التدخل المفرط يمكن أن يؤدي لعواقب وخيمة على صحة الأطفال النفسية

هل «تدير» حياة أبنائك... "علم النفس" يخبرك لماذا وكيف تكون مستشاراً لهم، لا مديراً (صور)

ترجمة: عربي بوست

مع أن أكثرية الآباء لا يقدرون على دفع رشوة لإلحاق أبنائهم بكليات الصفوة، لكن هذه الحالة المتطرفة توضّح مدى الإغواء الذي يشعر به الكثيرون للتحكم في حياة أبنائهم. لكن نهجاً من التدخل المفرط يمكن أن يؤدي لعواقب وخيمة على صحة الأطفال النفسية وقدرتهم على النمو والازدهار.

وفقاً لموقع HuffPost الأمريكي يقول ويليام ستكسرود، أخصائي علم النفس والأعصاب الإكلينيكي:

«يعتقد هؤلاء الآباء أن أبناءهم عاجزون عن إدارة حيواتهم بأنفسهم. وأظن أنه لا توجد رسالة توجهها لشخص أسوأ من هذه الرسالة «ليس لدي أي ثقة في قدرتك على إدارة شؤون حياتك الخاصة»».

ألف ويليام مع نيد جوهانسون رئيس و»معلم خصوصي» كما يصف نفسه في شركة PrepMatters في العاصمة واشنطن، كتاب «Self-Driven Child: The Science and Sense of Giving Your Kids More Control Over Their Lives»؛ أو «طفل ذو دوافع ذاتية: العلم والمغزى لإعطاء أطفالك تحكماً أكثر بحيواتهم».

نتيجة للتحقيقات الفيدرالية التي أسفرت عن توجيه تهم لعشرات الآباء، تحدث ويليام ونيد مع موقع HuffPost عن أهمية تخلي الآباء عن السيطرة وأن يصبحوا مستشارين لأبنائهم وليس مديريهم. وها هنا بعض القواعد الإرشادية للآباء ينبغي لهم تذكرها.

تفهم قوة التحكُّم

حدد ويليام ونيد في بحثهم أهمية أن يشعر اليافعون بالتحكم في حياتهم الخاصة.

قال ويليام: «لدينا وباء من المشاكل المتعلقة بالتوتر مثل الاكتئاب واضطراب القلق، والكثير منهم مرتبط بحقيقة أن الأطفال يتمتعون بقدر ضئيل جداً من التحكم في حياتهم. هم يشعرون كما لو أن هناك «سيناريو لكيف ستلتحق بالكلية، وكيف ستغدو حياتك في المستقبل» وهذا موتر ومحبط بشكل لا يصدق للكثير من الأطفال».

ليتمتع اليافعون بدافعية ذاتية صحية، فهم بحاجة للشعور بالقوة والاستقلالية الذاتية. لدى الآباء والمعلمين القدرة على تعزيز هذه المشاعر.

ترك الطفل يتولى زمام حياته يعني أن الآباء يجب أن يقل تحكمهم. يمكن أن يمثل هذا تحدياً لأن فقد التحكم يوتر الكثير من الآباء، الذين يتأقلمون بدورهم باغتنام المزيد من التحكم.

قال نيد:

«بطبيعتها هي لعبة يخسر فيها كل الأطراف، الآباء المتوترون والقلقون للغاية قد يفسدون تماماً الدافعية الداخلية لأطفالهم عندما يحاولون تولي مسئولية حيواتهم».

يعتقد نيد أن الحل هو مساعدة الآباء على فهم أن عملية النمو لا تسير في خط مستقيم؛ وبالتالي لا يقلقون على مستقبل أولادهم بكل ذلك القدر.

لكن العقول كما الأجسام تنمو بمعدلات مختلفة، شهدنا العديد من الأطفال كانوا في حالة من الفوضى وهم بعمر 12 أو 17 أو 22، لكن مع نمو عقولهم، ازدهروا. يمكنك القول بأنهم يتأخر نضجهم في مقابل النضج المبكر قبل أوانه في حالات أخرى».

أضاف نيد: «إذا تفهم آباء أكثر هذا، لربما يدركون أنه لا بأس في أن يتعثر أطفالهم في بعض الأوقات.

