب الأمريكين وتجنب دفعهم لشن حرب شاملة في المقام الأول.

فمن خلال الحديث عن غارة على هاواي، كانوا سوف يستطيعون إضعاف قرار الخصم، بل ربما إقصائه تماماً.

وخلاصة القول إنه لم يكن هناك أي ضربة قاضية محتملة -أي حيلة واحدة أو ضربة قاتلة- قادرة وحدها على هزيمة الولايات المتحدة.

بل كان ينبغي للقادة اليابانيين بدلاً من ذلك التفكير والتحرك بصورة أقل تكتيكية وأكثر استراتيجية. فكانوا من الممكن بذلك تحسين الفرص التي لدى اليابان.

والآن، لنعرف كيف كان ممكناً ان تتجنب اليابان الهزيمة

– شن حرب واحدة في كل مرة.

يعتبر الإبقاء على الأعداء أمراً ضرورياً، حتى لأعتى المقاتلين. ومن الضروري للبلاد الصغيرة ذات الطموح الكبير أن تتجنب خوض حرب ضد جميع من هم في مرمى بصرها في وقت واحد .

فقد حمل فرض الانضباط على الحرب التي تخوضها اليابان صعوبة خاصة، إذ كان نظامها السياسي -على نمط الإمبراطورية الألمانية للأسف- يُدار بصورة بيروقراطية متداخلة بين جيش اليابان الإمبراطوري والبحرية الإمبراطورية اليابانية، بدون أي إشراف سياسي مدني جاد.

 وفي غياب إمبراطور قوي، أُتيح للجيش والبحرية التساهل في المزايدة على المهام التي تتم بينهما، للتنافس فيما بينهما على كسب النفوذ والمكانة.

نظر جيش اليابان الإمبراطوري إلى قارة آسيا، حيث سنحت له شن حملة على منشوريا ثم الصين. فيما دفعت البحرية الإمبراطورية جهودها نحو حملة بحرية استهدفت موارد جنوب شرق آسيا.

 ومن خلال الاستسلام إلى الدوافع المتناقضة بين عامي 1931 و1941، أحاطت اليابان نفسها فعلياً بأعداء من تلقاء نفسها، عن طريق غزو منشوريا والصين قبل مهاجمة القوى الإمبريالية في جنوب شرق آسيا، وفي نهاية المطاف تنفيذ الهجوم على بيرل هاربر.

– أنصتوا إلى ياماموتو.

يُعتقد أن القائد العسكري الياباني إيسوروكو ياماموتو حذر رؤساءه قائلاً إن اليابان عليها أن تحقق نصراً حاسماً سريعاً خشية أن توقظ العملاق الأمريكي النائم، مما سيولد عواقب مهلكة على اليابان.

تنبأ ياماموتو بأن البحرية اليابانية يمكنها شن حملة محمومة لستة أشهر -وربما سنة- قبل أن تحشد الولايات المتحدة كامل قواتها من أجل المعركة. وخلال هذه المدة، احتاجت اليابان إلى مفاجأة المجتمع الأمريكية وعرض تسوية من أجل السلام -على أن تسري على جزء من المحيط الهادئ-

وفي الوقت ذاته ترسيخ دفاعها عن محيط الجزيرة الذي يضم أراضي آسيا المطلة على المحيط الهادئ التي حازها الجيش الياباني.

ولكن ماذا إذا فشلت مساعيها؟ كانت المصانع الأمريكية ستنتج الأسلحة بكميات هائلة، وفي الوقت ذاته كانت السفن الجديدة التي بدأ بناؤها بموجب قانون المحيطين البحري لعام 1940 – ستبدأ في الوصول إلى ساحة القتال، وكانت توازنات القوى ستتغير تغيراً لا رجعة فيه.

وباختصار، حذر ياماموتو قادة الجيش من «كتابة السيناريوهات» أو افتراض أن العدو سوف يفعل ما تنبأوا به بالضبط. عرف القائد العسكري شيئاً أو شيئين عن الولايات المتحدة، واستوعب النزعة الأمريكية لتحدي المعتقدات والأفكار المسبقة.

– لا تنصتوا إلى ياماموتو.

بالرغم من أن القائد العسكري ياماموتو قدم استشارة حصيفة على الصعيد الاستراتيجي، كانت هذه الحصافة محل ريبة على الصعيد العملياتي. إذ إن الحل الذي قدمه من أجل إشكالية التفوق المادي الكامن لدى الولايات المتحدة، تطرق إلى شن غارة ضد ما ارتآه أنصار البحرية اليابانية محور قوة العدو: أي الأسطول الحربي للخصم.

