أعاد الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي (93 عاماً) التأكيد على عدم رغبته في الترشُّح للانتخابات الرئاسية القادمة، رغم أن الدستور يسمح له بذلك. وفي خطابه خلال افتتاحه مؤتمر حزب نداء تونس (الحاكم)، في 7 أبريل/نيسان الجاري، دعا السبسي إلى رفع تجميد عضوية رئيس الحكومة يوسف الشاهد، في حزب نداء تونس رغم عدم رد الشاهد على دعوة سابقة بالعودة.
وحدّدت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات 6 أكتوبر/تشرين الأول القادم، موعداً للانتخابات التشريعية، و17 نوفمبر/تشرين الثاني، موعداً للانتخابات الرئاسية في دورتها الأولى. لكن ما أسباب تخلِّي السبسي المبكر عن خوض غمار الانتخابات الرئاسية؟
مخاوف من الهزيمة.. وبوتفليقة في البال
يفسّر المحلل السياسي التونسي، الحبيب بوعجيلة، عدم رغبة السبسي بالترشح لعهدة رئاسية ثانية، بأن هناك عاملاً متعلقاً بالسياقات الإقليمية والوضع الجزائري واستقالة الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة (82 عاماً)، الذي يكبره السبسي بـ11 عاماً.
وفي 2 أبريل/نيسان الجاري، قدم بوتفليقة استقالته، بعد نحو 40 يوماً من المظاهرات الرافضة لترشُّحه لعهدة رئاسية خامسة، ولاحقاً رافضة لتمديد عهدته الرابعة.
ويرى بوعجيلة أن «السبسي يدرك أن حظوظه لن تكون كبيرة، ولن يحقق هذه المرة الإجماع الذي حققه في 2014 ، نظراً لنتائج أدائه على امتداد خمس سنوات من ولايته، وثانياً بالنظر للانقسامات الكبيرة التي شقت العائلة الندائية (الحزب الحاكم) التي اصطف فيها الرئيس إلى جانب ابنه، على حساب الشق الآخر من الحزب».
إلا أنه لفت إلى أن السبسي، رغم ذلك، لم يحسم أمر ترشُّحه نهائياً، فترك الباب موارباً، بالقول: «أنا لا أرغب، ومصلحة تونس ربما تتطلب تجديدًا». ويفسر بوعجيلة ذلك «بمخاوف من عجز منظومة الدولة عن إيجاد الشخص الذي يحقق الإجماع الذي حققه السبسي، في 2014».
من جهته، يرجح الباحث الاجتماعي هشام الحاجي، أن السبسي لن يتقدم للترشح لعهدة ثانية. وأضاف أن هناك عاملاً داخلياً يتمثل في حصيلة العهدة (الولاية) الرئاسية الأولى التي لم تكن في مستوى التوقعات سواء بالنسبة لعموم الناخبين أو للنواة الصلبة التي صوَّتت للسبسي ونداء تونس، في 2014.
وقال الحاجي: «السبسي، وعد ناخبيه بأن يكون في قطيعة سياسية مع النهضة، رغم أنه يدرك أن ذلك مستحيل من الناحية العملية».
رفع التجميد عن الشاهد.. مناورة في الوقت الضائع
وزاد الحاجي بأن «السبسي يخشى الهزيمة في الانتخابات الرئاسية القادمة ينهي بها حياته السياسية، وهو أمر لا يليق بتجربته ولا بتاريخه». وبحسب نتائج لنوايا التصويت في الرئاسيات نشرتها مؤسسة سيغما كونساي (خاصة)، منتصف مارس/آذار الماضي، جاء الشاهد في المرتبة الأولى بـ19.3٪ من نوايا التصويت، في حين تقاسم السبسي المرتبة السادسة مع الناطق باسم الجبهة الشعبية (يسار) حمة الهمامي، بـ6.7٪ من نوايا التصويت.
أما دعوات السبسي المتكررة للشاهد بالعودة إلى «نداء تونس»، وطلبه رفع التجميد عنه في الحزب، الأمر الذي استجاب له مؤتمر الحزب، السبت الماضي، فيرجح الخبراء أنها مناورة من رئيس البلاد لبعث روح جديدة في حزب أنهكته الانقسامات منذ 2015.
ويرى المحلل بوعجيلة أن «ثمة إحساساً واضحاً لدى التونسيين أن النداء، بالصورة الحالية، لن ينجح في الرجوع كقوة سياسية تُجمِع مثلما كان في 2014، لأن منهجية نجل الرئيس (حافظ قايد السبسي) ومحيطه، لا يمكن أن تخلق قدرة تعبوية كتلك التي كانت في الانتخابات السابقة».
واعتبر أن «هناك اعترافاً بأن الشاهد، ومشروعه (حزب تحيا تونس) ونوعية الأسماء التي تقف معه والقوى التي تدعمه داخلياً وخارجياً، تجعل منه لاعباً مهماً».
الشاهد شقَّ طريقه بعيداً عن السبسي
واعتبر بوعجيلة دعوة السبسي للشاهد، بالعودة للنداء، رغم الخلافات بينهما، «مناورة ليعيد إعطاء إشعاع جديد للحزب، وقطع الطريق على تشكّل القوة الأخرى الموازية له».
