ترجمة: عربي بوست
«شكراً ترامب على كذبك»، بهذه الكلمات اختتم مؤرخ أمريكي مشهور مقالاً له يُخلص فيه إلى أن الفائدة الرئيسية لهذا العهد أن ترامب حطم الخرافات التي كان يؤمن بها كثير من الأمريكيين.
إذ يقول أندرو باسيفيتش المؤرخ الأمريكي المتخصص في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية في مقال نشره في موقع Lobe Log الأمريكي، إن دونالد ترامب، الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة يعد كاذباً وقحاً، ولكن من ناحية أخرى، تقدم رئاسته دعوةً مفتوحة إلى الأمريكيين لمواجهة الخرافات المتعلقة بالطريقة الفعلية لسير الأمور في بلادهم.
فدونالد ترامب فنان هراء من الدرجة الأولى، لكنَّ كل فنٍّ يعكس الزمن الذي أنتجه، وهذا ما ينطبق على فنِّ ترامب، فداخل كل الفضلات القذرة تكمن شذرات الحقيقة، حسب تعبيره.
ترامب حطم الخرافات التي كان يؤمن بها كثير من الأمريكيين
فقبل أن يدخل ترامب مركز السياسة الأمريكية، كانت هناك مؤشرات كثيرة على أن الأمور انحرفت في الأساس.
لكنَّ لم ينقلب السحر على الساحر إلَّا عند انتهاء الانتخابات الرئاسية الماضية في عام 2016، فمع وصول ترامب وإدارته إلى السلطة، اتضح أنَّ الكثير من الافتراضات التي كانت مقبولة حتى تلك اللحظة على أنَّها صحيحة ليست كذلك على الإطلاق.
ويستعرض المؤرخ الأمريكي سبعة أمثلة توضيحية عن الخرافات التي حطَّمتها رئاسة ترامب تماماً وإلى الأبد.
الخرافة الأولى: غرض الحكومة هو تلبية المصلحة العامة
في السياسة الأمريكية الحديثة، لم يعد مفهوم المصلحة العامة له أي معنى عملي. وهذا الحال مستمرٌ منذ عقود. قد يُجدي هذا المصطلح نفعاً في المناسبات الاحتفالية والعناوين الافتتاحية وهذا النوع من الفعاليات، لكنَّه لا يُطبَّق في الشؤون الفعلية للحكم.
فمتى أصبحت السياسة على المستوى الوطني لعبةً ذات مُحصِّلة صفرية؟ هل كان ذلك في أثناء رئاسة الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون؟ أم بيل كلينتون؟ مع أنَّ هذا السؤال قد يكون ذا أهمية أكاديمية، لكنَّ الأهم هو حقيقة أنَّه مع وجود ترامب في البيت الأبيض، ليست هناك حاجةٌ إلى التظاهر بخلاف ذلك.
بل إنَّ شعبية ترامب بين «أنصاره» تنبع جزئياً من تصويره الصريح لخصومه السياسيين على أنَّهم قوى معادية وليسوا مُعارضين مخلصين. وبدورهم لم يقف منتقدو ترامب متفرجين، بل صاروا يكرهون الرئيس وأي شخص في إدارته -بعد رحيل عدة جنرالات- كرهاً بلا حدود.
يبدو أنَّ قاعدة ميتش ماكونيل (سياسي جمهوري) صارت عقيدة: هناك فريقٌ واحد فقط هو الذي يفوز، لذا ليس هناك شيءٌ أهم من فوز فريقي. أمَّا التنازلات والحلول الوسط، فهي للضعفاء.
الخرافة الثانية: الحُكم الرشيد يستلزم مسؤوليةً مالية
وهذا واحدٌ من أقدم الشعارات في السياسة الأمريكية الحديثة: فالديموقراطيون العبثيون يفرضون الضرائب وينفقون أموالاً طائلة، أمَّا الجمهوريون العقلاء، فيدافعون عن الميزانيات المتوازنة.
هكذا أدعى الرئيس الأسبق رونالد ريغان، في ظل سعيه إلى تقليص العجز الهائل الذي حوَّل الولايات المتحدة من الدائن الأول في العالم إلى المدين الأكبر فيه.