وسيمكنهم النظر للمدرسة الثانوية كأربع سنوات لمساعدة طفلهم على النمو، عوضاً عن التضحية بكل شيء لمساعدة طفلهم على الالتحاق بتلك الجامعة التي تحتل مكاناً أعلى في الأخبار الأمريكية وتقارير الترتيب العالمية».

كُن مستشاراً لطفلك

قال ويليام: «نحن نرجح أن ينظر الآباء لأنفسهم باعتبارهم مستشارين لأطفالهم، وليسوا مديرين ولا رؤساء ولا أعضاء شرطة الفروض المنزلية.

إنها طريقة مختلفة تماماً للتفكير في دورك. كمستشار ليس دورك أن تجبرهم على أي شيء ولا أن تقول «يجب عليك أن تكون على هذا الحال»، في المقابل ستساعد طفلك على فهم ماذا يريد أن يكون».

ينصح ويليام الآباء بتشجيع أطفالهم على اتخاذ قراراتهم مبكراً قبل سنوات الكلية. من المهم أن تردد باستمرار على نفسك سؤال «حياة من هذه؟» وتدرك أن الإجابة هي «حياة طفلي، ليست حياتي».

دور الوالد المستشار هو عرض المساعدة، لا فرض المساعدة عنوة. بدلاً من التفكير في كل شيء على أنه فائق الأهمية لدرجة لا تسمح بأي عثرة، تفهم أنه يمكن ترك بعض الأخطاء تحدث واكتشاف حلها بعد ذلك.

لا نشجع الإيقاع بهم عمداً لدفعهم نحو الفشل، لكن خذ خطوة للوراء. أخبر طفلك، «إني أحبك أكثر من أن أتشاجر معك حول فروضك المنزلية».

فكر في نفسك باعتبارك مستشار الفروض المنزلية وليس المسئول عنها. العديد من الآباء يتساءلون، (ونتركهم يفشلون وحسب؟) كلا، إني أقول ساعدهم بأي طريقة في استطاعتك، لكن لا تتصرف وكأنها ليست مسئوليتهم هم. لأنك ستضعفهم إن فعلت ذلك».

اسمح لطفلك بممارسة اتخاذ القرارات

يوصي ويليام بإعطاء الأطفال القوة لاتخاذ القرارات منذ سن مبكر. مع الأطفال الصغار يكون الأمر ببساطة سؤالهم:

«هل تريد ارتداء الزي الأزرق أم الأخضر؟» وأن تظهر الاحترام لآرائهم.

يكمل ويليام: «يمكنك أن تقول له «أنت خبير بنفسك، ولذلك أنت تعرف متى تكون جائعاً ومتى تكون شبعان».

عندما يكبر الأطفال تصبح القرارات حول اختيار مدرسة ثانوية مناسبة أو عدد الدروس المتقدمة المؤهلة للكلية التي سيأخذها في العام أو إذا كان سيعمل بوظيفة بوقت جزئي أو كيف سيقضي إجازة الصيف أو هل سيتعلم اللغة الفرنسية أم الإسبانية.

في هذا النوع من الاختيارات الأكاديمية من الضروري لليافعين أن يحظوا بشعور الملكية والذاتية ليشعروا بأنهم مضطرون إلى إثبات أنه كان الاختيار السليم.

يقترح ويليام أن يمنح الآباء أطفالهم الخبرة في إدارة حيواتهم قبل أن يذهبوا للجامعة ويرغموا على ذلك.

دعهم يجدولون مواعيدهم، ويغسلون ملابسهم ويطبخون طعامهم لأنفسهم أو حتى يعملون في وظيفة بوقت جزئي.

يقول ويليام: «ما يفيد الأطفال حقاً هو معاملتهم باحترام. لدى الأطفال عقول في رؤوسهم، وهم يريدون النجاح.

يريدون أن تسير حياتهم على ما يرام. الثقة فيهم ودعمهم أكثر فاعلية وإفادة من التفكير «إننا نعرف ما هو أفضل لهم» ومحاولة إجبار الأطفال أن يتشكلوا وفقاً لقوالبنا.

اجعل وجودك لا يبعث على القلق

كتب إدوين فريدمان، الحبر والمعالج ومستشار القيادة، عن قيمة أن يكون تواجدك لا يبعث على القلق. يعتقد ويليام ونيد أنه نموذج يمكن أن يفيد التربية.

