اعتبر موقع Al-monitor الأمريكي، أن القاهرة غيرت موقفها من الوضع في السودان، ودعمت المجلس الانتقالي العسكري الحاكم، بعدما كانت تقف مع الرئيس السابق عمر البشير، خوفاً من تأثر القاهرة بالحراك الذي دار في السودان.
وقال الموقع الأمريكي، في تحوّل عن سياستها في الفترة الأخيرة، أيَّدت القاهرة في 11 أبريل/نيسان 2019، إقالة الرئيس السوداني عمر البشير، الذي مكث طويلاً في الحكم. بعد فترة وجيزة من إطاحة الجيش بالبشير، أصدرت وزارة الخارجية المصرية بياناً تُعرب فيه عن دعم مصر لـ «اختيار الشعب السوداني وإرادته»، ودعت فيه المجتمع الدولي إلى «مساندة السودان في عملية الانتقال السلمي للسلطة».
فاجأ البيان بعضَ المحلِّلين؛ نظراً لأن مصر بدت داعمةً للرئيس السوداني في مأزقه خلال الشهور السابقة لإطاحته.
4 أشهر والقاهرة تراقب
لمدة أربعة أشهر تقريباً، استمرَّت القاهرة تراقب الاضطرابات في السودان المجاور عن كثب. فقد أثارت المظاهرات التي طالبت بتنحي البشير في الشوارع السودانية قلقَ حكومة الرئيس عبدالفتاح السيسي، لكن هذا القلق الناجم عن المظاهرات على الحدود الجنوبية لمصر لا يتعلق بكون البشير صديقاً وحليفاً مقرباً، فلم يكن هناك وفاق بين الرئيس السيسي وبين الرئيس الإسلامي المعزول.
وكثيراً ما شهدت العلاقات المصرية- السودانية توتراً: النزاع القديم حول مثلث حلايب (منطقة بالقرب من الحدود تحت السيادة المصرية تطالب بها السودان)، وهناك آراء متضاربة بين مصر والسودان حول سد النهضة الإثيوبي، الجاري تشييده حاليّاً، وكلاهما خلافان يلقيان بظلالهما على الروابط الثنائية بين الطرفين. ففي حين أن السودان أعرب عن تأييده بناء السد تنظر مصر إلى الأمر بوصفه تهديداً حقيقيّاً، وتخشى أن يقلل المشروع عند اكتماله من حصتها في المياه.
وكان دعم القاهرة للبشير نابعاً من حاجتها إلى حماية مصالحها الأمنية، وسط مخاوف بأن انعدام الاستقرار في السودان سيمتدّ بآثاره عبر الحدود، وصولاً إلى مصر. فمصر بالفعل تواجه تحديات أمنية كبرى على حدودها الغربية مع ليبيا، اضطرتها إلى وضع قوات في المنطقة لمواجهة محاولات تسلل جهاديين وتهريب الأسلحة. وهكذا، فمن شأن الاضطرار إلى تعزيز الأمن على طول الحدود الجنوبية مع السودان في وقت يشارك فيه الجيش المصري في عمليات مكافحة الإرهاب في شبه جزيرة سيناء، أن يُشتِّت القوات إلى حدٍّ كبير، بحسب الموقع الأمريكي.
لماذا يجب أن يقلق السيسي؟
تُعدُّ التشابهات بين اقتصادي مصر والسودان سبباً آخر لقلق حكومة السيسي من الاضطرابات على الجانب الآخر من الحدود، فمظاهرات السودان اندلعت بسبب ارتفاع أسعار الطعام، ونقص الغاز، الناجمين عن انخفاض قيمة العملة السودانية، في أكتوبر/تشرين الأول، ورفع الدعم عن القمح والوقود، ما أدى إلى زيادة التضخم. وسرعان ما تحوَّلت الاحتجاجات المتفرقة المنتقدة للتدابير التقشفية القاسية التي بدأت في 19 ديسمبر/كانون الأول، إلى ثورة كاملة تدعو إلى تنحي البشير.
