ترجمة: عربي بوست
يبدو سبب تسليم جوليان أسانج، مؤسس ويكيليكس، من قبل الإكوادور غريباً، إذ تتحدث الدولة التي وفرت له اللجوء السياسي لسنوات عن عدم نظافته كأحد أسباب قرارها هذا.
ولكن يبدو أنه هناك سبب أخطر بكثير من عدم عناية أسانج بنظافته الشخصية كان وراء تسليم الإكوادور لهذا الرجل المثير للجدل، حسبما ورد في تقرير لمجلة Foreign Policy الأمريكية.
وأنهت الشرطة البريطانية إقامة مؤسس ويكيليكس جوليان أسانج لمدة ستة أعوام ونصف داخل السفارة الإكوادورية في لندن، بنقله محمولاً على بطنه من المبنى أمس الخميس 11 أبريل/نيسان، بعد أن ألغت كيتو حقه في اللجوء.
بلحيته البيضاء الطويلة، وشعر أبيض معقوص إلى الخلف، ممسكاً بكتاب لغور فيدال، أُجبر أسانج على الخروج من السفارة التي أدار منها منظمته للشفافية، منذ أن لجأ إلى هناك عام 2012.
نُقل أسانج إلى قاعة محكمة في لندن، حيث أدين سريعاً بتهمة انتهاك شروط الإفراج عنه بكفالة.
تمثل أحداث الخميس آخر منعطف في رحلة أسانج، من قرصان كمبيوتر إلى ناشط للشفافية ثم إلى هارب.
كشف المدعون العامون في الولايات المتحدة عن عريضة اتهام ضده يوم الخميس، ويسعون إلى ترحيله، مطلقين مواجهة قانونية بين مؤسس ويكيليكس ووزارة العدل الأمريكية.
ما هي التهم الموجهة إلى أسانج؟
تتهم الولايات المتحدة أسانج بالتآمر مع الواشية تشيلسي مانينغ، لاقتحام قاعدة بيانات حكومية أمريكية تحوي معلومات سرية، قدمتها مانينغ لاحقاً إلى ويكيليكس.
وكان اتهام يوم الخميس ضد أسانج محدد بدقة. يُزعم في عريضة الاتهام أن أسانج شجع مانينغ على البحث عن معلومات سرية، وأنه عرض المساعدة في اختراق كلمة المرور إلى قاعدة بيانات تحتوي على مواد سرية.
لم ينشر علناً حتى الآن أي دليل على أن أسانج نجح في اختراق كلمة المرور، لكن سجلات المحادثات بين أسانج ومانينغ التي نشرت للجمهور توثق عرضه القيام بذلك.
في 8 مارس/آذار 2010، سألت مانينغ أسانج عما إذا كان «قادراً» على اختراق دالة تجزئة، وهو نمط التشفير الذي تخزن كلمات المرور فيه عادة. أجاب أسانج «نعم»، مشجعاً مانينغ على توفيرها له.
إنها تشكل سابقة خطيرة
لائحة الاتهام الموجهة لأسانج تتضمن انتهاك قانون الاحتيال وإساءة استخدام الحاسوب.
كان العديد من مناصري أسانج يخشون من أن يوجه له الاتهام بموجب قانون التجسس، وبالتالي فإن هذه التهمة أقل حدة مما توقعوا.
ومع ذلك، يجادل نشطاء حرية الصحافة بأن لائحة اتهامه يمكن أن تشكل سابقة للمدعين الأمريكيين لاستهداف الصحفيين في الولايات المتحدة بعنف أكبر، وسيكون لها تأثير مخيف على الصحافة الأمريكية.
إذ أن كثيراً من أفعاله يقوم بها الصحفيون كل يوم
وكثير من الأفعال المنسوبة إلى أسانج في لائحة الاتهام تشبه العمل الذي يقوم به الصحفيون الذين يكتبون عن قضايا الأمن القومي. وتصف اللائحة استخدام أسانج ومانينغ لخدمة cloud drop box لنقل الملفات، كجزء من المؤامرة.
هذه الأنظمة تستخدمها المؤسسات الإعلامية الأمريكية بشكل روتيني لتلقي المواد الحساسة من المصادر مع حماية هويات المصادر.
يُوصف تشجيع أسانج لمانينغ على توفير الوثائق الحكومية، وهو أيضاً جانب روتيني من الصحافة التي تتناول قضايا الأمن القومي، باعتباره جزءاً آخر من المؤامرة، وفقاً للائحة الاتهام.
عندما أخبرت مانينغ أسانج بأنه لم يعد لديها أي مواد لتعطيها له، رد أسانج: «من تجربتي فإن الفضول لا ينضب أبداً».
أوباما تجنب توجيه تهمة التجسس له
في أعقاب تسريب وثائق ويكيليكس وغيرها من المواد السرية، كثف المدعون العامون في الولايات المتحدة أثناء إدارة الرئيس السابق أوباما من ملاحقتهم للمسؤولين الحكوميين الذين سربوا مواد سرية، مسجلين عدداً قياسياً من القضايا بموجب قانون التجسس.
لكن إدارة أوباما لم توجه الاتهام أبداً لأسانج على الدور الذي يضطلع به في تنسيق تسريبات المواد السرية، ونشر ملايين البرقيات الدبلوماسية، والوثائق العسكرية، وفيديو لهجوم بطائرة هليكوبتر على المدنيين في بغداد.