ثم أتى جورج بوش الابن وأصرَّ على تنفيذ وعد ريغان، لكنَّ العجز ارتفع أثناء رئاسته، وتجاوز في نهاية المطاف تريليون دولار سنوياً. ولم تُقدِّم اعتذاراتٌ آنذاك، بل أعلن نائب بوش أنَّ «العجز غير مهم».
ثم جاء ترامب بعد ذلك بفترة، ومارَس الطقوس الجمهورية المعتادة متعهداً ليس فقط بتحقيق التوازن في الميزانية، بل سداد الدين الوطني بأكمله في غضون ثماني سنوات. وكأنَّ هذه ستكون مهمة سهلة جداً.
لكنَّ العجز المتوقع في السنة المالية الحالية سيتجاوزتريليون دولار مرةً أخرى في ظل اتجاهه نحو مواصلة الارتفاع بشدة. وكل ما فعلته وسائل الإعلام هو أنَّها أشارت إلى ذلك إشارةً موجزة ثم انتقلت إلى تغطية موضوعات أخرى.
وهذه هي الحقيقة المجردة التي يدعونا ترامب إلى التفكير فيها، وهي أنَّ كلا الحزبين يشعر بارتياحٍ كبير تجاه إنفاق أموالٍ طائلة.
فالديمقراطيون هم بالفعل حزب فرض الضرائب والإنفاق، كما قال ريغان. لكنَّ الحزب الجمهوري كذلك هو حزب الإنفاق الهائل بالقدر نفسه، إن لم يكن أكثر (لاسيما على البنتاغون)، مع تقديم تخفيضات ضريبية هائلة للأثرياء.
الخرافة الثالثة: العدالة عمياء
أكَّد ترشيح بريت كافانو للمحكمة العليا والخلافات المحيطة بالموافقة عليه تأكيداً قاطعاً ما كان يغض الجميع عنه البصر منذ عام 1987، على الأقل حين مُنع روبرت بورك (قاض جمهوري شهير) من الحصول على مقعد في المحكمة، وهو أنَّ المحكمة العليا أصبحت مكاناً لخدمة الأجندة الحزبية.
فالمحكمة العليا في الواقع تعد بمثابة هيئةٍ تشريعية ثالثة، تتألف من أعضاء غير منتخبين يستمرون فيها مدى الحياة، وتكون مسؤولة أمامها فقط. وهذا ما يؤمن به الأمريكيون الناشطون سياسياً من جميع التيارات.
أمَّا من يُصدِّق أنَّ العدالة تُطبَّق بحيادية فأولئك هم الأشخاص الذين ما زالوا يؤمنون بصحة القصص الخرافية.
ونتيجة لذلك، أصبح الوضع الآن أشبه بأنَّ قضاة المحكمة العليا يرتدون علاماتٍ غير مرئية على أرديتهم السوادء، تُحدِّد ما إذا كانوا ليبراليين أو محافظين منحازين، في الواقع، إلى الحزب الديمقراطي أو الجمهوري. وفي القضايا الساخنة -مثل حقوق حمل السلاح وحقوق الإجهاض- تكون مهمتهم هي التصرف من هذا المُنطلق.
ومن ثَمَّ، يُثار رعبٌ شديد حين لا يسير أحد أعضاء المحكمة وفقاً لتلك التوقعات، كما حدث عندما صوَّترئيس المحكمة العليا جون روبرتس لمصلحة قانون الرعاية الصحية بأسعار معقولة.
لذا يتدخل كلا الحزبين في تعيين أعضاء المحكمة بجرأةٍ كبيرة، دون حرج أو أسف. وفي السنوات الأخيرة، فعل ميتش ماكونيل والجمهوريون في مجلس الشيوخ -الذين منعوا عشرات القضاة الذين رشَّحهم أوباما من الوصول إلى المحكمة العليا بل منعوا حتى النظر في ترشيح ميريك غارلاند لها- ذلك بمهارةٍ كبيرة. لكنَّ الديمقراطيين ينتظرون فرصتهم كذلك لفعل الأمر نفسه. ومن ثَمَّ، لا بد ألَّا تتقاعد القاضية روث بادر غينسبرغ (قاضية ينظر لها أنها ليبرالية)، المريضة البالغة من العمر 86 عاماً، حتى يفوز شخصٌ من الحزب الديمقراطي بالرئاسة مرةً أخرى.