وبحسب الموقع الأمريكي، يعاني المصريون أيضاً في ظلِّ ارتفاع التضخم، وهناك كذلك حالة استياء متنامية في البلد، بسبب ارتفاع أسعار الخدمات والسلع الأساسية، الناجم عن تخفيض الحكومة لقيمة الجنيه المصري بنسبة 48% في أواخر عام 2016، وما تبعه من تخفيضات متتالية في دعم الوقود والكهرباء منذ ذلك الحين. وتأتي هذه التدابير في إطار برنامج الحكومة للإصلاح الاقتصادي، بهدف تحقيق طلبات صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار، من أجل دعم الاقتصاد الذي تأذَّى كثيراً بفعل الاضطرابات السياسية التي تبِعت ثورة 2011. هذا، ومن المنتظر أن ترتفع الأسعار مرةً أخرى عندما تلغي الحكومة دعم الوقود المتوقع أن يسري في منتصف شهر يونيو/حزيران 2019، بحسب تقارير إعلامية محلية.
أيضاً، يتزايد الغضب في مصر بسبب «انتهاكات حقوق الإنسان غير المسبوقة»، والقمع السياسي الذي تمارسه الدولة. فقد سُجن آلاف المعارضين السياسيين، غالبيتهم من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين وداعميها، في إطار حملة قمع واسعة ضد المعارضة، بدأت منذ الإطاحة بالرئيس محمد مرسي، عضو جماعة الإخوان المسلمين في يوليو/تموز 2013. أيضاً، تقبع أعداد كبيرة من الناشطين الليبراليين والمدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين وراء القضبان، في تهم تقول جماعات حقوقية إنها ملفقة.
تعديلات دستورية على وقع ثورة السودان
وبحسب الموقع الأمريكي، جاءت إطاحة البشير في وقت تستعد فيه مصر لتنظيم استفتاء على تعديلات دستورية مثيرة للجدل، ستسمح للرئيس السيسي بالبقاء في السلطة لفترة تتعدى فترتَيْه الرئاسيَّتين (اللتين تنتهيان في 2022). كما ستُحكِم التعديلات المقترحة قبضةَ الرئيس السيسي على المحاكم، من خلال منحه السلطة لتعيين القضاة في أكبر المحاكم المصرية، وكذلك اختيار النائب العام. ستُعيد هذه التعديلات أيضاً القوة المطلقة للجيش في البلاد. ومع أن الجماعات الحقوقية، والأحزاب السياسية الليبرالية، وبعض النشطاء الداعمين للديمقراطية قد انتقدوا التعديلات بحدة، فمن المتوقع بشكل كبير أنه سيجري إقرارها، في ظلِّ ضمانات ضئيلة بأن الاستفتاء المقبل سيكون حرّاً ونزيهاً.
ومع إيمانهم بأن نتيجة الاستفتاء حقيقة واقعة، وعدم قدرتهم على الاحتجاج بسبب القانون «المُقيِّد» الصادر عام 2013، الذي يحظر المظاهرات، فليس هناك إلا خيار ضئيل للنشطاء المصريين، وهو التنفيس عن إحباطاتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وقد تابع كثير منهم التطورات الأخيرة في السودان والجزائر بأنفاس متلاحقة، وربما بشيء من الغيرة. وقد عبَّروا عن إعجابهم بوحدة المتظاهرين السودانيين وسلميتهم، من خلال نشر فيديوهات عن مظاهرات السودان الداعية إلى تغيير النظام. وعندما وردت الأنباء عن إطاحة البشير في 11 أبريل/نيسان، كانت هناك فرحة غامرة على شبكات التواصل الاجتماعي في مصر.
نشطاء معجبون بما يحدث في السودان
فغرد الناشط السياسي المصري ممدوح حمزة، الذي جرى توقيفه لفترة وجيزة في فبراير/ شباط بتهمة نشر أخبار كاذبة، على تويتر قائلاً: «مبروك شعب السودان: أرق وأرقى الشعوب العربية وأكثرهم قراءة للكتب. من جد وجد».
