يعتبر التجسس من أسوأ التهم التي قد توجه إليك في الحرب، خاصة في الدول التي تدب فيها الفوضى، إذ قد تعرضك لخطر السجن لوقت طويل، أو القتل من قبل رجال مدججين بالأسلحة الجاهزة للإطلاق في أي لحظة، ولن يحميك منهم أي شيء، حتى لو كنت نسرًا بريئًا، وهذا ما حدث مع نيلسون في اليمن.
إذ قبضت المليشيات المسلحة الموالية للحكومة اليمنية الحالية والمدعومة من السعودية، على نيلسون في مدينة تعز، وهو نسر ضخم نادر من فصيلة griffon vulture، وعثر عناصرها على جهاز تحديد المواقع GPS في ساقه اليمنى، فاتهموه بنقل الأسرار العسكرية للحوثيين الذين يسيطرون على العاصمة اليمنية صنعاء، وفقًا لموقع "بي بي سي".
وكان نيلسون من بين 14 نسرًا زودت بأجهزة تتبع لأهداف بيئية، إذ أراد العلماء في مجموعة "صندوق تعقب الحيوانات البرية والنباتات FWFF"، مراقبة الأمكنة التي يحلق فيها، والتحقق مما إذا كان لا يزال على قيد الحياة، منذ بدأت رحلته من بلغاريا، وتابعوا تقدمه وهو يتجه جنوبًا في السعودية، إلا أنهم لم يكونوا قلقين بشأن ذلك، فغالبًا ما يقطع هذا النوع من الطيور مسافات شاسعة قبل أن يعود إلى موطنه.
وفقدت المجموعة البيئية الاتصال بنيلسون في نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2018، وبعد عبوره حدود السعودية مع اليمن، وعلمت في وقت لاحق أن بعض اليمنيين شاهدوه وهو يرفرف فوق تعز، التي تهزها الحرب وتنتشر فيها الكوليرا، فتعاطفوا معه وقرروا مساعدته على الرغم من ظروفهم السيئة، وأرسلوا مئات الرسائل في 5 إبريل/ نيسان إلى FWFF، مع انتشار الكوليرا للمرة الثالثة في مدينتهم منذ بدء الحرب عام 2015.
وعثر السكان المحليون على رقم الهاتف البلغاري للمجموعة البيئية ملصقًا بجناح نيلسون، فحاولوا التواصل معها لمساعدته على النجاة. وقالت نادية فانجيلوفا من FWFF: "إنهم أناس رائعون، يهتمون بحياة طائر على الرغم من ظروف الحرب الكارثية التي يواجهونها"، وأضافت: "تواصلوا معنا لأنهم يعلمون أن مساعدة نيلسون ستكون صعبة في بلد يكافح الناس فيه من أجل البقاء، في ظل الحرب والكوليرا والجوع".
وواجهت محاولات الناس لمساعدة نيلسون مشكلة صعبة، عندما لفت جهاز تحديد المواقع على ساقه أنظار أفراد مليشيا مسلحة محلية، فاحتجزوه وأرسلوه إلى قاعدة عسكرية في تعز، بقيادة رجل يطلق عليه اسم "الجنرال سالم"، إلا أن أخبار محنته وصلت إلى منظمة One World Actors Animal Rescue غير الحكومية، والتي تعنى بحقوق الحيوانات، فأرسلت رجلًا يدعى هشام الحوت، قطع رحلة طويلة من صنعاء إلى تعز، للضغط على الجنرال سالم ليطلق سراح النسر ويسمح بإطعامه ريثما يتخذ قرار بشأنه.
|
كما ضغط دعاة الحفاظ على البيئة في بلغاريا على السفارة اليمنية، وشارك العديد من الناس من فرنسا وأيرلندا قصته، لينجحوا في النهاية بإقناع المليشيات اليمنية بأن جهاز التعقب على ساقه لم يكن موجودًا بغاية التجسس، فأطلق سراحه ونقله هشام الحوت إلى صنعاء، حيث فحصه طبيب بيطري، وعالجه من إصابات تعرض لها، وغذاه ليصبح وزنه مناسبًا ليطير من جديد.
ويتوقع أن يصبح نيلسون بحالة جيدة بغضون 6 إلى 8 أسابيع، ليبدأ رحلة الهجرة من جديد، وقد يبدو من الغريب، وربما حتى من الخاطئ، إطعام نسر لحومًا طازجة، في بلد يواجه فيه قرابة 240 ألف شخص خطر الموت جوعًا، إلا أن استجابة اليمنيين لأزمة نيلسون كانت غير مسبوقة، وتؤكد على إنسانيتهم الخالصة، حتى في أسوأ حالات الطوارئ الإنسانية في العالم.