والأهم من ذلك، أنه لا اليمين ولا اليسار يعترفان بإمكانية أنَّ القضاء المُسيَّس -مهما كان مفيداً في دفع أجندةٍ حزبية- قد لا يخدم مصالح الأمة الأمريكية على المدى البعيد.
الخرافة الرابعة: «أعضاء نخبة المستشارين» حكماء حقاً
للحفاظ على أمن أمريكا، وحماية المصالح الأمريكية الأساسية، وتعزيز السلام، سعى الرؤساء الأمريكيون منذ الحرب العالمية الثانية إلى المشورة والنصح من مجموعةٍ صغيرة متجددة ذاتياً، تضم مُطَّلعين على شؤون السياسة الخارجية، لديهم معرفة متخصصة حول كيفية سير شؤون العالم ودور أمريكا الصحيح تجاه ذلك العالم.
ولكن في الستينات من القرن الماضي، وبفضل الحرب الكارثية في فيتنام، تشوهت سمعة هذه المجموعة من «الحكماء». لكنَّها لم تنتهِ على الإطلاق، بل عادت عودةً قوية في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، وصارت صفوفها تضم الآن نساء. ومن بين الكوارث التي نجمت عن تلك العودة الحروب في أفغانستان والعراق وليبيا وسوريا.
وحين كان ترامب مرشحاً رئاسياً، أوضح ازدراءه لهذه النخبة. لكنَّه مخادع، إذ يستعين الرئيس الأمريكي الآن بنخبةٍ رديئة تضم «أفضل وألمع» المستشارين على حد قوله، من بينهم مستشار للأمن القومي يؤمنَّ بأنَّ «قصف إيران هو الحل لمنعها من صناعة قنبلة نووية»، ووزير خارجية يستمد مفهومه عن التاريخ من الكتاب المقدس، وقائم بأعمال وزير الدفاع مُعارٌ من شركة بوينغ يُقال إنَّه يقضي وقته في محاولةإيذاء منافسي شركته السابقة، ومديرة لوكالة الاستخبارات المركزية رقيت عبر المناصب من خلالإشرافها على غرف تعذيب سرية.
وربما يحمل أفراد هذه العصبة جميع التصاريح الأمنية المطلوبة، ولكن هل لديهم تفكيرٌ سليم أو بصيرة؟ ربما من الأفضل للمرء أن يستشير مجموعةً من طلاب السنة الثانية في الكلية على أقل تقدير ولا يستشير هؤلاء. ولكن بسبب ترامب، سوف يستمر السُّذَّج فقط في الاعتقاد أنَّ مؤسسة السياسة الخارجية لديها الحكمة.
الخرافة الخامسة: منطقة الخليج تمثل مصلحة حيوية للأمن القومي الأمريكي
منذ عقود زمنية، يتشدق الأمريكيون بهذا الشعار، لكنَّ النتائج غير مُرضية. إذ قيل لنا إنَّ السيطرة على الخليج أمرٌ ضروري للحفاظ على أسلوب حياتنا. ولكن عند تجريد هذه الحجة من المظاهر الخارجية، يتضح جوهرها، وهو أنَّ هذه المنطقة غنية بالنفط ونحن بحاجةٍ إليه.
وفي الواقع، نحن لسنا بحاجة إلى نفطهم. فهناك الكثير من النفط لدينا، أي في منطقة «أمريكا السعودية».
وعلاوة على ذلك، فحرق كل هذا النفط يُسرِّع من التغير المناخي، الذي يشكل تهديداً مباشراً أكبر لرفاهية الشعب الأمريكي أكثر من أي شيء يحتمل حدوثه في الخليج.
وفي الوقت نفسه، أسفرت عدة عقود من التدخل الأمريكي في تلك المنطقة عن عكس ما وعد به صانعو السياسة. فبدلاً من إرساء النظام، هناك حالةٌ من عدم الاستقرار، وبدلاً من تحقيق الديمقراطية، هناك استبداد، وبدلاً من تحقيق السلام، انتشر الموت والدمار. وعند حساب الأرواح المفقودة والكنوز المُهدَرة، يتضح أنَّ التكلفة التي تتحملها الولايات المتحدة هائلة.
ويُحسَب لترامب أنَّه أوضح الآن الأساس الفعلي لاستمرار اهتمام الولايات المتحدة بهذا الجزء من العالم، وهو أنَّ السعودية، وكذلك دول الخليج الأخرى، لديها نهمٌ لا ينتهي للأسلحة المصنوعة في الولايات المتحدة الأمريكية.