وانتشرت صورة لستة ديكاتوريين عرب أُطيحوا (بما فيهم الرئيس السوداني السابق البشير والرئيس الجزائري السابق بوتفليقة) على نطاق واسع على شبكات التواصل الاجتماعي، مع سؤال: «من (الديكتاتور) التالي»؟
وذكَّرت مشاهد المتظاهرين السودانيين الذين يحتفون بسقوط البشير الناشطين المصريين المؤيدين للديمقراطية بانتصارهم قصير الأجل في فبراير/شباط 2011 عندما تنحى الرئيس مبارك بعد 18 يوماً من الاحتجاجات. ولكن هذه الصور عملت أيضاً بمثابة تذكير مؤلم للأخطاء التي وقع فيها النشطاء الشباب في ميدان التحرير، ما دفع بعضهم إلى إرسال رسائل تحذيرية للمتظاهرين السودانيين بألا يغادروا الساحات العامة قبل تلبية مطالبهم.
حذر وائل إسكندر، وهو مدون مصري شارك في ثورة 2011 ضد مبارك قائلاً: «قد يكون اليوم هو البداية الحقيقية لكفاح السودانيين. النظام ليس شخص واحد فقط، بل هو شبكة من المصالح التي ستقاتل من أجل أن يبقى الوضع كما هو عليه، حتى وإن بدت الأمور مختلفة في ظاهرها بعض الشيء».
والمدافعون عن حقوق الإنسان مثل عايدة سيف الدولة، وهي إحدى مؤسسات مركز نديم لإعادة تأهيل ضحايا العنف والتعذيب، حثوا النشطاء السودانيين أيضاً على الثبات في أماكنهم. فقد رفضت بيان المجلس العسكري المؤقت الذي أكد فيه أن «الجيش لا يطمع في السلطة» وأن الحكومة التالية ستكون مدنية. غردت قائلة: «الشيء نفسه»، في إشارة منها على الأغلب إلى تراجع الرئيس السيسي عن تعهده بعدم الترشح للرئاسة، بحسب الموقع الأمريكي.
أراء أخرى أكثر تفائلاً
وبحسب الموقع الأمريكي قد بدا آخرون أكثر تفاؤلاً، مثل حسن نافع، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة.
فقد كتب :»لن تقبل الشعوب العربية من الآن فصاعد استبدال ديكتاتور بديكتاتور آخر»، ولكنه حذر أيضاً من أنه «ما لم يجر تنصيب حكومة مدنية نظيفة اليد ومستوعبة لإرادة التغيير تكلف بإدارة المرحلة الانتقالية فستكون النتيجة إعادة تدوير النظم الاستبدادية إلى الأبد. أعتقد أن الموجة الثانية للربيع العربي أكثر نضجاً وإصراراً».
جاءت تعليقاته بعد إعلان وزير الدفاع السوداني عوض محمد أحمد بن عوف في بيان تليفزيوني إلقاء القبض على البشير وبداية فترة انتقالية يحكم خلالها المجلس العسكري لمدة سنتين قبل تنظيم انتخابات ديمقراطية. فقد لاقت هذه الخطة معارضة المتظاهرين الذين تعهدوا بالبقاء في الشوارع حتى يسلم العسكريون السلطة إلى حكومة مدنية.
الفرار من النموذج المصري!
هتف المتظاهرون «إما النصر وإما مصر» في إشارة منهم للثورة المضادة التي عرقلت حدوث التغيير في مصر. وقد أثار هذا الهتاف حفيظة بعض المصريين الذين انتقدوه باعتباره «إساءة غير مبررة» وحثوا السودانيين على التراجع عنه قائلين: «احترموا مشاعرنا». وقد رثى الآخرين الحال قائلين بأن المصريين الذين ألهموا الآخرين بشجاعتهم ومثابرتهم منذ ثمان سنوات قد أصبحوا «أضحوكة العالم». وعبر آخرون عن دهشتهم بأن المتظاهرين السودانين ذكروا الوضع في مصر، وليس سوريا أو العراق اللذان مُزقهما سنوات من الحرب الأهلية والصراع.
ولكن الكاتب والباحث عمرو علي شجع السودانيين على التعلم من دروس الثورة المصرية، قائلاً: «كلف الأمر مصر مأساة لكي يتعلم السودان النجاح، فإن هذه المأساة لم تذهب سُدى»، بحسب الموقع الأمريكي