تصور مخططو البحرية الإمبراطورية اليابانية لعقود شن «عمليات اعتراضية» لإبطاء وإضعاف الأسطول الأمريكي في المحيط الهادئ مع انطلاقه ناحية الغرب، ربما لاستعادة جزر الفلبين.

وبمجرد نشر الطائرات والغواصات حول الجزر المعزولة، مما يشتت أسطول المحيط الهادئ ويقلل حجمه، كانت البحرية الإمبراطورية اليابانية ستتمكن من شن معركة حاسمة. بيد أن ياماموتو أقنع قادة البحرية الإمبراطورية اليابانية بالتخلي عن العمليات الاعتراضية مقابل توجيه ضربة قاضية في بيرل هاربر.

 ولكن في واقع الأمر، لم يكن خط القتال المتمركز في هاواي هو أساس قوة البحرية الأمريكية. كان الأسطول المنبثق عن قانون المحيطين البحري لا يزال غير مكتمل.

وكان أفضل شيء حققته خطة ياماموتو هو تأجيل الهجوم الأمريكي المضاد حتى عام 1943. كان الأفضل لطوكيو الالتزام بخطة تسري في أوقات ما بين الحروب، وهو ما كان سيرفع الكُلفة على الولايات المتحدة، ويُطوّل من أمد مساعيها، بل ويحتمل أنها كانت سوف تستنزف عزيمة وطاقة الولايات المتحدة.

– ركزوا الموارد بدلاً من تشتيتها.

مثلما بدا المسؤولون اليابانيون عاجزين عن إلزام أنفسهم بحرب واحدة في كل وقت، بدا هؤلاء أيضاً عاجزين عن تقييد عدد العمليات الجارية وساحات المعارك.

شنت فرق العمل الخاصة بالبحرية الإمبراطورية اليابانية هجوماً في المحيط الهندي على شاكلة الهجوم على بيرل هاربر، ولكن هذه المرة ضد الأسطول البريطاني الشرقي قبالة جزيرة سيلان.

 فقد ارتأوا أنهم في حاجة إلى دعم الجناح الشمالي في معركة ميدواي عن طريق الهجوم على جزر ألوتيان. وبسطوا محيط الدفاع الخارجي للإمبراطورية عن طريق بدء ساحة ثانوية في جزر سليمان، ضمن جهود غير مجدية لاعتراض المسالك البحرية التي تربط أمريكا الشمالية بأستراليا.

فتحتم على الطرف الأضعف في القتال أن يسأل نفسه هل المكاسب الناتجة عن المغامرات الثانوية استثنائية، وما هي المخاطر التي تحملها على الساحات الأهم، وذلك قبل خوض مغامرات جديدة.

رفعت اليابان الكُلفة على نفسها أكثر من الولايات المتحدة من خلال عدم انضباطها الاستراتيجي، في الوقت الذي امتلكت موارد احتياطية أقل.

– أطلِق حرب غواصات غير مقيدة.

تجاهلت البحرية الإمبراطورية اليابانية لسبب غير مفهوم القيام بما شرع فيه الأسطول الأمريكي في المحيط الهادئ بينما لم تزل تحترق مجموعة السفن المتضررة في هجوم بيرل هاربر، وهو إطلاق غواصاتها لإغراق أي سفينة حربية أو تجارية تحمل علم العدو.

وبحلول عام 1945، قطعت القوارب الأمريكية أوصال الجزيرة الإمبراطورية عن طريق تمزيق الممرات الملاحية التي تربط أجزاءها.

 كانت الغواصات اليابانية مكافِئة لنظيرتها الأمريكية وكان ينبغي لقادة البحرية الإمبراطورية اليابانية إلقاء نظرة على المخططات البحرية واستيعاب الحقيقة التي تشير إلى أن القوات البحرية الأمريكية يجب عليها تنفيذ عمليات في آلاف الأميال من المحيط حتى تصل بكل بساطة إلى غرب المحيط الهادئ.

 وكان على هؤلاء القادة إذاً توجيه ربابانة الغواصات لجعل المسارات البحرية في المحيط الهادئ مناطق محظورة على السفن الأمريكية.

فكان يصعب تخيل خطة أبسط وأقل كلفة قادرة على تمكين البحرية اليابانية من إلحاق خسائر فادحة بخصمها. إذ إن تجاهل حرب الغواصات كان خطأً عملياتياً من الطراز الأول.