يصبح التعامل مع طفل دارج يمر بنوبة غضب أكثر سهولة إذا ظللت هادئاً. يستفيد الطفل ذو الـ15 عاماً الذي يعود للبيت بعدما رسب في الامتحان أكثر عندما نظل هادئين».

لأن القلق والتوتر يمكن أن يكونا مُعديين، فالاقتراب من اتجاه أن يكون «وجودك لا يبعث على القلق» بنّاء أكثر للأطفال، من رؤية الآباء الذين يستاؤون كثيراً عندما لا تسير الأمور على ما يرام.

تخبر كيم ميتكالف، أستاذة تعليم الطفولة المبكرة وعلم النفس المتقاعدة، موقع HuffPost برأي مشابه.

قالت كيم:

«عندما يخفق الأطفال، شجعهم على الاستمرار وسيبنون مهارات المرونة خلال عملية المثابرة. التشجيع يبدو مختلفاً وله وقع مغاير جداً عن التثبيط، والذي يغرق في اللوم والإغاظة والتعيير والإهانة أو حتى معاقبة الأطفال على الإخفاق».

وأضافت:

«أخبر الأطفال أننا في صفهم، أننا نحبهم ونهتم بأمرهم بغير شروط وأننا موجودون لدعمهم دون الالتفات لأخطائهم».

أَدْرِك أن القبول بالكلية ليس التذكرة الذهبية

لا داعي للقول، إن كثيراً من أنماط التفكير غير الصحية وأسباب الشعور بالضغط لليافعين متعلقة بالتوتر من الالتحاق بالكليات.

قال ويليام:

«الكثير من الآباء والأبناء يتشاركون الأوهام عن فكرة أنك يجب أن تلتحق بإحدى كليات الصفوة لتحظى بحياة ناجحة ومُرضية، وأن التحاقك بإحدى هذه الكليات مُبرر لكل شيء آخر، مهما كان ما اضطررت لفعله كي تلتحق بها ومهما كان ما اضطررت لفعله بنفسك».

وأضاف:

«ربما جزئياً بسبب الثقافة وجزئياً بسبب الآباء وجزئياً بسبب المدارس الثانوية التنافسية التي يذهب إليها الكثير من الشباب، لكن هناك ذلك القدر الهائل من الخوف من عدم الذهاب لكلية ذات مستوى معين، لدى الناس ذلك المعنى بوجود طريقين «كلية ييل أو السجن».

توجد بالطبع مميزات محددة للالتحاق بكليات الصفوة، لكن فكرة أنها ضرورية لتحظى بمسيرة مهنية ناجحة أو حياة تحقق لك الرضا، خاطئة بشكل جلي.

هذا الضغط يؤثر سلباً على صحة اليافعين النفسي؛ لكن الضغط المفرط والمزمن الذي يضعون أنفسهم تحته كما يؤهلهم لتحقيق مستويات مرتفعة فهو يمنحهم اضطرابات نفسية عميقة.

عوضاً عن معاملة القبول في الكليات كأنه التذكرة الذهبية الأساسية لتحقيق حياة سعيدة ناجحة، ينبغي للآباء التركيز على تنشئة أطفال يحظون بعقول سوية وإحساس قوي سليم بأنفسهم.

تصف جولي ليسكوت هايمز، عميدة جامعة ستانفورد سابقاً ومؤلفة كتاب How to Raise an Adult «كيف تربي راشداً» الكثير من طلاب الكليات المتفوقين بأنهم عاجزون وجودياً يقودهم الخوف من الفشل بدلاً من أي حرية ذهنية أو وجدانية.

يقول نيد:

«ينبغي أن تكون المدرسة الثانوية أربع سنوات من تطوير النفس، واكتشاف ماذا تُجيد فعله ومناطق القوة لديك، والعمل على تنمية هذه المهارات. الشباب اليافعون عليهم أن يحاولوا فهم ماذا يريدون أن يفعلوا بطبعهم في مقابل أن يسألوا «هل يبدو هذا جيداً في استمارات التقديم للكليات؟»».

يضيف نيد:

«هناك الكثير من العقبات ستواجه الأطفال وهم يكبرون مثل المرض والطلاق وفقد الوظائف. لو أن أسوأ شيء سيحدث في حياة الطفل أنه لن يلتحق بكلية أحلامه، فما أجمل هذه الحياة!».