يمثل مبنى الكنيسة (تم إنشاؤها خلال الفترة من 1163 – 1345م) تحفة فنية من العمارة القوطية (مرحلة من العمارة الأوروبية ) التي سادت القرن الثاني عشر حتى بداية القرن السادس عشر.

دمرت الثورة الفرنسية تماثيلها وحولتها مخزن نبيذ.. قصة كنيسة نوتردام التي حاربها الثوار (صور)

حالة الحزن الشديد التي عمّت فرنسا عقب تدمير كنيسة نوتردام، أحد أشهر المعالم التاريخية وسط العاصمة باريس، يعكس رمزية المعلم وأهميته للفرنسيين، فما هي قصة تلك الكنيسة التي يزورها يومياً 30 ألف شخص؟

 

 

المعلم الثاني الذي يعتبر رمزاً فرنسياً هو برج إيفل، فإذا ما علمنا أن البرج لا يزيد عمره عن قرن واحد بينما نوتردام تتخطى 9 قرون يتضح لنا مدى أهميتها، وهو ما عبر عنه الرئيس إيمانويل ماكرون بقوله: «أنا حزين لرؤية جزء منا جميعاً يحترق»، مشيراً إلى الكاتدرائية.

 

متى وكيف بدأت القصة؟

 

بعد انتخاب موريس دي سولي كأسقف لباريس عام 1160 ميلادية اقترح هدم كنيسة سانت إتيان التي كانت تقع على نهر السين في نفس مكان نوتردام وكان عمرها 400 عام وقتها، وبناء كنيسة فخمة تليق باستقبال البابا وإقامة المراسم البابوية، ومن هنا كانت البداية، وذلك بحسب التاريخ الرسمي للكاتدرائية.

 

 

والسبب الرئيسي هنا هو أنه بعد أن أصبحت الكنيسة في باريس «كنيسة الرعية من ملوك أوروبا»، اعتبر الأسقف سولي كاتدرائية سانت إتيان التي أنشئت في القرن الرابع، لا تليق بدورها النبيل، وقد هدمت بعد وقت قصير من توليه لقب «أسقف باريس».

 

 

ومن أجل البدء بتشييد كاتدرائية ضخمة تليق بالوضع الجديد، تم هدم البيوت المحيطة بالكاتدرائية القديمة ووضع خطة تطوير للمنطقة بأسرها.

 

 

وبدا تشييد الكاتدرائية عام 1163م، وكانت مشروعاً ضخماً شمل تطويراً حضرياً للمنطقة كلها، واستمر بناء الكاتدرائية ما يقرب من القرنين من الزمان حتى اكتملت.

 

يبلغ ارتفاع الكاتدرائية عند أعلى نقطة فيها 130 متراً وعرضها 48 متراً، ويبلغ قطر النوافذ الوردية فيها 10 أمتار، وقطر أعمدة نوتردام يبلغ 5 أمتار.

 

تعرّضت الكاتدرائية على مدار تاريخها الطويل إلى محطات صعبة، أبرزها في القرن السابع عشر أثناء حكم لويس الرابع عشر، حيث تم إدخال تعديلات كبيرة منها استبدال النوافذ الزجاجية الملونة بزجاج عادي وتم هدم أحد أعمدة المدخل الرئيسي لتوسيع بوابة الدخول حتى تمر منها العربات.

 

 

مخزن للنبيذ والطعام

 

رسم توضيحي لنابليون أثناء تنصيبه امبرطورا من نوتردام

لكن فترة الثورة الفرنسية كانت من أصعب الفترات على نوتردام، حيث قام الثوار بهدم 28 تمثالاً أثرياً لملوك داخل الكاتدرائية بسبب كراهية الملكية واعتبار الكاتدرائية رمزاً للأرستقراطية التي قام الشعب بالثورة عليها، وتقريباً لم ينجُ من التدمير سوى تمثال لمريم العذراء، كما قام الثوار الغاضبون بإسقاط قمة البرج الأصلية التي تعود للقرن الثالث عشر وفيما بعد حولوا الكاتدرائية مخزناً للطعام والنبيذ، بحسب موقع مؤسسة نابليون.

 

وفي عام 1801 تم توقيع اتفاقية أعيدت بموجبها كاتدرائية نوتردام إلى الكنيسة الكاثوليكية واختارها نابليون مكاناً لتنصيبه امبراطوراً لفرنسا، ومنذ ذلك الحين أصبحت المقر الرسمي للاحتفالات الإمبراطورية.

 

 

وقد قام رجال بونابرت بتغطية المعمار الغوثي للكاتدرائية بالأقمشة التي جعلتها أشبه بمعبد يوناني وقت تنصيبه إمبراطوراً.

 

 

فيكتور هوغو أنقذ نوتردام

 

 

وظلت الكاتدرائية تعاني من التقلبات والإهمال حتى ألف فيكتور هوغو، الروائي الفرنسي الأبرز، روايته «أحدب نوتردام» التي نُشرت عام 1831، فعاد الاهتمام للمبنى القابع وسط باريس.

 

 

وهذا ما ساعد المهندس المعماري إيوجين إيمانويل على القيام بعملية ترميم كبرى بدعم من المسؤولين في باريس وبدأ المشروع الضخم عام 1834 واستمر لمدة عقدين من الزمان لتستعيد الكاتدرائية عظمتها وجمالها الذي أتت عليه النيران في مشهد حزين الإثنين 15 إبريل/نيسان 2019.

 

 

وعلى مدى القرن ونصف التي تلت استعادة نوتردام لوضعها كرمز لفرنسا، رغم عدم تعرضها لأضرار أثناء الحربين العالميتين والأحداث الأخرى التي شهدنها أوروبا، إلا أن عمليات الصيانة والترميم بما فيها تنظيف الزجاج الذي استغرق 10 سنوات، على سبيل المثال، إضافة للتغيرات المناخية جعل آثار الزمن تبدأ في الظهور على المبنى.

 

 

والحريق الذي تسبب في تدميرها وقع أثناء عملية الترميم واسع النطاق في الفترة الحالية، حيث إنه في عام 2017، كتبت صحيفة The New York Times الأمريكية أن الكاتدرائية في حاجة ماسّة للتحسينات؛ فعوامل الطقس والزمن قد أثّرا بشكل هائل على المبنى. وقد تم استبدال المنحوتات الأصلية بأخرى بلاستيكية، حيث كان الحجر الجيري ينهار بمجرّد اللمس.