خشيت إدارة أوباما من أن ملاحقتها القضائية لأسانج، سيخلق سابقة خطيرة بالنسبة للصحفيين.
وأسانج الذي اكتسب خبرة كبيرة في شبابه في مجال القرصنة قبل الانتقال إلى مجال النشر، دائماً ما دافع عن عمله بأنه صحافة، مجادلاً بأنه ينبغي أن يُمنح الحماية العرفية المتوفرة لوسائل الإعلام. ومن غير الواضح كيف ستنظر المحاكم الأمريكية في هذا الطلب.
وقالت جنيفر روبنسون، محامية أسانج، في بيان لها يوم الخميس، إنه إذا جرى تسليمه «فمن الممكن تسليم أي صحفي ليخضع للمحاكمة في الولايات المتحدة، لنشره معلومات حقيقية عن الولايات المتحدة».
هل اشترطت الإكوادور عدم تسليمه إلى الولايات المتحدة؟
الإجابة عن هذا السؤال غير واضحة في الوقت الحالي، وستدور حوله معركة قضائية محتدمة في المحاكم البريطانية.
وقال الرئيس الإكوادوري لينين مورينو، ضمن قراره بإلغاء حق أسانج في اللجوء، إنه حصل على التزام كتابي من الحكومة البريطانية بعدم تسليم أسانج إلى بلد يمكن أن يتعرض فيه للتعذيب أو لعقوبة الإعدام.
لكن ليس من الواضح إلى أي درجة هذا الالتزام ملائم لأسانج. فالقانون الأوروبي يحظر بالفعل تسليم أي شخص معرض لخطر عقوبة الإعدام أو التعذيب، ومع ذلك تسلم بريطانيا بصورة روتينية الأفراد إلى الولايات المتحدة، وفقاً لموقع السفارة الأمريكية في لندن.
لكن قضايا قرصنة الكمبيوتر الأخيرة قد تشير إلى نتيجة في صالح أسانج.
في العام الماضي منعت محكمة بريطانية تسليم لوري لوف، الذي اتُّهم باختراق أنظمة الكمبيوتر التابعة لمكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالات حكومية أمريكية أخرى، وقالت إن من المحتمل أن يتعرض لمعاناة شديدة في نظام السجون الأمريكي. وعام 2012، منعت تيريزا ماي حين كانت تشغل منصب وزيرة الداخلية في ذلك الوقت، وهي الآن رئيسة الوزراء البريطانية، تسليم قرصان الكمبيوتر المتهم غاري ماكينون، إلى الولايات المتحدة.
ولكن الأخطر اتهامه بالتآمر مع الروس
ذكرت عدة وسائل إعلام من بينها شبكة CNN يوم الخميس أن المدعين يتوقعون صدور تهماً إضافية ضد أسانج.
هذه الاتهامات قد تتطرق إلى عدد من الأحداث المثيرة للجدل من ماضيه.
على سبيل المثال، اتهم مسؤولو الاستخبارات الأمريكية أسانج بالتآمر مع المخابرات الروسية لنشر وثائق سُرقت من أنظمة الكمبيوتر الخاصة بأعضاء الحزب الديمقراطي خلال الحملة الرئاسية لانتخابات عام 2016.
كان نشر هذه الوثائق عنصراً أساسياً في الجهد الروسي لدعم الحملة الرئاسية لدونالد ترامب.
ما زالت هيئة كبرى من المحلفين منعقدة في المحكمة الجزئية الأمريكية للمنطقة الشرقية في فرجينيا، وتجمع حالياً أدلة بشأن أسانج، وهو مؤشر على أن التحقيق الأمريكي حول مؤسس ويكيليكس لا يزال نشطاً. سجنت مانينغ حالياً لرفضها الإدلاء بشهادتها أمام تلك الهيئة.
أُغلَّق التحقيق السويدي في الاعتداء الجنسي الذي كان أسانج مطلوباً للخضوع للاستجواب بشأنه عندما طلب اللجوء عام 2012. لكن أحد المدعين في القضية طلب يوم الخميس إعادة فتح التحقيق، وقالت السلطات السويدية إنها ستنظر فيما إذا كانت ستفعل ذلك أم لا.
ولكن لماذا سلمته الإكوادور بعد كل هذه السنوات؟ النظافة ليست السبب الوحيد
بعد مضيّ 6 أعوام على إقامته في السفارة الإكوادورية، أصبح أسانج أحد الضيوف دائمي الإقامة المزعجين على نحو فريد.
اشتكى المسؤولون الإكوادوريون كثيراً من تكلفة إقامة أسانج في لندن، ومن عدم نظافته، ومن الكلفة السياسية لحماية رجل لديه أعداء في معظم عواصم العالم.
عندما كان مرحباً به في البداية، وقع أسانج على اتفاقية يتعهد فيها بتنظيف نفسه، وبعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.
لكن يبدو أن القشة التي قصمت ظهر البعير كانت مواد منشورة حديثاً في الإكوادور لرسائل البريد الإلكتروني ورسائل أخرى تخصّ الرئيس الإكوادوري مورينو وزوجته.
وسرعان ما وجه الخصوم السياسيون لمورينو تهماً له بالتربح عن طريق الفساد من صفقة تجارية مع شركة صينية، حسبما ذكرت موقع Daily Beast الأمريكي.
هذا الجدل ربما كان ليمر دون ضجيج، لو لم يروج حساب ويكيليكس القصة على تويتر.