لأول مرة في التاريخ.. اللغة العربية في استطلاع رأي بأمريكا، لكن لماذا يقلق المسلمون من هذا الإجراء؟

ترجمة: عربي بوست

قررت الحكومة الفيدرالية للولايات المتحدة، لأول مرة، طرح الأسئلة وجمع الاستجابات من أجل التعداد السكاني 2020 باللغة العربية، التي تعتبر واحدة من أسرع اللغات نمواً حول البلاد.

وتكمن الفكرة وراء إضافة اللغة العربية الفصحى الحديثة إلى خيارات اللغات المتاحة بالفعل لدى مكتب تعداد الولايات المتحدة -التي تتضمن الإنجليزية والروسية والكورية والفيتنامية- لتسهيل المشاركة في عملية الإحصاء على المتحدثين باللغة العربية، بحسب تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.

وسوف يصل إجمالي اللغات المستخدمة لجمع أجوبة الأشخاص إلى 13 لغة. وبينما تُستخدم الإنجليزية والإسبانية مع النماذج الورقية، سوف تُستخدم اللغة العربية واللغات الجديدة الأخرى فقط عبر النماذج الإلكترونية (من خلال الإنترنت) أو الشفهية (من خلال التليفون).

زيادة الأسر العربية في أمريكا

يقول مكتب تعداد الولايات المتحدة إن إضافة لغات مثل العربية سوف يضمن مزيداً من الدقة في عملية الإحصاء؛ نظراً إلى أن عدد الأسر ذات الأصول العربية يتجاوز 511 ألف أسرة، استناداً إلى التعداد الخاص به.

ويقدم هذا التعداد دليلاً إرشادياً إلى الحكومة الفيدرالية لتحديد كيفية توزيع الأموال على المدارس والخدمات العامة المحلية الأخرى، ويساعد كذلك في تحديد عدد مقاعد الكونغرس التي ينبغي تخصيصها من أجل كل ولاية.

وقالت سهير عدي، باحثة السياسات في المعهد العربي الأمريكي: «يمكن استخدام البيانات من أجل الدعوة المجتمعية حول القضايا التي نهتم بها. على سبيل المثال: إذا أردنا تدريس صفوف اللغة العربية في المدارس، فثمة حاجة إلى البيانات الدقيقة لمساعدتنا في دعم وجهات نظرنا».

وأضافت: «لا يمكن استثناؤنا من البيانات التي يعتمد عليها صانعو القرار لاتخاذ الخيارات التي تؤثر على حياتنا اليومية. ذلك هو السبب في أننا ساعدنا في إطلاق حملة «يلا ضمني إلى التعداد«، كي نشجع على عملية إحصائية عادلة ودقيقة للعرب الأمريكيين حول البلاد».

وتضمن الحكومة أيضاً بإجراء التعداد أنها تستوفي المتطلبات الدستورية لإحصاء كل شخص في الولايات المتحدة، وهي عملية تنفذها كل 10 سنوات. علاوة على أنها تخفض التكاليف المتعلقة بتعيين موظفي التعداد السكاني الذين يذهبون إلى منازل الأسر لإجراء عملية الإحصاء، بحسب الموقع البريطاني.

يوجد حوالي 1.5 مليون أمريكي من أصول عربية، وأكثر من ثلث هؤلاء لا يتحدثون الإنجليزية «بطلاقة»، حسب الدراسة الاستقصائية للمجتمعات الأمريكية التي يضطلع به مكتب تعداد الولايات المتحدة.

قالت عدي: «هذا الخيار (المتاح) باللغة العربية يزيد من سهولته من أجل الأشخاص الذين يفضلون النماذج عبر الإنترنت ولديهم قدرة على الوصول إليه».

وأضافت: «إنها بكل تأكيد خطوةٌ على الطريق الصحيح وسوف تشجع في المجمل مزيداً من العرب الأمريكيين على ملء (نماذج) التعداد السكاني، لكنها لن توجد حلاً لجميع المشكلات»، مشيرة إلى أن أبحاثاً أجرتها المنظمة في العام الماضي وجدت أن أغلبية العرب الأمريكيين يفضلون استخدام النماذج الورقية.

مخاوف التصنيف

وأسهمت عوامل أخرى في تردد العرب الأمريكيين بشأن المشاركة في التعداد السكاني.

قالت عدي: «أكبر العوامل هو عدم وجود تصنيف، وهو ما يُلاحَظ من خلال إهمال مكتب تعداد الولايات المتحدة في 2018 [إدراج خانة] الشرق الأوسط وشمال إفريقيا».