ولفت الباحث التونسي إلى أن السبسي يحاول إنجاز توليفة جديدة في انتخابات أكتوبر/تشرين الأول 2019. أما الحاجي فأوضح أن «كلمة السبسي، مؤخراً، والدعوة الصريحة في افتتاح مؤتمر نداء تونس، ورقة دعمت الشاهد، أكثر مما تورطه لإرجاعه للحزب»، مشيراً إلى أن الدعوة «جاءت متأخرة جداً، فالشاهد شقَّ طريقه، وله حركة وحكومة وتواجد في المشهد السياسي، وعمليات سبر الآراء تبين أن وضعيته أفضل من الباجي».
ورجح الحاجي أن ما قام به السبسي «شكل من أشكال الإحساس بالخطأ، والرغبة في إعادة ترميم النداء». كما أنه «رغبة في تصفية الحسابات مع حركة النهضة (68 نائب) بعد التوافق مع الشاهد، لكن الأوان فات السبسي لتعديل الكفَّة لقلب الأوضاع» بحسب تعبيره.
وفي 7 أبريل/نيسان الجاري، أظهرت نتائج استطلاع رأي نُشرت، تقدم النهضة بـ24.3% وحل ثانياً لأول مرة حزب الشاهد «تحيا تونس» بـ16.8%، وجاء «نداء تونس» ثالثاً بـ16%.
«التصويت المفيد».. تجربة لا تنجح كل مرة
يرى بوعجيلة أن «هناك رغبة للسبسي في إعادة صياغة تجربة 2014، عندما مكّن «التصويت المفيد» من جمع كل قوى النظام القديم والرافضين للنهضة (إسلامية التوجه) للتصويت لنداء تونس، إذا سحب الشاهد إلى صفّه».
وفي انتخابات 2014 التشريعية، مكن «التصويت المفيد» لصالح نداء تونس من فوز هذا الأخير بالانتخابات بحصوله على 86 مقعداً في مجلس النواب (تقلص عدد مقاعده إلى 40 بفعل الانشقاقات) في حين حلت النهضة في المرتبة الثانية بـ69 مقعداً (أصبحت الأولى حاليًا).
إلا أن بوعجيلة قال إن «النجاح في جمع الفرقاء ضد النهضة يتعلق بخيارات قوى غير الشاهد والسبسي». وأضاف: «إذا كان رعاة الانتقال الديمقراطي -داخليين وخارجيين- يرون أنه من المفيد إعادة استقطاب النهضة والنداء، يمكن أن تنجح العملية، أما إذا رأوا أنه لا داعي لذلك، والأفضل أن تتقدم أطراف 2014 كلّ وحزبه، ويتحالفون بعد الانتخابات، فإن هذا يصبح وارداً».
وأوضح بوعجيلة أن «الرعاة الداخليين هم مجموعة القوى المالية والأجهزة وقوى موجودة داخل الدولة ونخب الدولة المدنية، الذين انحازوا للنداء في 2014 ضد النهضة، وظهر أنهم يدعمون الشاهد كعنوان جديد لحزب الدولة».
أما الرعاة الخارجيون فهم القوى الدولية الراعية للانتقال الديمقراطي التي حرصت على الحوار الوطني (في 2013)، والتوافق بين النهضة والنداء (بعد انتخابات 2014)، وساعدت في الانتقال الديمقراطي التونسي، مثل الأمريكان والألمان والإنجليز والفرنسيين والجزائريين، الذين من مصلحتهم استقرار تونس».
«النهضة» مطمئنة بعكس خصومها
تجميع القوى المضادة لحركة النهضة، بحسب الحاجي، «كان صالحاً قبل 5 سنوات، لكنْ الآن التونسيون يريدون حصيلة التصويت المفيد، الذي ظهر أنه غير مفيد، ويريدون برامج».
وأضاف الحاجي: «في كل الحالات كيف ندعو لمثل هذا التصويت المفيد، وبعد ذلك بحكم الدستور وطبيعة الانتخابات تجد نفسك مجبراً على التعامل مع حركة النهضة في مجلس نواب الشعب».
وخلص إلى أن «التصويت المفيد أصبح شعاراً فاقداً للمعنى بكل المقاييس».
وفي ذات الاتجاه، قلّل بوعجيلة من تأثر دعوات الوحدة لمواجهة النهضة في الانتخابات «فالنهضة لاعب رئيسي لا تقلقها الوحدة ولا التفرق، وما يقلقها هو ارتفاع منسوب العداء في مواجهتها فقط، والعودة إلى وضعية الاستقطاب الثنائي لعام 2014، خلال انتخابات الخريف القادم».
واستدرك أن «هذا أيضاً لا يقلق النهضة ولم تعد تخشاه، فهي كسبت ثقة قوى الدولة، التي أدركت أن النهضة لا تمثل خطراً على مدنية الدولة».
وختم بوعجيلة بالقول إن «النهضة بذلت جهداً دولياً إلى درجة أنها أصبحت آمنة في المشهد الدولي المؤثر في تونس، وتبقى فقط الإمارات وبدرجة ثانية السعودية، تعاديان النهضة»، بحسب قوله.