إذاً، فالأمر كله متعلق بالأموال، ولا يمكننا السماح لروسيا أو الصين بالتدخل في سوقنا. أي أنَّ الخليج يُمثِّل مصلحة مهمة فقط للمجمع الصناعي العسكري والمرتبطين به، لقد أراحنا ترامب من عبء الاضطرار إلى التظاهر بخلاف ذلك. فشكراً سيدي الرئيس.
الخرافة السادسة: احتمالات تحقيق سلام بين إسرائيل وفلسطين تعتمد على واشنطن كوسيط أمين
وهنا كذلك يجب أن نعطي ترامب حقه؛ إذ كشف بشكلٍ حاسم أنَّ عملية السلام بأكملها مجرَّد وهمٍ واحتيال.
فبتحقيقه الوعد الذي قطعه الرؤساء الأمريكيون السابقون بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، واعترافه بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان، نجح ترامب في إزالة آخر بقايا تظاهر أمريكا بدور الوسيط الأمين، واتضح أنَّها منحازةٌ إلى جانبٍ واحد فقط في هذا النزاع الملتهب، كما هي الحال منذ ستينات القرن الماضي على الأقل.
ولكن لا يجب أن تكون هناك أي غرابة في معرفة ذلك، فرغم كل شيء، واصلت الولايات المتحدة طوال عقودٍ تزويد إسرائيل بغطاء دبلوماسي في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وفي أماكن أخرى، إلى جانب منحها هديةً سنوية من الأسلحة بمليارات الدولارات، بينما يدفع العملاء الآخرون قيمة الأسلحة، بالإضافة إلى تنافُس قطعانٍ من الساسة غير اليهود مع بعضهم بعضاً على إعلان حبهم الدائم وولائهم الخالد لبلدٍ غير بلدهم، أي أننا أمام ولاءٍ مزدوج.
وفي أثناء ذلك، يُبدي جاريد كوشنر، صهر ترامب، نشاطاً كبيراً في السعي إلى إبرام صفقةٍ وصفها ترامب نفسه بـ «أصعب الصفقات». وربما ثمة عبقرية في اللجوء إلى الهواة حين يفشل المحترفون. وإذا نجح كوشنر في مساعيه، فسنتساءل لماذا لم يُرسِل ريتشارد نيكسون ابنته تريشيا إلى باريس للتفاوض على إنهاء حرب فيتنام، ولماذا لم يُرسل جيمي كارتر زوجته روزالين إلى طهران لحل أزمة الرهائن.
ومع ذلك، وبغض النظر عن نجاح كوشنر من عدمه، فبفضل ترامب يمكننا الآن أن نجزِم بأنَّ الولايات المتحدة منحازة تماماً إلى إسرائيل، الآن وإلى الأبد.
الخرافة السابعة: الحرب استمرارٌ للسياسة بوسائل أخرى
اعترفت أجيالٌ من الرؤساء والضباط العسكريين الأمريكيين بأنَّهم يؤمنون بهذه المقولة التي ذكرها المُنظِّر العسكري البروسي كارل فون كلاوزفيتز.
ولكن في القرن الحالي، اتضح أن التحدي المتمثل في جعل القوة المسلحة هادفةً سياسياً أمرٌ مخيف. وأوضح مثالٍ على ذلك هو الحرب الأمريكية التي لا تنتهي في أفغانستان.
لكنَّ الأمريكيين تعلَّموا عدم الاكتراث بهذه الحرب التي تعد هي الأطول في تاريخنا، تماماً مثل مجموعة من إعلانات الإنترنت التي تتجاهلها أعيننا تلقائياً. ونظراً إلى أنَّها سُميِّت في الأصل «عملية الحرية الدائمة»، فقد استمرت بالطبع.
وجديرٌ بالذكر أنَّ هذه الحرب بدأت عندما كان خريجو المدارس الثانوية في العام الجاري ما زالوا أطفالاً رُضَّعاً خارجين للتو من أرحام أمهاتهم.