واجه هؤلاء المدافعون عن إدراج تصنيف الشرق الأوسط وشمال إفريقيا باعتباره انتماء عرقياً، حالة إحباط في العام الماضي عندما قرر مكتب تعداد الولايات المتحدة عدم إدراج هذا التصنيف.

لم يؤد إتاحة التعداد السكاني باللغة العربية لأول مرة إلى تخفيف المخاوف المستمرة منذ مدة لدى العرب الأمريكيين بشأن المشاركة في الإحصاء؛ فطالما اُعتبر أداة لجمع المعلومات الاستخباراتية.

قالت عدي: «أغلبية العرب الأمريكيين يشعرون أن البيانات تُستخدم لتصنيفهم. ويحتاجون إلى ما هو أكثر بكثير من نموذج على الإنترنت باللغة العربية، كي يشعروا بمزيد من الأريحية تجاه ملء نموذج التعداد السكاني».

يخشى كثيرون في الجالية العربية أيضاً من أن تضيف إدارة الرئيس دونالد ترامب سؤالاً يتعلق بالمواطنة، التي تقول إنها ضرورية لتعزيز قانون حقوق المواطنة الذي يحمي حقوق الأقلية في الانتخابات.

قال روبرت مكاو، مدير قسم الشؤون الحكومية في مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية: «سوف تشجع إضافة اللغة العربية إلى التعداد بالتأكيد مزيداً من المشاركين من المواطنين المتحدثين باللغة العربية، مع التنبيه على أن التعداد لا يحتوي على سؤال المواطنة».

كثير من العرب الأمريكيين مسلمون ويخشى مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية من أن يأتي هذا السؤال بنتائج عكسية، مما يقلل احتمالية مشاركة الناخبين في عملية الإحصاء.

وحتى هذه اللحظة، رفضت محكمتان فيدراليتان تبرير الإدارة الأمريكية المتعلق بإضافة هذا السؤال، مما يحول دون محاولتها لمعرفة من يكون مواطناً: بحكم الولادة أو التجنيس. ويتوقع أن تحكم المحكمة العليا حول هذه القضية خلال الصيف.

وحتى بالرغم من أنه من المخالف للقانون مشاركة المعلومات التي جمعها مكتب تعداد الولايات المتحدة مع أي هيئات حكومية أخرى، يخشى كثير من العرب الأمريكيين أن تُستخدم إجاباتهم ضدهم.

سابقة تاريخية تثير القلق

قال مكاو: «يقول مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية إن إدراج سؤال المواطنة لن يحول دون مشاركة المستجيبين في التعداد السكاني وحسب، بل يمكن أيضاً إساءة استغلاله عن طريق إدارة ترامب أو أي إدارة مستقبلية تستهدف الجاليات الإسلامية المتحدثة بالعربية»، بحسب الموقع البريطاني.

وأضاف: «يمكننا رؤية سابقةٍ من الإساءات التي استهدفت الجاليات اليابانية الأمريكية خلال اعتقال أفرادها في الحرب العالمية الثانية»، مشيراً إلى اعتقال المواطنين الأمريكيين ذوي الأصول اليابانية، وهي عملية ساعد فيها مكتب تعداد الولايات المتحدة عن طريق مشاركة بيانات سرية جمعها في تعداد 1940.

يقول المكتب إن هناك إجراءات وقائية معمولاً بها لحماية الأشخاص المشاركين في إحصاء 2020. غير أن انعدام الثقة في الحكومة في خضم الأخبار التي تتناول عمليات الترحيل والانفصال الأسري زادت من المخاوف بين جاليات المهاجرين، ولا سيما الأسر التي تضم غير المواطنين، التي سوف يجري مشاركة معلوماتها مع هيئات إنفاذ القانون.

إضافة إلى انتشار هذه المخاوف جراء تصاعد موجة الإسلاموفوبيا التي اجتاحت الولايات المتحدة و «حظر السفر» الذي فرضته إدارة ترامب على بعض البلاد ذات الأغلبية المسلمة.

علاوة على ذلك، صار ملء الاستمارات حافلاً بالذكريات المخيفة المتعلقة بعملية «التسجيل الخاص» الذي فرضته حكومة الولايات المتحدة على بعض المهاجرين في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول. ففي ذلك العهد، اُنتقد مكتب تعداد الولايات المتحدة لإعطائه وزارة الأمن الداخلي معلومات متاحة للجمهور حول المناطق التي يتركز فيها السكان من العرب الأمريكيين.

قال مكاو: «التعصب الصريح لإدارة ترامب حمل أثراً سلبياً على جميع الأمريكيين. فتخيلوا كيف يبدو الأمر بالنسبة للمشاركين غير المسجلين».