ومن حيث الطول الكلي، فهي في طريقها إلى تجاوز إجمالي مُدد الحرب الأهلية التي استمرت منذ عام 1861 إلى عام 1865، ومشاركة الولايات المتحدة في الحربين العالميتين من عام 1917 إلى عام 1918، ومن عام 1941 إلى عام 1945، والحرب الكورية من عام 1950 إلى عام 1953، وحرب فيتنام من عام 1965 إلى عام 1973.
ومن جانبه لم يُبدِ البنتاغون قط اهتماماً كبيراً بحساب التكاليف التراكمية للحرب. وبينما يبذل الباحثونقصارى جهدهم لحساب الإحصاءات المتصاعدة باستمرار، لا تحظى إحصاءاتهم بأي أهمية سياسية.
وفي حين أنَّ الديمقراطيين في الكونغرس قد جنَّ جنونهم بشأن بضعة مليارات من الدولارات يريد ترامب إهدارها في بناء جداره العازل، هناك قلةٌ من أعضاء كلا الحزبين تهتم بمئات المليارات التي تُهدَر في أفغانستان. وتماماً مثل لعبة Energizer Bunny، تستمر الحرب هناك في أفغانستان لكن دون وجهةٍ محددة.
وفي خطاب حالة الاتحاد في وقتٍ سابق من العام الجاري، رأى ترامب أنَّ «الدول العظمى لا تخوض حروباً بلا نهاية».
وفي الحقيقة كان ذلك تصريحاً يستحق الثناء؛ إذ أوضح ترامب بشكلٍ قاطع أنه يريد الخروج من أفغانستان وسوريا، وأنَّ ذلك من الأفضل أن يحدث سريعاً. وقد قال ما معناه: نحن مغادرون بسرعة، إلى اللقاء، سنرحل إلى الأبد.
لكن كما هي الحال في كثير من الأحيان مع هذا الرئيس، لم تُترجم الكلمات إلى أفعال؛ لذا وعلى عكس نيات ترامب المُعلنة بوضوح، يخطط البنتاغون للإبقاء على 7 آلاف جندي أمريكي في أفغانستان من ثلاث إلى خمس سنوات أخرى، مع الحفاظ على وجودٍ نشطفي سوريا، أي أن الحروب غير المنتهية لن تنتهي قريباً.
وهناك درسٌ ينبغي تعلمه هنا، وهو أنَّ كبار الضباط العسكريين لا يعصون رئيسهم علانيةً -لا سمح الله- لكنَّهم طوروا مجموعةً من الحيل على مرِّ عقود لإحباط نيِّات أي رئيس. وعشية تنحِّي الرئيس الأمريكي الأسبق دوايت آيزنهاور عن منصبه في عام 1961، ظهر في التلفزيون الوطني ليخبر الشعب الأمريكي بكيفية حدوث ذلك.
ويُحسَب للجيل الحالي من الجنرالات أنَّهم ذهبوا إلى أبعد من ذلك، إذ قلبوا مقولة كلاوزفيتز بصورةٍ لافتة للنظر؛ فالهدف السياسي الواضح لم يعد شرطاً سابقاً ضرورياً لاستمرار الحرب، ولكن ما دام الجنرالات (والمدنيون المؤمنون بالعسكرة) يريدون عدم انتهائها، فهذا سببٌ كاف لاستمرارها. والرئيس سيرضخ لرغبتهم.
ومن ثَمَّ، يمكننا أن نشكر ترامب على كشفه، دون قصد، حقيقة العلاقات بين المدنيين والعسكريين في واشنطن في القرن الحادي والعشرين: وهي أنَّ القائد العام للجيش ليس قائداً بالفعل.
وصحيحٌ أنَّ المؤرخين لن يُصنِّفوا ترامب أبداً على أنَّه رئيسٌ عظيم أو حتى متوسط، لكنَّهم ربما يُقدِّرون حقبته يوماً ما باعتبارها اللحظة التي اتضحت فيها أشياء لطالما كانت خفية، وأصبحت فيها الأكاذيب والاختلاقات والافتراضات القديمة التي كانت مقبولة على نطاقٍ واسع حتى فترة رئاسته حول الديمقراطية الأمريكية واهية أخيراً.
ويختتم المؤرخ الأمريكي مقاله قائلا «لذلك، إذا لم يكن لأي شيء آخر، ربما يكون لدينا سبب لشكر رئيسنا الرابع والخمسين على خدماته التي قدَّمها لنا».